اهملت تدمر في قلب الصحراء بين دمشق والفرات 270 كلم عن دمشق قروناً طويلة وحتى الآن يمكن للزائر ان يعيش في عصر الملكة زنوبيا وزوجها اوذينة من دون ان يلمس تغيراً كبيراً. لكن المهرجان السنوي الذي تشهده هذه المدينة التاريخية على طريق الحرير القديم أعاد إليها بعضاً من حيويتها ودورها في التبادل الحضاري، كونها تشهد سنوياً في فترة المهرجان اقبالاً عربياً واجنبياً تخبو بهجته مع انتهاء ايام المهرجان لتعود المدينة للاستغراق في سباتها الشتوي الطويل. واعتبر "مهرجان البادية السابع" بين الثاني والخامس من الشهر الجاري، خطوة متقدمة عن المهرجانات السابقة سواء لجهة المشاركة العربية السعودية وقطر والبحرين ولبنان والأردن والإمارات او للتنظيم المتميز والفعاليات المتنوعة في كافة المجالات. وشكل حضور ومشاركة ولي عهد ابو ظبي ووزير الدفاع الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم وانجاله الثلاثة في سباق القدرة والتحمل على طريق الحرير لمسافة 120 كلم، اضافة جديدة للمهرجان اعطته دفعاً جماهيرياً كبيراً. وقدمت فيه شركة طيران الامارات جوائز نقدية وعينية بمليون درهم. ولعل الموقع الاستراتيجي الذي تحتله تدمر مملكة زنوبيا على طريق الحرير القديم يفسر الصورة المهمة من الآثار والمعالم التاريخية المنتشرة في المدينة وبالتالي الاستراتيجية السياحية المهمة بالنسبة لسورية لخلق صناعة سياحية ذات مردود اقتصادي. وتروي مواقع "بلش" و"بنو" و"بعلحمون" و"بعلشمين" ومدافن هيكل الموتى "ايلابل" و"رونا" والشارع الطويل واغواره والسور القديم، قصة حياة هذه المدينة ومليكتها زنوبيا. كما تنتصب بشموخ وسط المدينة قلعة تدمر الشهيرة التي "سحرت" الشيخ محمد بن راشد الذي همس في اذن وزير السياحة السوري دنحو داوود: "لو كنا نملك هذه القلعة والآثار التدمرية لاستقدمنا إليها عشرين مليون سائح سنوياً ولما احتجنا للنفط". وكان سباق القدرة والتحمل الحدث الأبرز، إذ شارك فيه ابطال العالم فرسان الامارات بقيادة الشيخ محمد بن راشد وانجاله الثلاثة الذين حصدوا الجوائز الثلاث الاولى في السباق. وقال الشيخ طحنون نجل رئيس دولة الامارات: "إن الامارات ستشارك كل عام في مهرجان البادية إن شاء الله". وتوج الفائزين وزير الدفاع السوري العماد اول مصطفى طلاس وحضره العقيد الركن الدكتور بشار الاسد ما اضفى قيمة كبيرة على المهرجان. وكانت فعاليات ونشاطات المهرجان موزعة بين آثار تدمر التي صمدت 19 قرناً حيث شهدت "دار الخطيب" للفن والتراث معرضاً اشترك فيه 95 فناناً بنحو 230 لوحة تشكيلية و35 عملاً نحتياً بينها خشب ونحاس وجص. وضم المسرح الروماني الامسيات الشعرية التي شارك فيها الشعراء فهد البدلي وعبدالكريم الهبرة من السعودية، والياس لحود من لبنان، وسليمان عويص من الاردن، وعمر الفرا وابتسام صمادي من سورية. وامتلأت الأسواق بأفواج السياح والزوار في اسواق الصناعات اليدوية والتحف الشرقية وحياكة السجاد والبسط العربية وصناعة السيوف والمنسوجات التقليدية. ويقول انور جندول ل"الحياة": "متجري يبيع كل انواع التحف الشرقية وما يخطر ببال السائح ان يشتريه من تدمر سواء كذكرى تهدى للآخرين او حاجة اساسية له، ولم يشهد محلي ازدحاماً كبيراً بهذا الشكل منذ ستة أشهر. وساهمت الخفوضات التي وصلت الى 60 في المئة في اقبال الناس على الشراء". وقالت السائحة الفرنسية آنا ماري بافيون: "زيارتي لتدمر هي الاولى وانتهزت فرصة المهرجان لزيارتها وسعدت للتسهيلات المقدمة على كل شيء والتي قد لا تتاح في الايام العادية"، في حين رأى سعد من دولة الكويت ان تدمر "اسطورة جميلة كنت احلم دائماً بزيارتها لكثرة ما قرأت وسمعت عنها، أزورها للمرة الرابعة وفي كل مرة اكتشف فيها اشياء جديدة لم اعرفها سابقاً، ولكنني افاجأ بسوء الخدمات والمواصلات هنا". وتلفت الانتباه ايام المهرجان قوافل السياح الذين يرتدون الازياء العربية ويعتمرون "الشماخ" الذي يقيهم حر الصحراء القاسية. كما يصبح امتطاء الجمال مألوفاً "الذي يزور تدمر ولا يركب سفينة الصحراء يفقد جزءاً كبيراً من تقاليد ومتعة الزيارة" كما يقول باسل الاسعد الدليل السياحي. وترأس الفنان العالمي عمر الشريف لجنة اختيار ملكة جمال مهرجان البادية وعبر عن سعادته للزيارة الاولى لسورية: "كنت ابحث عن هذه الفرصة منذ زمن طويل واعتبر زيارتي هذه محطة مهمة في حياتي الشخصية، وذهلت بتدمر وآثارها التي تبدو جميلة عند الغروب وحققت حلمي برؤيتها اخيراً". وكشف ل"الحياة" ان أصل عائلته من دمشق من آل شلهوب، جزء منهم سافر الى مصر وزحلة، وأهل والدتي من آل حبيب وعطية، متوزعين بين اللاذقية وحماه. وعن مشاركاته في اختيار ملكات جمال سابقاً قال: "هي المرة الثانية والأولى كانت في اميركا". الليل في تدمر له سحر خاص يزداد مع اصوات المطربين العرب الذين أحيوا عدة حفلات فنية في المعبد الشهير "بل" منهم الياس كرم وجورج وسوف وديانا حداد وصبحي توفيق وانوشكا ومحمد المازم وميشلين بيطار. وقدر الحضور بعشرة آلاف متفرج يومياً. وتمنى وزير السياحة السوري "ان يكون مهرجان تدمر الثامن سنة 2000 أكثر انتشاراً وجذباً للسياح سيما انه يتزامن مع احتفالات سورية بالألفية الثالثة للميلاد حيث سيكون عام السياحة لسورية ومصر والأردن ولبنان".