كتب هشام الدجاني في ملحق تيارات عدد "الحياة" 23 ايار/ مايو 99 عرضاً لكتابي "الدين والسياسة في اسرائيل" متهماً إياي "بالمبالغة وترديد الأساطير" لأنني كتبت أقول ان "اسرائيل كيان توسعي لأنها تفترض احقيتها في البقاء والتوسع ولو على حساب ما عداها من الشعوب، واسرائيل الكبرى التي تمتد على حساب الغير هي هدف الصهيونية". اعتبر الدجاني ان القوى العظمى التي أوجدت اسرائيل "رسمت لها حدودها في اطار قرار التقسيم". وان "القوى العظمى والأسرة الدولية لا يمكن ان تسمح بتوسع اسرائيل خارج حدود 1967...". وينتهي الى ان "اسرائيل الكبرى هي مجرد اسطورة، وانها لم ترد أبداً في بيان أي حزب سياسي في اسرائيل". واعتبر انني أنفقت "جهداً كبيراً لا طائل تحته" في محاولة "دحض وجود ارتباط تاريخي ما بين اليهود والصهاينة في فلسطين" وبين ما أسماه "الممالك اليهودية التي قامت على أرض كنعان" الأمر الذي يحتم الرد على ذلك. ان ثمة حقيقة علمية يصل اليها كل باحث منصف، وهي ان اسرائيل كيان استعماري استيطاني عنصري توسعي حالها في ذلك حال كل كيان استعماري استيطاني آخر. فكل كيان استعماري استيطاني هو كيان عنصري توسعي بالضرورة. وسمة التوسع لدى الاسرائيليين يُجمع عليها علماء ثقاة من امثال: عبدالوهاب المسيري، وصبري جريس، وروجيه غارودي، ونعوم تشومسكي، واسرائيل شاحاك. ان هدف الصهيونية هو استعمار فلسطين وطرد أهلها الشرعيين وإحلال الجماعات اليهودية محلهم، والتوسعية الصهيونية - كما يرى عبدالوهاب المسيري - "ليست امراً عرضياً دخيلاً على الرؤية الصهيونية وإنما هي سمة بنيوية فيها"، وهي تعتمد - في الأساس - على قوة الصهيونية ودولة اسرائيل. وعبّر عن ذلك هرتزل في يومياته حينما اعتبر انه كلما زاد عدد المهاجرين كلما اتسعت رقعة الأرض. ولا تزال اسرائيل وفية لمقولة هرتزل هذه فثمة - في اسرائيل - قانونان اساسيان يثبتان عنصرية الدولة وتوسعيتها هما قانون العودة وقانون الجنسية، وهما قانونان ليس لهما مثيل في أية دولة من دول عالمنا المعاصر. وهناك اختلاف واضح بين يهود اليوم حول حدود الدولة، تلك الحدود التي يشار اليها في المصطلح الديني ب"أرض اسرائيل" او اسرائيل التاريخية، او في المصطلح السياسي اسرائيل الكبرى عند جناح صهيوني "يميني". وقد حدد المسيري في موسوعة "اليهود واليهودية والصهيونية" ثمانية معان لمصطلح "ارض اسرائيل". ولهذا لم ترسم اسرائيل لنفسها حدوداً دائمة كما جل دول عالمنا المعاصر، ذلك بأن الدولة قامت "فوق جزء من أرض اسرائيل" كما قال بن غوريون عام 1952. ولهذا أيضاً لم يكن "رفض العرب لقرار التقسيم، واخفاقهم الذريع في حرب 1948" من الاسباب التي دعت اسرائيل الى مزيد من التوسع. كانت حرب 48/ 1949 بهدف تنفيذ قرار التقسيم وحصول اليهود على مزيد من الأرض، اذ ان قادة الصهيونية ادركوا منذ البداية - كما أوضحت في مقال سابق نشر في الحياة بتاريخ 26 آب اغسطس 1998 - ان قرار التقسيم الصادر عام 1947 لا يمكن تطبيقه الا بالقوة العسكرية، اذ كيف يمكن لليهود وهم وقتذاك يملكون 6 في المئة من مساحة فلسطين ان يقيموا دولة على مساحة 55.5 في المئة من فلسطين كما جاء في قرار التقسيم. ان من يرى ان من اسباب حرب 48 رفض العرب قرار التقسيم لا يدرك ان قبول قرار التقسيم عام 1947 كان يعني ان يقدم العرب نحو 49.5 في المئة من مساحة فلسطين لليهود تمثل الفارق بين ما كان بحوزة اليهود قبل قرار التقسيم وحرب 48، وبين ما اعطاه قرار التقسيم لليهود. ويمكن الرجوع في هذا الشأن الى كتابات وليد الخالدي عن الصهيونية وعن قرار التقسيم، او الى كتابات اسعد رزوق، او الى كتابات غارودي .... آثرت - بعد عرض صلب موضوعي والمتمثل في الاحزاب والجماعات الدينية في اسرائيل ودورها في الحياة السياسية في نحو 560 صفحة - آثرت القيام بإعداد ملحقين مقتضبين اتجهت بهما الى بعض الكتّاب العرب الذين يرددون بعض الاساطير الصهيونية بغير وعي، وذلك بهدف ان يكفوا عن ذلك. فهذه الاساطير تعتمد، كلية، على التاريخ الذي تكتبه اقلام صهيونية. وأوضحت نهجي هذا في تقديمي للكتاب وفي مقدمته، وفي صدر الملحق رقم 3. ومن هنا فلم يتعرض الكتاب لمسيرة السلام، كما انه لم يكن من موضوعاته الرئيسية دحض وجود ارتباط تاريخي بين "الصهاينة في فلسطين" وما أسماه الدجاني "الممالك اليهودية التي قامت على أرض كنعان". وعلى رغم ذلك راح الدجاني - بعد ان عرض محتويات الكتاب عرضاً سريعاً من دون تحليل او نقد - يتهمني ب"المبالغة وترديد الاساطير"، وبأنني "انفقت جهداً كبيراً لا طائل تحته"، وكأنه في ذلك لم يقرأ سوى مقدمة الكتاب وملاحقه. ولعل هذا الأمر يحدد في نظري ما وصلت اليه حالنا - نحن العرب - هذه الأيام. عبدالفتاح محمد ماضي قسم العلوم السياسية كلية التجارة، جامعة الاسكندرية.