في جلسة مودة عائلية - تعودنا عليها من زمن - سألني هشام، ابني، فجأة، ومن دون مقدمات: يا بهاجيجو - هكذا اعتاد ان يناديني ابني - كيف واتتك الشجاعة لتقرر ان تتوقف عن عملك الذي مارسته طوال اربعين عاماً كرسام للكاريكاتور؟! وحتى عندما اوقفت عن العمل، ومنعت من الاشتغال به لفترة. اذكر انك كنت تمارسه - شفوياً على الأقل - في جلساتك الخاصة مع الأصدقاء. كنت في كامل لياقتك الفكرية والفنية عندما قررت التوقف، وقراؤك لم ينصرفوا عنك. فآخر اعمالك كان عندما قررت السخرية من الحكم المستبد في شخصية "بهجاتوس" رئيس "بهجاتيا العظمى" التي ابتدعتها في سلسلة من الرسوم، حظي بقبول حسن عندما نشر في اماكن مختلفة من الوطن العربي، فالى جوار نشره ايضا في لبنان والكويت والإمارات والمغرب… وايضا في صوت فلسطين الحر - كما كانت تسمى "اليوم السابع" التي كانت تصدر من باريس. وبعد كل هذا التوفيق، وحتى بعد ان جمعت كتابات "بهجاتوس" في كتاب وصدرت في ثلاث طبعات تقرر التوقف؟!! ضحكت طويلاً، بأسى، قبل ان اجيبه: اولا: اشكرك على لباقتك في وصفك قراري بالتوقف بأنه شجاعة ولم تستخدم تعبيراً آخر..! ولكن، وانت تعرف، انني عشت حتى الآن لا ارسم الا ما احب ان ارسمه، وأستمتع لحظة رسمه، وأحس ايضا ان ما ارسمه فيه فائدة للناس. وهذا من حسن حظي، لأن الظروف لم تضطرني - حتى الآن - الى ما لا احب ان اعمله، اي ما هو ضد وجهة نظري في الحياة. بل كنت دائما أردد لنفسي انني افضل ان اعمل ككناس اذ كنت احب النظافة، ولا احب ان اكون وزيرا يكره عمله ويقول لنفسه كل صباح: هل سأذهب الى الوزارة اليوم ايضا… يا مغيث. على فكرة، أعتقد ان مهنة الكناس تشبه رسام الكاريكاتور الذي بريشته يكنس سلبيات المجتمع من اجل غد افضل. وهذا الغد الأفضل هو ما كان شعار جيلي في الفكر والفن، والفنان الشامل المبدع صلاح جاهين ترجم لنا هذا الشعار الى نشيد رقيق تقول كلماته: نور الفجر نادى من بعيد بشر بالسعادة يوم جديد بكره أحلى من النهاردة وكل يوم الكون يدور، يبدر زهور… نور وكنا نغني هذه الكلمات على نغمات اللحن الشهير للعبقري شارلي شابلن في احد افلامه. ولكن، ويا للأسف، وعلى الرغم من اصرارنا على الغد الأفضل ورهاننا عليه، الا اننا كنا نكتشف كل صباح… انه اسوأ من الأمس..!! كذلك، عندما رسمت شخصية بهجاتوس، وأقذعت في المبالغة في تصوير شخصية الديكتاتور، والتي اعتبرت يا هشام انني كنت موفقاً فيها، لم تكن المبالغة مبالغة!! ولا الهجوم والسخرية هجوماً وسخرية..!! لأني بعد ان نظرت الى بهجاتوس بعين محايدة وقارنته بالديكتاتور الحقيقي اكتشفت ان الديكتاتور الحقيقي فاق ما تصورت، بل انه الكاريكاتور الحقيقي للرئيس بهجاتوس المسكين. ولا تتصور انني اتكلم، اإلآن على حكام دول العالم الثالث فقط، بل ولا العالم الثاني ولا حتى العالم الأول، بل العالم السوبر لوكس. وانظر الى ما يحدث في ظل النظام العالمي الجديد!! ومع ذلك، لا تظن ان قراري بالتوقف كان عن يأس… بل اعلان عن تأجيل الحلم الى نحو بعد... بعد بعد غد افضل. وهكذا اشتغلت في مجال الأطفال. فنان تشكيلي