قال وزير الخارجية الروسي ايغور ايفانوف ان التدخل البري لحلف الاطلسي في كوسوفو يضع اوروبا على حافة حرب مديدة، لكنه اكد على الحاجة الى وجود دولي في كوسوفو تقبله بلغراد. واقترح ايفانوف، في حديث الى "الحياة"، تمديد العمل بالاتفاق الموقت بين منظمة التحرير الفلسطينية واسرائيل الذي ينتهي مفعوله في الرابع من أيار مايو المقبل، واعتبر الظروف الراهنة تستدعي عبور موعد الرابع من أيار مايو من دون هزات، واضفاء حال الاستقرار على عملية السلام. وأعرب عن امله باستئناف المفاوضات السورية - الاسرائيلية من النقطة التي توقفت عندها، وعزا تأجيل زيارة الرئيس حافظ الأسد الى موسكو الى اسباب فنية. وأكد الوزير الروسي ان التعاون العسكري مع سورية لا يخل بموازين القوى الاقليمية. واعتبر التدخل في الشؤون الداخلية للعراق خطيراً للغاية، ويهدد بتقسيم البلد. تتزامن زيارتكم الى الشرق الأوسط مع تفاقم أزمة البلقان، كيف تقومون آفاق حل هذه المشكلة، وما السيناريوهات المحتملة لتدهور الاوضاع في المنطقة؟ وهل ستؤثر الازمة في علاقات روسيا مع العالم الاسلامي؟ - الوضع في يوغوسلافيا خطير للغاية. وتثير الاحاديث عن عملية برية للحلف الاطلسي في كوسوفو القلق وإذا حصل ذلك يكون خطأ لا يصحح، لأن من شأنه ان يضع اوروبا على حافة حرب مديدة. كما ان مثل هذا الاحتمال التدخل البري لن يحل مشكلة كوسوفو، بل يزيد من تعقيدها. فمنطق القوة العسكرية لا يمكن ان يؤدي الى تسوية. ولنتذكر ان الذين اعطوا الأوامر الأولى بالقاء القنابل والصواريخ اكدوا ان هذا هو السبيل الوحيد لحل مشكلة كوسوفو. ولكن ما حصل كان العكس تماماً، ما ادى الى تصعيد العمليات العسكرية. وفي النتيجة غدا الوضع في العالم كله منطوياً على خطر الانفجار وعلى عواقب يصعب التكهن بها. وينبغي البحث عن المخرج عبر سيناريوهات اخرى بناءة. ويجب اعتماد اجراءات عاجلة لاعادة عملية التسوية الى المجرى السياسي، اولها تحقيق تفاهم متبادل حيال عناصر رئيسية مثل وقف اعمال التنكيل وأشكال العنف، بما فيها الضربات العسكرية ضد يوغوسلافيا، والعودة الآمنة للاجئين، واستئناف العملية التفاوضية. ويبدو ان هناك حاجة للتفكير بصيغة للوجود الدولي في كوسوفو تكون مقبولة لدى بلغراد. وفي هذا السياق تكتسب تصريحات الحكومة اليوغوسلافية أهمية، اذ انها تدل على نيتها البحث عن حلول معقولة والحديث يدور على وقف من طرف واحد للعمليات العسكرية ضد ما يسمى بجيش تحرير كوسوفو، والاستعداد للعمل مع البان كوسوفو لصياغة اتفاق سياسي موقت وبرنامج لعودة اللاجئين. وإذا اصغى الاطلسي الى ذلك ستظهر فرصة جدية لاحلال السلام. اما علاقاتنا مع العالم الاسلامي فان روسيا، القائمة على تخوم الغرب والشرق، راكمت خبرة في العلاقات مع الدول الاسلامية، وتعتبر هذه الدول شركاء وليست خصوماً. ولدينا اتصالات دائمة ونتبادل الآراء في شأن تطور الوضع في يوغوسلافيا مع كثير من الدول المذكورة، ومنها ايران التي تترأس الدورة الحالية لمنظمة المؤتمر الاسلامي التي زار موسكو وفد منها يمثل مجموعة المتابعة لشؤون كوسوفو. السلام في الشرق الأوسط يرى كثيرون ان صيغة الراعيين لعملية السلام في الشرق الأوسط فقدت اهميتها. ماذا يمكن موسكو ان تقترح لاخراج عملية التسوية من الطريق المسدود؟ - لا اوافق على ان هيكلية الراعيين فقدت اهميتها. فصيغة مدريد نصت على ان راعيي عملية السلام سيعملان على ايجاد الاجواء والظروف الملائمة لمفاوضات عربية - اسرائيلية مباشرة على اساس القرارين 242 و338، من اجل تحقيق سلام شامل وعادل في الشرق الأوسط. ونحن نعمل بدقة وفق تفويض مدريد، ونبذل باستمرار جهوداً للمساعدة في تحقيق تقارب بين مواقف الطرفين ودفع عملية السلام قدماً على جميع المحاور الثنائية. الى ذلك لا ينبغي ان ننسى ان مؤسسة الراعيين تنص على ان ترعى روسياوالولاياتالمتحدة محور المحادثات متعددة الاطراف الذي يشمل مواضيع اقليمية. ونأمل بأن التحرك في المفاوضات الثنائية سيسمح، مع مرور الزمن، بحلحلة المسار المتعدد في عملية السلام. وفي ما يتعلق بروسيا فان لديها في الشرق الأوسط امكاناتها المتميزة بما فيها الصلات الوثيقة مع جميع الاطراف الضالعة في التسوية. ولنا علاقات صداقة وتعاون تقليدية مع البلدان العربية، كما نقيم حواراً نشطاً مع اسرائيل التي نتعامل معها بمثابرة في قضايا العملية السلمية. ولنا نهج متوازن. كما اننا لا ننافس احداً ونؤيد المبادرات البناءة أياً كان مصدرها، وننوي ان نتبادل مع الاطراف عدداً من الافكار الملموسة التي نأمل بأن تكون في مصلحة استئناف عملية السلام التي دخلت خلال الآونة الاخيرة طريقاً مسدوداً خطيراً. تسألني عما تعرضه موسكو لحلحلة عملية التسوية في المنطقة، وأقول انه لا توجد هنا وصفات سحرية. كل افكارنا وتوصياتنا تصب في سياق البحث عن نقاط التقاء في مواقف الاطراف ما يسمح باحياء العملية التفاوضية. فعلى المحور الفلسطيني - الاسرائيلي يدور الحديث عن اعادة الاتفاقات المعقودة الى مسار التطبيق العملي. ونحن نقترب من 4 ايار مايو تاريخ انتهاء مفعول الاتفاق الموقت للمرحلة الانتقالية الموقع بين منظمة التحرير الفلسطينية واسرائيل. واقتراحاتنا تهدف الى ايجاد صيغة مقبولة لدى الطرفين لتمديد الاتفاق، وهو اساسي على هذا المحور. فبخلاف ذلك ينشأ فراغ خطر في الشؤون الفلسطينية - الاسرائيلية. والفترة الاضافية في حال التمديد يجب ان تستثمر لاجراء مفاوضات مكثفة بشأن الوضع النهائي للأراضي الفلسطينية. وبهذا المعنى طرحت فكرة عقد اجتماع للراعيين والاتحاد الأوروبي والنروج ومصر والأردن، وهي الاطراف الموقعة على الاتفاق الموقت بصفتهم شهوداً عليه، والفلسطينيون يسمونهم الضامنين. وبالفعل فنحن جميعاً نتحمل مسؤولية دعم تنفيذ الاتفاق الموقت. ونرى ان الظروف الراهنة تستدعي ليس مجرد عبور موعد الرابع من أيار مايو من دون هزات، بل اضفاء حال الاستقرار على عملية السلام. ولهذا الغرض ندعو الى اعطاء فرصة جديدة للمفاوضات. ومن شأن المرحلة الاضافية ان تنجز الاجراءات المرحلية التي اتفق عليها الفرقاء ومن ضمنها اعادة انتشار القوات الاسرائيلية في الضفة الغربية وإجراء مفاوضات مكثفة في قضايا الوضع النهائي للأراضي الفلسطينية. وأود التأكيد على ان الامتناع عن أي اعمال احادية الجانب، بما فيها الاعمال الاستيطانية، من المقومات المهمة للتمديد. روسيا تؤيد بثبات حق الفلسطينيين في الدولة. ولا بديل من ذلك. وقد اعترفت بلادنا باعلان الاستقلال الذي تبناه المجلس الوطني الفلسطيني عام 1988، وتوجد في موسكو سفارة دولة فلسطين. ونولي أهمية ليست أقل من الاهتمام بالمحور الفلسطيني الى المسار السوري - الاسرائيلي، والى الجزء السوري - اللبناني من التسوية مع اسرائيل. وأنا واثق من ان المفاوضات السورية الاسرائيلية يمكن استئنافها من النقطة التي توقفت عندها. ومن المهم التقيد بصيغة "الأرض مقابل السلام" لمعالجة مشكلة مرتفعات الجولان السورية المحتلة. وسنسعى بنشاط لفك عقدة هذا المحور على اساس اقتراحات مماثلة. هل يعني تأجيل زيارة الرئيس حافظ الأسد الى روسيا نوعاً من "التعثر" في العلاقات بين موسكوودمشق؟ كيف تتعامل روسيا مع الضغط الذي تمارسه الولاياتالمتحدة واسرائيل على الدول التي تصدر اسلحة الى سورية؟ وكيف تقومون المزاعم القائلة ان اسلحة مثل صواريخ "س 300" يمكن ان تخل بتوازن القوى في المنطقة؟ - علاقاتنا مع سورية في تطور مستمر، مستندة الى تراكم ثري تجمع خلال عقود من السنين. وهذا ما يدل عليه تزايد الاتصالات بين موسكوودمشق على مختلف المحاور، ومن ذلك زيارة وزير الخارجية السوري فاروق الشرع الى العاصمة الروسية اخيراً. وخلال جولتي في الشرق الأوسط ستكتسب زيارة دمشق ومقابلة الرئيس الأسد ورجال الدولة الآخرين أهمية سواء على صعيد مواصلة تطوير الروابط الثنائية او في مجال التعاون السياسي. وفي ما يخص تأجيل زيارة الرئيس السوري، فانه تم لأسباب فنية. وبالنسبة الى التعاون العسكري - التقني مع سورية، نؤكد انه لا يغير في ميزان القوى ولا يخلق خطراً على جيران سورية، لأننا نقتصر في هذا التعاون على تصدير الاسلحة الدفاعية. ونحن واثقون من اننا بمساعدتنا في تعزيز القدرة الدفاعية السورية انما ندعم الاستقرار في المنطقة. كما اننا لا ننتهك بأي حال من الاحوال المعاهدات الدولية السارية في شأن الرقابة على تصدير بعض انواع الاسلحة. ان تطوير العلاقات العسكرية حق سيادي لروسيا وسورية. وهذه العلاقات ليست مرتبطة بالتشريعات الداخلية لدولة ثالثة وتحديداً الولاياتالمتحدة. ونرفض بشدة محاولات الحديث معنا بلغة العقوبات. وبالمناسبة فإن الاميركيين انفسهم يصدرون المعدات العسكرية الى المنطقة بكميات لا تقارن بما نفعله نحن، كميات يمكن ان تخل بتوازن القوى في الشرق الأوسط. الغارات على العراق حتى الوقت الحاضر تجاهلت واشنطن احتجاجات على وجود ما يسمى مناطق الحظر الجوي في العراق وواصلت الغارات هناك. ماذا تنوي روسيا ان تفعل في هذا الشأن؟ ما موقفكم حيال ما يقال عن خطط لتقسيم العراق او تغيير النظام القائم فيه بالقوة؟ - سياستنا حيال العراق تتماشى تماماً مع مبادئ الشرعية الدولية، وفي المقام الأول قرارات مجلس الأمن. وقد اعربنا مراراً عن موقف سلبي للغاية من الاعمال المنافية لتلك المبادئ، وتحديداً الغارات غير المشروعة على اراضي العراق في ما يسمى مناطق الحظر الجوي، ومحاولات التدخل الفظ في الشؤون الداخلية للعراق. ونعتبر خطراً للغاية خطط اثارة الصراع الداخلي الذي يهدد بتقسيم البلد مع كل ما يترتب على ذلك من عواقب وزعزعة للاستقرار في منطقة الشرق الأوسط كلها. وسعياً لاخراج الوضع من الطريق المسدود الذي أدت اليه الضربات العسكرية الاميركية والبريطانية، تكثف روسيا في الآونة الاخيرة، جهودها، وخصوصاً في مجلس الأمن، لتسوية المشكلة العراقية سياسياً. وعلى اساس التوصيات التي رفعتها لجان التقويم الى مجلس الأمن نعمل في اتجاه التعاطي الشامل مع جوانب "الملف العراقي". وتتمثل اقتراحاتنا في انشاء نظام جديد للرقابة الدولية الدائمة على القدرات المحظورة في العراق، على ان يتزامن ذلك مع رفع العقوبات الاقتصادية. ومن شأن ذلك ان ينهي التوتر المزمن ويؤدي الى تطبيع الوضع في هذا البلد.