بوريس يلتسن يسير بخطى "واثقة" وسريعة... نحو الهاوية. وراوحت لهجة التعليقات على قراره إقالة حكومة يفغيني بريماكوف بين كلمتي "الخطأ" و"الحماقة"، إلا أن هناك اجماعاً على أن روسيا مقبلة على هزات سياسية واقتصادية واجتماعية داخلية تضعف موقفها، الضعيف أصلاً، على الصعيد الدولي. وسيتلقى يلتسن الضربة الأولى من مجلس الدوما الذي يبدأ اليوم الخميس اجتماعات تستمر ثلاثة أيام للنظر في حجب الثقة عنه. وإذا كانت هناك شكوك في إمكان حصول النصاب القانوني 300 صوت، فإن اعفاء الحكومة سيدفع نواباً مترددين إلى الانضمام لكتل اليسار احتجاجاً على إقصاء حكومة تتمتع بتأييد 70 في المئة من المواطنين وبدعم البرلمان بمجلسيه ومساندة قادة الأقاليم. ويبدو مؤكداً ان مجلس الدوما سيرفض المصادقة على تعيين سيرغي ستيباشين رئيساً للوزارة، وفي حال تكرار الرفض ثلاث مرات، فإن الدستور يخول رئيس الدولة حل البرلمان. بيد أن القانون الأساسي يمنع يلتسن من اتخاذ مثل هذا القرار في حال بدء اجراءات حجب الثقة أي بتصويت ثلثي مجلس الدوما، إلى أن تعرض القضية على المحكمتين العليا والدستورية ومن ثم على مجلس الفيديرالية. وهذه الإشكالية لا حل لها إلا بعرضها على المحكمة الدستورية التي يمكن أن تبت في الموضوع خلال ثلاثة أشهر. ويتوقع محللون سيناريوهين لتطور الأحداث: الأول "شرعي" ويقضي بانتظار مرور مرحلة الأشهر الثلاثة يجري بعدها حل البرلمان واجراء انتخابات مبكرة في أوائل الخريف بدلاً من كانون الأول/ ديسمبر وهو موعد تعتبره القوى الليبرالية مناسباً لها. لكن محللين آخرين يعتقدون ان يلتسن، المعروف بأنه "غير صبور"، قد يقرر اعتماد سيناريو آخر لا ينحصر ضمن الأحكام الدستورية بإعلان "تجميد" البرلمان. ولا يستبعد هؤلاء أن يقرر الرئيس اغلاق مقر المجلس النيابي تحت ذريعة ما مثل تلقي ابلاغ عن وجود "قنبلة" في المبنى. ويبدو واضحاً ان اسناد رئاسة الحكومة إلى وزير الداخلية، وهو خبير سابق في مديرية اطفاء الحرائق، لا يهدف إلى تعديل الأوضاع الاقتصادية، قدر ما يرمي إلى اعتماد أساليب القوة في معالجة الأمور، وصولاً إلى اعلان حال الطوارئ وتعطيل البرلمان ومنع الأحزاب السياسية تمهيداً لاجراء انتخابات "نظيفة" يأمل الكرملين أن تسفر عن تشكيل مجلس نيابي موالٍ له. وإلى ذلك، فإن شتيباشين قادر على "اخفاء" ملفات الفضائح المالية التي أخذت تحاصر رموزاً وثيقة الصلة بعائلة الرئيس. وليس عبثاً أن يعلن البليونير بوريس بيريزوفسكي من ملجئه الموقت في باريس عن ابتهاجه بإقالة الحكومة، واسناد المنصب إلى رجل "قريب ايديولوجياً" من يلتسن. ولكن رئيس الوزراء الجديد لا يمكن ان يضمن مستقبله في ظل حاكم الكرملين الذي كان أعلن ان بريماكوف سيظل في منصبه حتى عام 2000، وأكد أنه "لم يوجد بعد الأسفين الذي يمكن ان يُدق بيننا"، إلا أنه تخلى عنه بعد خلوة ليلية مع حفنة من مستشاريه من دون الرجوع إلى المؤسسات الدستورية. هذا ما دفع رئيس الوزراء السوفياتي السابق نيكولاي ريجكوف إلى التساؤل: "هل يعي يلتسن ما يفعله؟".