يتفق معظم المراقبين على أن حلف شمال الأطلسي ناتو لا يمكن أن يخسر في حرب البلقان الحالية. ويدعم هذا الرأي التصميم الذي يعبر عنه قادة الحلف السياسيون والعسكريون على كسر إرادة الرئيس اليوغوسلافي سلوبودان ميلوشيفيتش وإرغامه على القبول بشروط واضحة محددة لإنهاء الهجمات الجوية المكثفة على بلاده. ثمة أصوات قليلة، هنا وهناك، تقول ان دول "ناتو" إنما تنفذ "مؤامرة" لإخضاع ما تبقى من يوغوسلافيا السابقة لإرادة الحلف وهيمنته بعدما بسط نفوذه على معظم أنحاء اوروبا ولم تعد روسيا، منذ انهيار الاتحاد السوفياتي ومعه حلف وارسو، قادرة على ممارسة أي نفوذ ذي شأن في القارة الاوروبية. ولكن إذا تركنا نظرية "المؤامرة" هذه جانباً، سواء كان لها سند في الحقيقة أم لا، وجدنا ان سياسات ميلوشيفيتش وأفعاله تؤهله للعقاب والمحاكمة كمجرم حرب. تمهلت دول "ناتو" الى أقصى مدى ممكن وهي تساوم ميلوشيفيتش على خطة رامبوييه للسلام فيما كان هو يمارس سياسة القتل والتطهير العرقي في كوسوفو. وضجّ العالم في غضون ذلك وأخذ يتهم الولاياتالمتحدة وبريطانيا وفرنسا وغيرها من دول "ناتو" البارزة بجرجرة أقدامها وعدم التحرك بجدية لوقف عمليات القتل والتهجير القسري لألبان كوسوفو. لقد فجر ميلوشيفيتش الأزمة أصلاً بإلهابه المشاعر القومية الصربية وإثارته النعرات العرقية والطائفية التي استطاع الجنرال تيتو ابقاءها في عقالها وتحت السيطرة لعشرات السنين. وعمد ميلوشيفيتش بعدئذ الى الغاء الحكم الذاتي لألبان كوسوفو حيث كانوا الغالبية الكبيرة. ولما أفشل محادثات رامبوييه وشرع "ناتو" في تنفيذ هجماته الصاروخية وغاراته الجوية، اتخذت سياسة التطهير العرقي الصربية أبعاد "حل نهائي" يتمثل في تهجير مئات الآلاف وقتل الآلاف من ألبان كوسوفو… في قلب اوروبا في وضح النهار وفي عتمة الليل وعند مشارف القرن الواحد والعشرين. كان هدف حملة "ناتو" وقف التطهير العرقي والقتل والاضطهاد ضد البان كوسوفو، لكن الحملة اعطت حتى الآن عكس ذلك تماماً. إذ نسمع كل يوم عن مجزرة وعن مغادرة عشرات آلاف آخرين من ألبان كوسوفو قراهم وديارهم الى مخيمات وظروف لا تليق بكرامة الإنسان. ثمة سمات "قطع" و"انفصام" في ما يحدث في حرب البلقان. ميلوشيفيتش يدفع باتجاه "البانيا كبرى"، هي البانيا الحالية مضافاً اليها ألبان كوسوفو وربما البان مقدونيا. وثمة احتمال حقيقي بانفصام اللاجئين، قسراً، عن ديارهم وضياع فرص عودتهم اليها. وهناك صفة قطعية لشروط "ناتو" لوقف الحرب: وقف أعمال التطهير العرقي والقتل، وسحب القوات العسكرية وشبه العسكرية والشرطة الصربية من كوسوفو، ونشر قوة دولية في الإقليم، وعودة اللاجئين والتزام خطة رامبوييه القاضية بحكم ذاتي للاقليم. والأمر الواضح الآن هو ان "ناتو" مصمم على هدم البنية العسكرية الصربية والبنية الاقتصادية التي تدعمها وتمدها ومواصلة ضرب القوات العسكرية الى ان يرضخ ميلوشيفيتش. لكن الرئيس اليوغوسلافي قد يعمل على تأجيج الصراع وإطالة أمده بإخلاء كوسوفو تماماً من سكانها الألبان وزعزعة استقرار مقدونيا والجبل الأسود واستدراج "ناتو" الى ارسال قوات برية لرفع رهان الخسائر العسكرية ل"ناتو". ان الحزازات العميقة ونيات الثأر التي تشحنها هذه الحرب ستملي على "ناتو" ضرورة جعل كوسوفو إما محمية دولية واما دولة مستقلة إذا كانت دول الحلف مصممة فعلاً على تطبيق شروطها لوقف الحرب، وأهمها عودة اللاجئين وتمتعهم بحكم ذاتي. ان أي نظام حكم كنظام ميلوشيفيتش يرتكب جرائم ابادة الجنس يستحق ان يهزم ويجب ان يهزم.