طمأنة ك. ب. مالكاني، الناطق بلسان الائتلاف الحاكم في الهند، قد لا تطمئن كثيراً. فهو قال إن بلاده لن تستعمل السلاح النووي في النزاع على كشمير. لكن ما لا يمكن ان يقوله بتاتاً ان الهند، فضلا عن جارتها اللدود باكستان، ربما كانتا بحاجة ماسة الى... حرب رابعة. لنذكّر، بادىء ذي بدء، بان اثنتين من الحروب الثلاث في نصف القرن المنصرم دارتا حول كشمير. وانه في كل عام، وحينما يبدأ الثلج بالذوبان، تتحول تلك المنطقة منطقة اشتباكات حدودية على هذا القدر او ذاك من الضراوة. المسافة، اذن، بين السلام البارد والحرب ليست مسافة طويلة. الا ان جديد اليوم قد يزيد في تقصيرها. فالائتلاف الحاكم في نيودلهي، والذي يقوده حزب "بهاراتيا جاناتا" القومي - الهندوسي، هو ائتلاف تصريف أعمال في انتظار انتخابات ليست مضمونة النتائج. أما باكستان نواز شريف فهي بقضّها وقضيضها مشروع معطّل لن تكفي عيوب بنازير بوتو وزوجها لبث الحياة فيه. والراهن ان مافعله رئيس الحكومة الحالي لا يتعدى كشف النقاب عن هذا التعطيل الذي نجح الجنرال الراحل ضياء الحق في كبته ولجمه. على ان خسارة الهند طائرتي ميغ قابلة للتحول شعاراً يهيج الجمهور الذي يقترع تقليدياً لأتال بيهاري فاجبايي وحزبه، بقدر ما يدغدغ ظفر الجمهور الباكستاني الذي يقترع تقليدياً لنواز شريف. وهما، في الحساب الاخير، جمهوران مستاءان من التقارب الذي كانت شهدته المرحلة الماضية. مع هذا فالقلق مستمد من اسباب اخرى تكمن في الوضع الدولي الذي يستنفده الانشغال بكوسوفو وصربيا. لكن المفارقة ان الانشغال هذا ليس حائلاً دون الاندراج في الافق الدولي. فليس بلا دلالة ان كلا من الطرفين يحاول تقديم حربه بموجب نسخة دولية مقبولة: فيؤكد الهنود على دور "المرتزقة الأفغان" في اعمال التسلل بما يُدرجهم في خانة مقاومة الارهاب الذي ينحسر عن رقعة في الأرض بعد أخرى. ويؤكد الباكستانيون على صيغة تقرّب معركتهم من المعركة الدائرة في كوسوفا وصربيا، فيحلّون هم محل البانيا، ويحل المتمردون الكشميريون محل "جيش تحرير كوسوفو"، فيما تحتل الهند الموقع الذي يشغله ميلوشيفيتش والصرب. وتعزز نيودلهي الرواية الباكستانية اذ تؤكد على "دور الولاياتالمتحدة من خلال دعم باكستان"، مستعملةً اللغة القومية - الهندوسية، بعد تمريرها بمَطهر ميلوشيفيتشي - صدامي، في اتهام "الهيمنة الأميركية للسيطرة على العالم". والخطير، هنا، ان هند بهاراتيا جاناتا تختار لنفسها صورةً أصلها في نوازع الدمج القومي اكثر مما في تجربة التعدد الهندي نفسه. فحين تختار نسقها الدولي في مكافحة الارهاب، لا تجد اتحاداً سوفياتياً يقف الى جانبها، كما لا تجد في العالم آذاناً صاغية بأكثر مما أصغت الى اتهام الكوسوفيين بالارهاب.