لقاء الملك عبدالله والرئيس ياسر عرفات، في غزة امس، جاء في اعقاب انقلاب سياسي في اسرائيل، وعلى خلفية تحولات لافتة في سورية نحو سياسات اكثر انفتاحاً ومرونة، ولقاءات مهمة للمعارضة العراقية في واشنطن. تشير هذه التطورات الاقليمية والدولية الى ان ملفي عملية السلام في الشرق الاوسط وازمة العراق سيعودان مجدداً الى واجهة الاحداث في شكل قد يكون متزامناً. فبالاضافة الى ان نتائج الانتخابات الاسرائيلية تحتم في حد ذاتها اعادة احياء عملية السلام على المسارين الفلسطيني من جهة، والسوري-اللبناني من جهة اخرى، فإن قرار حلف الاطلسي الموافقة على اقتراح بريطاني لإرسال 50 الف جندي اضافي الى البلقان، يعتبر بداية النهاية لجهة حسم عسكري او سياسي لأزمة كوسوفو، واعادة التركيز على العراق. وما لا شك فيه ان دعوة الرئيس المصري حسني مبارك الى لقاء قمة خماسي، هو مؤشر اضافي على الرغبة في تحقيق اقصى حد ممكن من التنسيق العربي عشية اعادة انطلاق المفاوضات السلمية بعد تشكيل الحكومة الاسرائيلية الجديدة. ومن جهة اخرى، فإن قرار واشنطن البدء بصرف اموال مخصصة لتصعيد عمل المعارضة العراقية ضد النظام في بغداد مع اقتراب مرحلة الحسم في كوسوفو، لا يمكن ان يكون مصادفة غير محسوبة. لكن السؤال هو: هل في إمكان واشنطن التعامل مع ملفين شرق اوسطيين ساخنين بهذا الحجم في شكل متزامن؟ وهل يمكن لعملية السلام في الشرق الاوسط ان تتقدم عربياً فيما تتصاعد حملة إطاحة النظام العراقي مع ما يمكن ان يعنيه نجاح الحملة على صعيد احتمالات خلق حال من عدم الاستقرار في المنطقة؟ يبدو ان واشنطن، بحسب مصادر الخارجية الاميركية، لا ترى مشكلة في معالجة ملف السلام في الشرق الاوسط وملف إطاحة النظام العراقي في آن. ويشير محللون الى ان معاهدة السلام المصرية-الاسرائيلية صمدت رغم الاجتياح الاسرائيلي للبنان في العام 1982، وان دول المنطقة على استعداد هذه المرة للتعاون مع واشنطن لمعالجة كلا الملفين رغم اختلاف الاولويات ووجهات النظر. ومن الواضح ان المرحلة المقبلة هي مرحلة حسم الاولويات. فرئيس الوزراء الاسرائيلي المنتخب سيضطر قريباً الى حسم اولوياته في تشكيل حكومته مع ما سيتبع ذلك من تحديد لاولويات التحرك السياسي داخلياً واقليمياً، والرئيس الاميركي يريد انجازاً شرق اوسطي قبل انتهاء ولايته بعد ان نجح نتانياهو في تعطيل استحقاق السلام خلال المرحلة الماضية. كما ترغب سورية في استئناف المفاوضات مع اسرائيل من حيث توقفت فيما يواصل الرئيس حافظ الاسد عملية ترتيب البيت الداخلي تمهيدا لإستحقاقات المرحلة القادمة. لذلك، فإن لقاء الملك عبدالله بالرئيس الفلسطيني، ودعوة الرئيس المصري لقمة خماسية يؤشران الى ضرورة بدء تنسيق عربي ثنائي ومتعدد الاطراف تمهيدا لإستحقاقات عملية السلام في الفترة المقبلة. ولأن تصلب الحكومة الاسرائيلية السابقة كان احبط صدقية واشنطن واعاق التحرك الاميركي تجاه الحسم في بغداد، فإن مرونة الحكومة الاسرائيلية الجديدة في التعاطي مع ملف السلام سيعطي قوة دفع ومساحة اوسع لواشنطن في التعامل مع ملف العراق بعد الانتهاء من كوسوفو. ولذلك، فإن عملية السلام، التي انطلقت في اعقاب حرب الخليج الثانية وربما بسببها، قد تكون سببا لتحريك الملف العراقي بعد تحرك المفاوضات نتيجة الانقلاب الاسرائيلي. إذ ان حكومة نتانياهو كانت ضربت المصالح الاميركية في المنطقة وقدمت خدمة مجانية للنظام في بغداد بسبب مزاودتها على بغداد في تحدي قرارات الشرعية الدولية. اما اليوم، فإن فوز باراك في تل ابيب يجب ان يكون مصدر قلق كبير في بغداد!