كما قد يحدث في النقاش حول البيضة والدجاجة، يمكن عكس مقولة ان الانتخابات العامة في اسرائيل جمدت تنفيذ اتفاق واي ريفر الفلسطيني - الاسرائيلي، بالقول ان سعي رئيس الوزراء الاسرائيلي الليكودي بنيامين نتانياهو الى تجميد ذلك الاتفاق اقنع غالبية الكنيست البرلمان الاسرائيلية بالتخلص من حكومته من اجل تسليك طريق عملية السلام. ومع عدم التقليل من شأن اي قضايا داخلية قد يدور حولها النقاش في الحملات الانتخابية الاسرائيلية المقبلة، كالاقتصاد والشؤون الاجتماعية وما الى ذلك، فان اقتراع الكنيست الاثنين الماضي بالمصادقة على تقديم موعد الانتخابات العامة من العام 2000 الى الاشهر الاولى من 1999 هو في الاساس اقتراع على طريقة ادارة دفة السلام مع العرب، خصوصاً الفلسطينيين الذين قطعت عملية السلام معهم شوطاً متقدماً واقتربت من مرحلة حاسمة تثير توترات واستقطابات في المجتمع الاسرائيلي. وسط هذا كله، وبالرتابة المعهودة اياها - ولكن وفق حسابات دقيقة واحساس عظيم بالمسؤولية - يكرر الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات مطالبته الحكومة الاسرائيلية بتنفيذ اتفاق واي ريفر، مشيراً الى ان حكومة اسرائيل وبرلمانها صادقا على هذا الاتفاق. ولقد ردد عرفات مطالبته هذه بتنفيذ الاتفاقات والالتزامات في كل مرحلة سابقة كانت حكومتا اسحق رابين وشمعون بيريز تعيقان فيها تنفيذ الاتفاقات. وهكذا وصل عرفات من غزة واريحاً اولاً الى كل المدن الفلسطينية الاخرى في الضفة الغربية والقرى المحيطة بها، وما زال يعمل بإصرار، بعد فتح شريان حياة على العالم الخارجي هو مطار غزة الدولي، على ان ينتزع من اسرائيل تنفيذ بقية الالتزامات في المرحلة الانتقالية: الميناء والمعبرين الآمنين واطلاق المعتقلين قبل الانتقال الى قضايا المرحلة النهائية الجوهرية: اللاجئين والقدس والحدود والمستوطنات، واستحقاق اعلان الدولة الفلسطينية. لا مهرب في الواقع لأي حكومة اسرائيلية مقبلة من مواجهة هذه القضايا. ولنقرأ معاً ما قاله كل من نتانياهو وزعيم حزب العمل ايهود باراك لمجلة "يديعوت احرونوت" في الملحق بالصحيفة في عددها امس كبيان انتخابي من كل منهما. قال نتانياهو: "كفاحنا الحقيقي سيبدأ بعد الانتخابات. سيكون كفاحاً بشأن طابع السلام، وبشأن الحدود والقدس، وبشأن الطابع اليهودي للدولة … وبشأن ارض اسرائيل … اننا نؤمن ان حقبة الحرب باتت وراءنا. لكن المواجهة الحقيقية ستكون، حتى لو حدثت حول طاولة المفاوضات، بيننا وبين الفلسطينيين والسوريين واللبنانيين …"، ثم يقول: "في 4 أيار مايو يعتزم عرفات اعلان اقامة دولة فلسطينية من جانب واحد عاصمتها القدس. انه يتحدث هو ومشاركوه عن حدود التقسيم للعام 1947. يجب ان يعلم الفلسطينيون ان خطوة كهذه تعني ابطال اتفاقات اوسلو". قال باراك: "اننا نريد حكومة عمالية لنا جميعاً. وليس للمتطرفين … حكومة تريد الانفصال المادي عن الفلسطينيين… نحن هنا، وهم هناك… هذه هي الصيغة الحقيقية التي ستجلب السلام لنا جميعاً، وليس للمتطرفين فقط. حكومة ترى السلام كهدف وليس كحيلة انتخابية". وهل يمكن ان يعني "الانفصال المادي" بين الفلسطينيين والاسرائيليين اي شيء سوى دولة فلسطينية؟ وهل يمكن ان تكون الانتخابات العامة الاسرائيلية بعد هذا كله شأناً داخلياً