عبدالفتاح محمد ماضي. الدين والسياسة في اسرائيل دراسة في الاحزاب والجماعات الدينية في اسرائيل ودورها في الحياة السياسية. مكتبة مدبولي، القاهرة. 1999. 618 صفحة. شكل اليهود المتدينون أحزاباً وحركات سياسية ذات توجهات مختلفة. وقد أطلق العلمانيون والاصلاحيون اليهود على هذه الاحزاب وصف "اليهودية الارثوذكسية". بيد ان هذه الارثوذكسية ليست فريقاً واحداً. فهي في نظرتها الى الصهيونية تنقسم الى تيارين اساسيين: - التيار الأول يضم الاحزاب الدينية المعترفة بالصهيونية وبدولة اسرائيل، وهو التيار الذي يُعرف باسم "الصهيونية الدينية". ومن أبرز الاحزاب الممثلة لهذا التيار، والذي كان من دعاة اقامة الدولة، "الحزب الديني القومي" المفدال. - والتيار الثاني يمثل الارثوذكسية المتشددة التي لا تعترف بالصهيونية ولا بالدولة، وترى ان خلاص اليهود لا يتم إلا على يد "المسيح المنتظر". ومن أبرز الأحزاب الدينية الممثلة لهذا التيار حزب "أغودات يسرائيل". لا بد من الإشارة الى تيارين آخرين، وان كانا أقل شأنا ولا يضطلعان بدور مهم في الحياة السياسية. التيار الأول يتمثل في جماعة "حراس المدينة" ناتوري كارتا التي لا تعترف بالصهيونية وتعتبرها خروجاً على اليهودية، وتدعو الى إزالة الدولة. والتيار الآخر تيار يميني متعصب يدعو الى ممارسة العنف والقتل ضد العرب ومصادرة أراضيهم. ومن أبرز ممثلي هذا التيار كتلة "عوش أمونيم" وحركة "كاخ". ومع ان الحركة الأخيرة ممنوعة من ممارسة أية نشاطات سياسية إلا ان ممارساتها العنصرية على الأرض تجلت في كثير من المذابح ضد العرب الفلسطينيين. تلتقى الاحزاب الدينية في اسرائيل على جملة من المبادئ والأهداف مثل تبني الرؤية الارثوذكسية في تعريف اليهودي، ومراعاة التعاليم الدينية في الدولة، واستمرار تدفق الاعتمادات المالية الحكومية على المؤسسات والمدارس الدينية. وتضطلع هذه الاحزاب بتياريها الاساسيين بدور فاعل ومتنام في الحياة السياسية وصنع القرار السياسي يفوق قوتها التمثيلية في الكنيست. ومن الملاحظ، تأكيداً على تنامي وزنها التمثيلي ايضاً، انه في حين لم يزد عدد مقاعدها في الكنيست عن 18 مقعداً طوال الفترة من عام 1949 وحتى 1992، ارتفع هذا العدد الى 23 مقعداً في الكنيست الأخير 1996. وكانت جميع الحكومات الاسرائيلية اليمينية ليكود أو اليسارية العمل مضطرة الى مشاركتها. وتتعرض الاحزاب الدينية في اسرائيل، كشأن غيرها من الاحزاب السياسية، الى العديد من الانشقاقات والانقسامات التي اتخذت فيها الأبعاد الطائفية بعداً كبيراً. ومن هنا فقد ظهرت عدة احزاب دينية انشقت عن الحزبين الرئيسيين المفدال وأغودات يسرائيل وراحت تحتل موقعاً مرموقاً في الحياة السياسية، يفوق دور هذين الحزبين، مثل حزب "حراس التوراة الشرقيين" المعروف باسم "شاس"، وحزب "راية التوراة" ديغيل هاتوراه. ويتمثل الأول في الكنيست الأخير الحالي ب10 مقاعد والثاني ب4 مقاعد. مما تقدم يتبين ان الكتاب يستهدف دراسة الاحزاب والجماعات الدينية في اسرائيل، والدور الذي تضطلع به في الحياة السياسية، وصنع القرار السياسي. ويحاول المؤلف في هذه الدراسة الإجابة على عدة أسئلة من مثل: موقع الدين في بناء الايديولوجيا الرسمية للدولة الصهيونية السياسية، والملامح الرئيسية لشكل العلاقة بين الدين والدولة في اسرائيل، وحجم مشاركة الأحزاب الدينية في الحكومات الائتلافية، والدور الذي تلعبه هذه الاحزاب في بقاء تلك الحكومات أو سقوطها. من أجل ان يصل المؤلف الى دراسة الاحزاب الاسرائيلية، والاحزاب الدينية تحديداً، كان لا بد له من العودة الى الجذور، أي الى نشأة الحركة الصهيونية. ومع انه لا يضيف جديداً حين يقول ان الحركة الصهيونية حركة استعمارية نشأت في أوروبا كحل استعماري لما كان يعرف باسم المسألة اليهودية، وان أهداف ومطامع الحركة الصهيونية في اقامة دولة لليهود في فلسطين قد التقت مع أهداف ومطامع القوى الاستعمارية الغربية في اقامة حاجز بشري غريب بين مشرق العالم العربي ومغربه... الخ. إلا ان المؤلف لا يحالفه التوفيق حين يحاول تفسير ما يسمى بالحركة الصهيونية غير اليهودية أو "الصهيونية المسيحية". ذلك انه ينحو منحى دينياً بحتاً ويأخذ التسمية "الصهيونية المسيحية" بحذافيرها. فهو يقول ان هذه الصهيونية هي من نتاج حركة