تجاوزت المملكة المتحدة أصعب امتحان تخوضه منذ ثلاثة عقود، بعدما صوتت غالبية بسيطة من الإسكتلنديين ضد الدعوة إلى الاستقلال في استفتاء أول من أمس. غير أن السياسيين والمراقبين أجمعوا امس، على أن مرحلة ما بعد الاستفتاء لن تكون كما قبله، إذ ستشهد تعديلات جوهرية في هيكلية المملكة المتحدة، في اتجاه مزيد من اللامركزية وقدر أكبر من الصلاحيات لإسكتلندا، وأيضاً شريكاتها في الاتحاد: إنكلترا وويلز وإرلندا الشمالية. (للمزيد) ومع ظهور نتائج الاستفتاء التي بيّنت أن 55 في المئة من الإسكتلنديين صوتوا ب «لا»، في مقابل 45 في المئة أيدوا «الانفصال»، اعترف زعيم القوميين ورئيس الحكومة المحلية في أدنبره بخسارة «حلم الاستقلال» وفشل مساعيه لتأسيس دولة مستقلة بعد نحو 306 اعوام من اخضاع المقاطعة لحكم الملك، لكنه دعا السياسيين البريطانيين إلى الوفاء بوعود أطلقوها قبل الاستفتاء بمنح إسكتلندا مزيداً من الصلاحيات لإدارة شؤونها. وفي وقت اتفق قادة الأحزاب السياسية البريطانية على أن المملكة المتحدة «ستتغير إلى الأبد» على رغم فشل الاستفتاء، تعهد رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كامرون في خطاب إلى الأمة، بما سماه «تصويت الإنكليز على قوانينهم»، مشيراً إلى أن «الوقت حان لسماع ملايين الأصوات في إنكلترا»، والتي «من الضروري أن يكون لها رأيها في سياسات الضرائب والإنفاق والرعاية الاجتماعية، وذلك بعدما حصل الإسكتلنديون على فرصتهم للتعبير». ولم يوضح كامرون خطته في هذا الشأن والتي ستشمل حتماً منح الحقوق ذاتها لسكان ويلز وإرلندا الشمالية، ما يرجح تحوّل دور الحكومة المركزية في لندن إلى تقرير السياسات العليا للاتحاد في أمور الدفاع والخارجية والتعامل مع المهاجرين، وهو مشروع اتحادي طموح يتطلب دراسات معمقة من جانب الحكومة ومجلس العموم، ويشمل إعطاء النواب عن بريطانيا حق تقرير شؤون محلية تتعلق بالضرائب والتعليم والرعاية الصحية والتعويضات الاجتماعية. في غضون ذلك، قوبلت نتائج الاستفتاء بارتياح في أسواق المال، وترحيب أوروبي و «أطلسي» وأميركي. وقال الرئيس باراك أوباما أمس: «ليس لدينا أي حليف أقرب من المملكة المتحدة، ونتطلع لمواصلة علاقتنا القوية والخاصة مع كل شعوب بريطانيا العظمى وإرلندا الشمالية، فيما ننهض بالتحديات التي تواجه العالم اليوم». وأشار إلى أن الاستفتاء أثار «نقاشات حادة لكن سلمية، ذكّرت بمساهمات إسكتلندا الكبرى في المملكة المتحدة والعالم، وعبرت عن تأييد الإسكتلنديين لبقائهم ضمن المملكة المتحدة». وخلفت النتيجة التي أظهرت «تغلب المصلحة على النزعة القومية»، ارتياحاً لدى عدد من القادة الأوروبيين القلقين من انتقال «العدوى» الى دولهم، خصوصاً في إسبانيا التي تحاول صد محاولات انفصالية في كاتالونيا والباسك، فيما رأت دول خارج القارة العجوز أن فشل الاستفتاء على الاستقلال نموذج مشجع، كونه يحبط دعوات انفصالية تعاني منها. وطويت بذلك لسنوات عدة حملة أثارت اهتماماً كبيراً في العالم، خوفاً من تفشي الدعوات الانفصالية في حال انتصارها في إسكتلندا.