رسالة بسيطة ربما تغيّر قواعد الحرب في البلقان: الاذن باغتيال سلوبودان ميلوشيفيتش. ففي وقت كانت محكمة الجزاء الدولية الخاصة بيوغوسلافيا منهمكة في لاهاي بتوجيه التهم الى الرئيس اليوغوسلافي بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية في كوسوفو، ظهرت معلومات مفادها انه قد يجري التخلص منه على يد قاتل درّبته وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية "سي أي آي". المعلومات تقول ان الرسالة صدرت من الطابق الخامس في مقر ال "سي آي أيه"، حيث مكتب مدير الوكالة وكبار المحللين التابعين له. وانتقلت عبر قناة اتصال مأمونة بالفاكس الى "مركز العمل الخاص بالازمات" الذي يمتد على مساحة كبيرة تحت الارض في "مقر قيادة العمليات الخاصة" في قاعدة ماكديل لسلاح الجو في تامبا ولاية فلوريدا. تجري من هناك مراقبة العالم على مدار الساعة. ويعرض احد اجهزة التلفزيون دون انقطاع ما تبثه شبكة "سي إن إن"، الشبكة العالمية التي تلعب دورا موكلا لها في المعركة التي يخوضها حلف الاطلسي بتخطيط من الولاياتالمتحدة لاطاحة الرئيس اليوغوسلافي. فهي تقود الحملة الاعلامية التي اعدها البيت الابيض بعناية للتأكيد على ان حرب الاطلسي ليست ضد الشعب الصربي، بل ضد ميلوشيفيتش. واكتسب هذا التوجه زخماً جديداً يوم الجمعة 21 الشهر الجاري عندما وصلت رسالة من مقر "سي آي أيه" في لانغلي تشير الى ان الوكالة ستساعد على تدريب "جيش تحرير كوسوفو" على طرق لاغتيال ميلوشيفيتش. وعلى رغم وجود "امر رئاسي" بتحريم اغتيال اي زعيم سياسي فإنه يبدو في حكم المؤكد تقريباً ان قرار "التصفية" وهو المصطلح الذي تطلقه "سي آي أيه" على الاغتيال، معروف لدى الرئيس بيل كلينتون الذي اصبح يعتبر ميلوشيفيتش اشد خطراً حتى من صدام حسين. ويحتل الرئيس اليوغوسلافي حالياً موقع الصدارة بين الاهداف العشرة الابرز التي حُدّدت ل"مركز العمل الخاص بالازمات". ويقال ان من بين الاهداف الاخرى، معمر القذافي وصدام. ونجا الاثنان في الماضي من محاولات اغتيال اُطلقت من المقر الحصين تحت الارض الذي تحميه اجهزة مسح الكترونية وأقفال مشفرة. وفي هذا القبو الضخم تقوم اجهزة كومبيوتر بمتابعة كل العمليات الخاصة الاميركية في أرجاء العالم. وهي الاجهزة ذاتها التي ساعدت في تشكيل الفريق الذي سيتولى تدريب "جيش تحرير كوسوفو" على فنون الاغتيال. وكان "قسم العمليات" في "سي آي أيه" هيّأ بعض الخطط لقتل ميلوشيفيتش حتى قبل انطلاق العمليات الحربية في البلقان. ومن ضمن هذه الخطط تخريب سيارة الرئيس اليوغوسلافي وتسميم طعامه واطلاق النار عليه في مكان عام. وكانت هذه الاحتمالات كلها، تخضع للقواعد الاجرائية ذاتها التي يمنع انتهاكها. فلا يمكن لل"سي أي آيه" او أي وكالة اميركية اخرى ان تتورط بشكل مباشر. سيكون اغتيالاً بالوكالة، وسيتم التنصل من المسؤولية كلياً. وكانت ال "سي أي آيه" أوفدت فريق استكشاف الى كوسوفو في الايام الاولى من الحرب لاقامة اتصال مع "جيش تحرير كوسوفو" واختيار المرشحين المحتملين للتدريب على عمليات الاغتيال. ونُقل الرجال الى البانيا في انتظار وصول المدربين من اميركا. وكان مقاتلو "جيش تحرير كوسوفو" يمثلون مجموعة متنافرة، إختير كل رجل من قبل قائدهم هاشم تاتشي وهو شخصية تُعرف بشراستها. ونقش العديد من هؤلاء المقاتلين على اجسادهم انواع الوشم التي تمجّد "الاوستاشا"، التنظيم الكرواتي الموالي للنازية الذي عُرف بوحشيته في