الاصلاح الديني البروتستانتي في أوروبا، والتي آمن أتباعها بحرفية الكتاب المقدس ووعود الرب لإبراهيم ويعقوب وبأن عودة اليهود الى فلسطين هي المقدمة لعودة المسيح المنتظر. قد انتقلت أفكار هذه الحركة مع المهاجرين الأوروبيين البروتستانت الى اميركا حيث ظهرت منظمات الحركة المسيحية الأصولية التي تؤمن ايماناً دينياً عميقاً بمساعدة اسرائيل وشعبها. صحيح ان هناك جمعيات مسيحية اميركية تتعاطف مع اسرائيل الا ان الحاضن الحقيقي لاسرائيل هو "الصهيونية المسيحية" في الكونغرس والإدارة الاميركية وبعض معاقل النفوذ الصهيوني الأخرى. هذا الحا ضن الأساسي لا علاقة له بالدين ولا يؤيد اسرائيل لاعتبارات دينية بل لاعتبارات تتعلق بمصالح الولاياتالمتحدة الاستراتيجية في المنطقة والعالم. فاسرائيل في المنظور الاميركي "مصلحة وطنية اميركية". وتعبير "الصهيونية المسيحية" في الادبيات السياسية المعاصرة يعني تحديداً هذه القوى "المتصهينة" - وهي قوى مسيحية - التي تساند اسرائيل لخدمة أهداف ومصالح الولاياتالمتحدة قبل كل شيء. والكاتب نفسه يعترف، في موقع آخر، ان اسرائيل كيان وظيفي يعمل كأداة في يد قوى استعمارية عظمى، حيث تقوم بدور الوكيل عن دول غربية... بهدف الحفاظ على المصالح الاستراتيجية لهذه الدول. ويرى الكاتب ايضاً ان اسرائيل كيان استعماري عسكري توسعي... لأنها تفترض أحقيتها في البقاء والتوسع على حساب ما عداها من الشعوب... و"اسرائيل الكبرى التي تمتد على حساب الغير هي هدف الصهيونية". هنا يقع المؤلف مرة اخرى في شباك المبالغة وترديد اساطير لا سند لها واقعاً. فاسرائيل التي انشئت بإرادة قوى عظمى رسمت لها حدودها في اطار قرار التقسيم الصادر عن الاممالمتحدة عام 1947. ورفض العرب لقرار التقسيم، واخفاقهم الذريع في حرب 1948 كانا من بين الاسباب التي دعت اسرائيل الى مزيد من التوسع حتى حدود 1948 المعروفة. والتوسع الهائل الذي جرى عام 1967 كان مرة اخرى نتيجة وبيلة للاخفاق العسكري العربي الذريع. الا ان القوى العظمى التي أوجدت اسرائيل لا تريد لها هذا التوسع. وهناك قرارات دولية تجبر اسرائيل على العودة الى حدود 67. واذا كانت هذه القوى العظمى قد تلكأت كثيراً في اجبار اسرائيل على تنفيذ قرارات الاممالمتحدة 242 و338 لأسباب معروفة تتعلق بصراع القوى العظمى في فترة الحرب الباردة، فإن هذه القوى قد حسمت أمرها في مدريد وهي تعمل اليوم على اعادة تحجيم اسرائيل الى حدود 67. ان مقولة "اسرائيل الكبرى" هي مجرد اسطورة. وهي ان وردت على لسان بعض المتشددين إلا أنها لم ترد أبداً في بيان أي حزب سياسي في اسرائيل. وحكام اسرائيل يعرفون جيداً ان مقولة كهذه هي مجرد وهم وان القوى العظمى والأسرة الدولية لا يمكن ان تسمح بتوسع اسرائيل خارج حدود 67. المجال الوحيد الذي توسعت فيه اسرائيل، مستغلة ضعف العرب من جهة، وتغاضي القوى النافذة، وخاصة الولاياتالمتحدة من جهة ثانية، هو بالطبع بناء المستوطنات في الضفة الغربية. ومع هذا فإن اتفاق اوسلو يتضمن التفاو ض حول الو ضع النهائي للقدس والمستوطنات. لا بد من الإشارة ايضاً الى ان المؤلف أنفق جهداً كبيراً - لا طائل تحته مع الأسف - في محاولة دحض وجود ارتباط تاريخي ما بين اليهود الصهاينة في فلسطين اليوم، والممالك اليهودية التي قامت على أرض كنعان قبل قرابة ألفي سنة. ان انتفاء هذا الارتباط هو حقيقة علمية لا تحتاج الى برهان. ومقولة "أرض الميعاد" ما هي إلا خرافة اخرى استغلها الصهاينة لتضليل بعض جماهيرهم واستغلال بعض المشاعر الدينية. فلسطين أصلاً لم تكن واردة في ذهن دعاة الصهيونية الأوائل. كانوا يفكرون في "وطن"، واختيار فلسطين "وطناً" لم يكن اختيارهم بل كان اختياراً بريطانياً ساندته فيما بعد الولاياتالمتحدة وقوى نافذة اخرى. والمؤرخون الاسرائيليون الموضوعيون يعرفون هذه الحقائق جيداً ، وهم لا يزعمون ان فلسطين كانت وطنهم التاريخي، وها هم يعودون اليه، انهم يعرفون جيداً ان اسرائيل المعاصرة لا علاقة لها بالوطن التاريخي. إنها كيان استعماري حديث انشئ لخدمة أهداف ومصالح غربية محددة. واذا كان المؤلف نفسه يقول ان اسرائيل كيان استعماري استيطاني احلالي بمعنى طرد شعب فلسطين ليحل اليهود محله فلماذا ينفق كل هذا الجهد في محاولة اثبات عدم وجود علاقة هي منتفية اصلاً؟!