تابعت على التلفاز مأساة فلسطين تتكرر في كوسوفو. وبهذه الروح توقفت لأقرأ مقالة ادوارد سعيد في "الحياة" 4 أيار مايو 1999 يستنكر فيها ازدواجية المنطق الخاطئ في التطهير العرقي والضربات الاطلسية. للأسف الشديد وجدت مقال الاستاذ سعيد خالية من أي تعاطف صادق مع ضحايا التطهير الصربي، بل وجدته مشغولاً بما يظنه تسجيل نقاط دعاية ضد الولاياتالمتحدة وحلف الاطلسي. ويا ليته قدم حجة مقنعة. فالولاياتالمتحدة في نظر الاستاذ شريرة على الدوام لا يمكن ان تقوم بعمل الخير. دعني أناقش بعض الحالات التي ذكرها الاستاذ سعيد. يتساءل لماذا لا يتدخل الحلف الاطلسي في تركيا التي أبادت 45 ألف كردي من بين عشرة ملايين كردي. ومع استنكاري لما تقوم به الحكومة التركية ورفض للنموذج القومي التركي، فإن تركيا لم تقم بما يقارب حتى ومن بعيد ما يقوم به ميلوشيفيتش. لكن صدام التكريتي قام بما يقارب جرائم ميلوشيفيتش ... ولم أقرأ مرة ان الاستاذ سعيد أصدر كلمة استنكار واحدة بحق الجرائم التي اقترفها صدام بحق أكراد أو عرب العراق ... بل يمضي الاستاذ ليتهم الولاياتالمتحدة بقتل العراقيين بسبب العقوبات الاقتصادية. ولا شك في ان العقوبات الاقتصادية أودت بحياة الكثير من العراقيين وقادت الى مآسي انسانية كبرى، لكن هذه الحالة هي واحدة من أعراض المرض الذي اسمه صدام التكريتي. فالحرب التي أشعلها مع ايران ثم غزو الكويت أودت بحياة مليون عراقي ونظام حكمه أجبر أربعة ملايين عراقي على مغادرة وطنهم. كما ان العراقيين كانوا يقفون في طوابير الانتظار بحثاً عن مواد اساسية كالخبز والبيض حتى حين كان دخل العراق السنوي من واردات النفط يصل الى ثلاثين بليون دولار. وهذا الجلاد العفلقي من الصفاقة بمكان يحتفل بعيد ميلاده ويبني لنفسه قصور ألف ليلة وليلة على أشلاء الجياع والمرضى .... وأيضاً الزعيم الصربي مسؤول عن حروب البلقان ومآسيه في كوسوفو وسلوفينيا وكرواتيا والبوسنة منذ عام 1989. وهذه أوروبا تشاهد على عتبة دارها المآسي من دون ان تتحرك وهي التي وعدت نفسها بأن لا تتكرر جريمة الصمت عندما قام النازيون بتصفية اليهود. فالسؤال يا استاذي هو ليس لماذا تدخل الاطلسي بل لماذا تأخر؟ نعم اخطأ الاطلسي في تقديراته العسكرية وهذا أمر يحدث في أي تحالف من 19 دولة ديموقراطية فيها حرية صحافة ورأي عام مؤثر ومصالح متناقضة. فالحملة الجوية وأهدافها كما بدأت كانت نتيجة مساومات بين هذه الدول. لكن هذا الحلف الذي أعد لمواجهة الاتحاد السوفياتي لن يسمح لنفسه بالهزيمة أمام صربيا. عاجلاً أم آجلاً سيرضخ ميلوشيفيتش. ولا أفهم كيف يحاول الاستاذ سعيد ان يلوي الأمر عندما يقول ان الضربات الجوية سارعت في تفريغ كوسوفو من الألبان. فالمسؤول الأوحد عن هذه الجريمة هو ميلوشيفتيش. ولنقلب الفكرة ونسأل: "لو قام الغرب بقصف اسرائيل فهل سيؤدي ذلك الى تفريغ الضفة الغربية من الفلسطينيين"؟ لا شك في ان الاستاذ سعيد في وضع صعب. فقد ضاع منه ومن ملايين الفلسطينيين وطنهم بسبب وقوف العالم مكتوف اليدين ان لم يكن بدعم فعال من جزئه الغربي. واليوم يقف الاستاذ سعيد مشدوهاً ومبهوتاً أمام هذه الصحوة الاخلاقية في الغرب تجاه الجرائم التي تقترف بسكان كوسوفو. من حق الاستاذ سعيد ان يقف متسائلاً: "أين كنتم عام 1948؟". لكن ليس من حقه ان يقوم بهذا التشويه المُسيس لما يقوم به الاطلسي .... إن الحل البديل الذي يطرحه الاستاذ سعيد في ختام مقاله ليس إلا لغة سوريالية خطابية حالمة لا صلة لها بالواقع والمعاناة اليومية لسكان كوسوفو. ان حل الاستاذ لمشكلة كوسوفو يكمن في كون: "الرد الوحيد هو رفض النظر الى التقارير المصورة التي لا تنتهي عن اللاجئين والعمل على تنمية المقاومة التي تنبع من ثقافة حقيقية في مجال الفلسفة والانسانيات والنقد الصبور الدائم والشجاعة الفكرية". ولو قرأ أرييل شارون كلام الاستاذ سعيد لاتفق معه وقال له: "جرب حظك معي"! علاء الدين الظاهر مدرس رياضيات في جامعة تونته، هولندا.