عماد حجاج من أبرز رسامي الكاريكاتور في الأردن، استطاع أن يتخطى بإنتاجه حدود المحلية ليتوسع في أرجاء العالم العربي، علماً ان غالبية زوار موقعه الإلكتروني هم من السعودية، كما يقول. ما يميز حجاج عن أقرانه من رسامي الكاريكاتور ليس فقط روح السخرية المميزة التي تتسم بها رسومه، بل كونه فناناً شاملاً، إذ شكل شخصية كرتونية رئيسة مستوحاة من الواقع الأردني سمّاها «أبو محجوب» لتكون لاعباً رئيساً في بعض رسومه تقال على لسانها التعليقات الساخرة، وتتقارب مع أي واقع عربي آخر. وسخّر حجاج فن الكاريكاتور في المجالات التوعوية الصحية والاجتماعية. وللرسام مفرداته ورموزه الخاصة، فعبارات «هلا عمي» و «المحجوب» و «من وحل الواقع» و «الحذاء النسائي الزهري» التي تظهر في بعض رسومه... أصبحت كلها بصمات خاصة مسجلة باسمه. وخاض حجاج كذلك تجربة فريدة مع «أبو محجوب» في الكرتون التلفزيوني. وهو يعمل حالياً مع صحيفة «الغد» الأردنية. وشارك في معارض محلية ودولية، ونال عدداً من الجوائز، فضلاً عن إصداره أربعة كتب كاريكاتورية. يرى حجاج ان عالم الكاريكاتور، وإن كان عالماً رمزياً، إلا أنه وجد لكي يحاكي الواقع بكل تفصيلاته ولكن بلغة الكاريكاتور الخاصة. «فنحن معشر الكاريكاتوريين نستوحي شخصياتنا من الواقع. ومن ثم نجري عليها تغييراتنا اللازمة لكي تخرج في النهاية مقبولة من رجل الشارع. فمثلاً شخصية غوار الطوشي التي اشتهر بها دريد لحام كانت لشخصية قهوجي بسيط في الواقع عايشها الفنان السوري وركّب منها شخصيتة الفنية الشهيرة. أما اختيار شخصية أبو محجوب فلها قصة طريفة، فعندما بدأت مسيرتي العملية كنت أبحث عن شخصية كاريكاتورية تجسد شخصية الإنسان العربي بحيث تكون قريبة من قلوب الناس وتحظى بالمتابعة. وبعد بحث وتفكير طويلين وجدت في شخصية أبي - رحمه الله - بخفة دمه وتعليقاته الساخرة ومظهره الشعبي المحبب، شخصية تصلح تماماً أن تنقل إلى عالم الكاريكاتور. ومن هنا كانت البداية، طبعاً لم أخبر أبي أنني استوحيت شخصيته كي أرسمها، ولكن بعد مدة ليست قصيرة اكتشف هو هذا الأمر وكان أمراً محرجاً للغاية. لم يغضب أبي مني، ولكن عتابه الصامت كان عذاباً قاسياً، بعد جملة يتيمة قالها لي: هل تريد أن تشمت في الناس يا عماد؟! شعرت بتأنيب الضمير وحاولت معه مراراً كي يغفر لي. في البداية لم يرضَ عني تمام الرضا، ولكن بمرور الوقت تقبل الأمر، بل الأكثر من ذلك أنه عندما كان الناس يمازحونه وينادونه بأبي محجوب كان لا يمتعض بتاتاً بل كان يبادلهم النكتة بأخرى». في ظل غياب عمالقة الكاريكاتوريين العرب، مثل صلاح جاهين وناجي العلي ومحمود كحيل... وغيرهم ممن تركوا بصمة لا تنسى في ذاكرة القارئ العربي، في رأيك، هل استطاع الجيل الحالي ملء الفراغ الذي تركوه وإكمال المسيرة؟ يقول حجاج: «لكل زمان دولة ورجال. فلهؤلاء الكبار بصمات لا تمحى، ولا شك في أنهم وضعوا سقفاً عالياً لنا نحن - الجيل الحالي من رسامي الكاريكاتور - بحيث شكل لنا تحدياً وهاجساً يومياً لتقديم الجديد والمفيد. وآمل بأن نصل إلى الآفاق العالية التي وصل إليها رسامو الكاريكاتير العرب في العقود السابقة». وفي تقويمه لأداء الكاريكاتور العربي حالياً، يقول حجاج إن «الكاريكاتور العربي لم يلمس كل القضايا التي تهم المواطن العربي، وقد يعود للرقابة دور في ذلك بالحد من طاقات إبداع الرسامين. ونحن مقصرون في التواصل مع الآخر خارجياً، ما دمنا غير قادرين ابتداءً على التواصل محلياً في الشكل المأمول! وقصة الرسوم المسيئة الى الرسول محمد (صلّى الله عليه وسلم) هي مثال لعجز أو قصور رسامي الكاريكاتور العرب في الدفاع عن القضايا العادلة للأمة الإسلامية. فنحن العرب، على رغم أن لدينا كثيراً من العوامل المشتركة كاللغة والتاريخ والمصير المشترك، إلا أننا نعيش أحياناً كجزر منفصلة بعيدة من بعضها بعضاً، مع أننا متقاربون جغرافياً. لذا علينا ان نتواصل أكثر في ما بيننا حتى نتعرف على واقعنا أكثر». ويتحدث حجاج عن أسباب فصله من احدى الصحف الأردنية قبل نحو عشر سنوات، ويكشف انه بعد سنوات من تلك الحادثة، التقى العاهل الأردني عبدالله الثاني الذي «أبدى روحاً رياضية عالية في تفهمه فن الكاريكاتور. وعرفت انه لم يكن لديه أي مشكلة مع تلك الرسمة التي صورته فيها، والتي أثارت ضجة ضدي وكانت سبباً رئيساً في فصلي، وإنما المشكلة نبعت من اجتهادات خرجت حينها من هنا وهناك، رأت أن ليس من المناسب تصوير شخصية الملك في الكاريكاتور». وعن تجربته في عالم الكاريكاتور التلفزيوني، يقول ان «أية شخصية كرتونية ناجحة في الصحف قد تكون نواة لعمل رسوم متحركة ناجحة على شاشات التلفزيون... أو غيرها. من هنا، وحرصاً مني على التفاعل مع المتغيرات الحديثة في الاتصال الجماهيري، رأيت أن من الأفضل أن يحجز «أبو محجوب» له مقعداً باكراً في حافلة الإعلام الجديدة. وأخذت في اعتباري تجارب عالمية أخرى ناجحة تحولت من صفحات الجرائد إلى شاشات التلفزيون، كالمسلسل الأميركي الشهير «سيمبسون» مثلاً. وهي أعمال قد لا يعلم الكثيرون عنها أنها بدأت صامتة على صفحات الجرائد، ثم تحولت لاحقاً إلى شاشات التلفزيون. تجربتي التلفزيونية كانت من طريق تأسيس شركة متخصصة في إنتاج الرسوم المتحركة وهي شركة «أبو محجوب». البدايات في تلك الشركة كانت مشجعة جداً وأنجزنا أعمالاً ريادية كثيرة على صعيد إنتاج مسلسلات رسوم متحركة بمحتوى عربي في وجه الكم الهائل من الرسوم المتحركة الأجنبية المدبلجة. ولكن بعد سنوات على تلك التجربة، زادت حمى المنافسة، خصوصاً في شهر رمضان بين أطراف عربية متعددة لديها إمكانات مادية كبيرة وموازنات ضخمة، ما زاد من صعوبة إنتاج رسوم متحركة أرضى عنها باعتباري فناناً، وذلك في ظل إمكانات شركتي المادية المتواضعة. لذا فضلت الانتظار وعدم التسرع حتى أتمكن من إنتاج رسوم تليق بشخصية أبو محجوب». لكن، هل فكر حجاج في غزو عالم الكتابة الساخرة بعد تألقه في دنيا الرسوم الساخرة؟ يقول ضاحكاً: «لا أعتقد أنني سأتحول إلى الكتابة مستقبلاً، فأنا اخترت من البداية أن أكون رسام كاريكاتور لا أكثر. إنني أحب هذا العالم بكل تفاصيله. وأعتقد أن رسام الكاريكاتور والكاتب، وإن كانا يختلفان في أدواتهما وطريقة توظيفها، إلا أن كليهما يلتقيان في الهدف، وهو التعبير عن ضمير الأمة. فكلاهما كاتبان، ولكن الكاتب يرسم بالكلمات ورسام الكاريكاتور يكتب بالرسم».