الحرب العالمية الثانية لدرجة ان جنرالات هتلر لم يكونوا يطيقونهم احياناً. ولجأ تاتشي الى احياء "الاوستاشا" في النزاع الحالي، ويتحمل اعضاء هذا التنظيم مسؤولية ارتكاب بعض المذابح الاكثر شناعة في كوسوفو. وكانت بقية افراد المجموعة ماركسيين اجلاف. وضم الفريق الاميركي عناصر من "القبعات الخضر" واعضاء في "القيادة المشتركة للعمليات الخاصة"، وهي من اكثر الوحدات سرية وقسوة في الجيش الاميركي. ودُمج بالفريق اعضاء في "مجموعة العمليات الخاصة" التابعة لل"سي آي أيه". وهي تتألف من جنود سابقين خدموا عادة في "القبعات الخضر" ويعرفون كيف يتغلغلون داخل بلدان متنكرين بزي مدني لتدريب قوات اجنبية لا تريد، لاسباب سياسية، ان ترتبط علناً بجنود اميركيين يرتدون الزي النظامي. وكانت هذه الوحدة التابعة لل"سي آي أيه" درّبت متمردي حركة "الكونترا" في نيكاراغوا وهندوراس وتعاونت مع وكالات اخرى في حرب المخدرات الدائرة في اميركا اللاتينية. وتملك الوحدة، حسب عضو سابق فيها، "دفتر شيكات مفتوح. لا نحتاج سوى الى ملء الارقام ونحصل على ما نريد. لا توجّه اية اسئلة. لا تُردّد اي اكاذيب". وبلغ مجموع افراد الفريق الذي يتولى تدريب "جيش تحرير كوسوفو" على طرق اغتيال ميلوشيفيتش حوالي 70 شخصاً عندما غادر تامبا متوجهاً الى اوروبا يوم السبت 23 الشهر الجاري. وهبطت الطائرة التي كانت تقلّهم وهي محملة ببعض المعدات المتطورة الخاصة بالحرب السرية، في احدى قواعد الاطلسي في ايطاليا. ومن هناك نُقل الفريق بواسطة مروحيات الجيش الاميركي الى البانيا. وكانت بانتظارهم مجموعات من مقاتلي "جيش تحرير كوسوفو" بملابسهم الرثة وحلمهم الوحيد هو ان يقتلوا ميلوشيفيتش. وسيخضع مقاتلو "جيش تحرير كوسوفو" لبرنامج تدريب عنيف يهدف الى جعلهم يركزون الانتباه على مهمتهم هذه. وهو ما يتطلب شحذ يقظتهم ورفع درجة استعدادهم الى اعلى المستويات. كما يشمل البرنامج اختبارات للذاكرة والتغلغل واتقان عمليات التخريب، كتدمير اجهزة اتصالات وزرع سيارات مفخخة. وسيسعى الخبراء النفسيون ضمن الفريق الاميركي الى غرس المزيد من الكره لميلوشيفيتش في نفوس المقاتلين. والكثير مما سيتعلمه هؤلاء لا يختلف عما تنفذه تنظيمات ارهابية مثل "إيتا" في اسبانيا او "الجيش الجمهوري الايرلندي". وجلب الاميركيون معهم احدث المعلومات الاستخبارية عن الرئيس اليوغوسلافي. وحُدّدت على خرائط لبلغراد، بالاستناد الى الترصد بواسطة الاقمار الاصطناعية، كل المواقع التي يتوقع ان يتوارى فيها. وتخضع خطط الاغتيال التي اعدتها "سي آي أيه" الى مزيد من التمحيص وتُكيّف للظروف الراهنة في المدينة. وحصل المدربون الاميركيون على معلومات قيّمة من الصرب الهاربين من الخدمة العسكرية. وفي وقت ما لا يعرفه احد، ستتوجه وحدات "جيش تحرير كوسوفو" الى بلغراد كي تنتظر فرصتها: ان تَقتل او تُقتل. وافرادها "يمكن الاستغناء عنهم"، حسب التعبير القاسي للمدربين، فهناك كثرة من المتطوعين الذين ينتظرون في الطابور ليأخذوا مكانهم. بمعنى ما، سيسبق "جيش تحرير كوسوفو" أي قوة برية ينوي حلف الاطلسي ادخالها الى كوسوفو. لكن مصادر في واشنطن قالت ان دور "جيش تحرير كوسوفو" يعتبر "هامشياً". وهو ما يذكر بتعليق للرئىس السابق لهيئة الاركان المشتركة كولن باول الذي قال مرة: "حالما يخبروني انها عملية محدودة، يعني ذلك انهم لا يعيرون اهتماماً اذا كنت ستحقق نتيجة أو لا". * صحافي - مؤلف كتاب "جواسيس جدعون".