تمحورت حملة الانتخابات الاسرائيلية والانتخابات نفسها لرئاسة الحكومة وعضوية الكنيست في الجزء الأغلب منها حول الصراع المجتمعي الاسرائيلي الذي ازداد عمقاً في عهد رئيس الوزراء الليكودي المهزوم بنيامين نتانياهو بتشجيعه الاحزاب الدينية واليمين المتطرف والمستوطنين. واضافة الى الصراع ذي المحورين بين المتدينين والعلمانيين او غير المتدينين وبين اليهود الشرقيين السفارديم واليهود الغربيين، كان هناك ايضاً موضوع العلاقات الخارجية الاسرائيلية التي تدهورت مع الولاياتالمتحدة، وهي مصدر الدعم الاول لاسرائيل، ثم مع الاتحاد الاوروبي ومع السلطة الفلسطينية ومصر وفي مجال عملية السلام ككل، مع سورية ولبنان. ومع ان زعيم حزب العمل رئيس كتلة "اسرائيل واحدة" رئيس الوزراء المُنتخَب ايهود باراك رفع شعار "الدولة للجميع" مشيراً بوضوح الى احساسه بانقسام المجتمع الاسرائيلي وضرورة اعادة اللحمة اليه قدر المستطاع، فان الامر الذي يعني العالم الخارجي ويثير اهتمامه هو إلى أي مدى سيسعى باراك الى المضي في عملية السلام في الشرق الاوسط الى امام وعلى كل المسارات. والواقع ان جميع رؤساء الحكومات والدول الذين هنّأوا باراك على فوزه الكبير برئاسة الحكومة قرنوا تهانيهم بالإعراب عن تطلّعهم الى رؤيته وهو يسعى الى تحقيق السلام وفقاً لأسس ومبادئ عملية السلام، معتبرين فوزه تفويضاً بالدرجة الاولى لعمل ذلك. ويجب ألا ينسى احد في خضم متابعة النقاشات والمفاوضات الجارية داخل اسرائيل بشأن تشكيل حكومة ائتلافية جديدة السبب الاساسي، بل الوحيد، الذي أرغم نتانياهو على تقديم موعد الانتخابات. اذ كان السبب هو ان نتانياهو الذي لم يجد مهرباً من توقيع اتفاق واي ريفر مع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات تحت رعاية الرئيس الاميركي بيل كلينتون وجد لنفسه ذريعة الخوف من غلاة اليمينيين المتطرفين في حكومته، الذين غذّاهم - وهو أحدهم - ليتهرّب من تنفيذ الاتفاق. وقد وعده حزب العمل واحزاب اليسار ومعهم النواب العرب في الكنيست بتشكيل "شبكة أمان" له اذا أراد تنفيذ اتفاق "واي"، لكنه فضّل الاحتكام للناخبين الاسرائيليين، فكان ما كان من سقوطه واندحار حزبه واعلانه الاستقالة من رئاسة ليكود، وربما ايضاً الاستقالة من عضوية الكنيست. ولقد صار التغيير في اسرائيل مطلوباً، مجتمعياً وكذلك على صعيد العلاقات مع اميركا وفي مجال عملية السلام. ولقد اصاب الرئيس المصري حسني مبارك اول من امس النقطة الأهم في كل ما حصل في اسرائيل في السابع عشر من الشهر الجاري عندما قال مشيراً الى انتخاب باراك رئيساً للحكومة: "لا يهمّنا من جاء او من لم يجئ ولكن ما يهمّنا هو عملية السلام". واعتبر الرئيس "لاءات" باراك في خطاب انتصاره قبل فجر الثلثاء الماضي في ساحة رابين في تل ابيب عن القدس وعدم التخلي عنها، وعن عدم العودة الى حدود 1976 وعدم التخلي عن الكتل الاستيطانية الضخمة في الضفة الغربية "تصريحات في غير صالح السلام ولا مبرر لها". وماذا الآن؟ يعتزم باراك سحب القوات الاسرائيلية من جنوبلبنان في غضون سنة عارضاً ضرورة استئناف المفاوضات مع سورية لاعادة هضبة الجولان اليها من النقطة التي توقفت عندها قبل 37 شهراً. أما على الصعيد الفلسطيني فيعتقد انه سيتفاوض على تنفيذ الانسحاب المحدود من الضفة الغربية بموجب اتفاق واي ريفر ليشرع بعدئذ في المفاوضات الصعبة على الوضع النهائي. لقد دخلت الاطراف العربية كلها مؤتمر مدريد على اساس تطبيق قرار مجلس الامن الرقم 242، وهي قطعاً لن ترضى بأقل من ذلك. وحريّ بالمفاوضين الفلسطينيين ان يبدأوا بالمسائل الصعبة وأهمها القدس وقضية اللاجئين والمستوطنات، اذ ان الشرعية الدولية معهم في هذه القضايا كلها، ويؤمل ان يستعينوا هذه المرة بالخبراء والقانونيين وينهوا اعتمادهم على الهواة غير المحترفين.