كان اعطاء اسكوتلندا وويلز صلاحيات حكم ذاتي واسعة أحد الوعود الانتخابية التي أطلقها حزب العمال الجديد بزعامة توني بلير، وجرى تنفيذ هذا الوعد، الخميس الماضي من خلال الانتخابات في البلدين، متصادفاً مع بلوغ حكومة بلير نصف عمر ولايتها متمتعة بتأييد شعبي واسع فيما يزداد نجم حزب المحافظين المعارض أفولاً على الصعيد العام في بريطانيا. وجاءت الانتخابات في اسكوتلندا وويلز ضمن سعي حكومة بلير الى التعايش مع الاتجاهين القوميين المتناميين في البلدين عن طريق تخلي المركز، أي مؤسسات الحكم في لندن، عن صلاحيات مهمة داخلية ومحلية للمجلسين المنتخبين الجديدين في كل من ادنبره وكارديف، ولكن مع الابقاء على الروابط الوحدوية. ويفتح انتخاب برلمان اسكوتلندي للمرة الأولى منذ نحو ثلاثمائة عام وجمعية ويلزية للمرة الأولى الباب أمام تغيرات سياسية ودستورية عميقة في بريطانيا. ذلك ان الحزب الحاكم في البلاد، حزب العمال، جاء في المرتبة الأولى لجهة عدد المقاعد التي فاز بها في المجلسين الجديدين في اسكوتلندا وويلز، ولكن من دون أن يحصل على مقاعد كافية لتشكيله مجلس وزراء محلياً بمفرده في أي من البلدين. ومن هنا فإنه مضطر لعقد تحالفات في اسكوتلندا مع الديموقراطيين الأحرار وفي ويلز مع القوميين الويلزيين بليد كومري، مع ما يعنيه ذلك من اضطراره لتقديم تنازلات لهذين الحزبين ستكون لها انعكاسات تتجاوز الصعيد القطري الى الصعيد العام البريطاني. ومن أهم الأمثلة على ذلك أن الديموقراطيين الأحرار يطالبون بالغاء الرسوم الجامعية في اسكوتلندا، وهو أمر يمس صميم سياسة التعليم المركزية في بريطانيا كلها، فيما تعارض لندن ذلك قائلة ان هذا البند لم يحسب حسابه في الموازنة المركزية. رأى رئيس الوزراء البريطاني ان نتيجة الانتخابات في اسكوتلندا وويلز اثبتت ان غالبية السكان في القطرين لا تؤيد استقلالهما عن بريطانيا، وان الوضع السياسي الجديد الناشئ الآن من شأنه ان يقوي الاتحاد البريطاني. ومع ذلك، فإن الانتخابات التي جرت في جزء منها وفقاً لنظام التمثيل النسبي، أسفرت عن فوز اتجاهات سياسية عديدة بمقاعد في مجلسي اسكوتلندا وويلز ما كانت لتظهر على المسرح السياسي لولا اعتماد نظام التمثيل النسبي ذاك. ومع أن هذا قد يؤدي الى تنشيط النقاش السياسي، إلا أنه من المحتمل ايضاً أن يعيق التوصل الى سياسات اجماع، أو تفاهم عام، واضحة سهلة التطبيق. صار البرلمان الاسكوتلندي الآن مسؤولاً عن انفاق 14 بليون جنيه استرليني تعطى له من الموازنة المركزية، فيما صارت الجمعية الويلزية مسؤولة عن انفاق 7 بلايين جنيه. ولكن طرق وأوجه انفاق هذه المخصصات المالية لا بد أن تثير، وعما قريب، مسألة طبيعة العلاقة التي ستتبلور بين مجلس العموم في لندن والمجلسين الاسكوتلندي والويلزي. وسيكون هناك دائماً من الآن فصاعداً جدل حول مناقشات مجلس العموم، وان كان يجب أن تقتصر على شؤون انكلترا، أم تمتد لتؤكد سلطة المركز في السياسات العامة التي تتجاوز الصلاحيات المحلية الممنوحة لاسكوتلندا وويلز، وهي السياسات التي تنطلق من المركز مشكلة نسيج العلاقة الوحدوية. انها بريطانيا جديدة سيضطر الجميع فيها الى "تعلم رقصة تانغو جديدة"، بحسب تعبير احدى الصحف البريطانية "وهي رقصة لا يعرف أحد بعد أصول خطواتها ولم يوضع بعد لحنها الموسيقي".