بعد غياب عن خشبة المسرح استغرق سبع سنوات، وانقطاع عن التأليف الجديد استمر تسع سنوات، عاد اليوم الفنان خالد الهبر ليؤلف ويلحّن ويغني. هذه العودة "ترجمها في انتاج "فيديو كليب" لاحدى أغانيه القديمة "غنية عاطفية" وفي الاعلان عن اسطوانة جديدة تضم عشر أغاني، وخصوصاً في الحفلة التي احياها في ال"بيروت هول" قبل ايام. يبرّر الهبر غيابه عن الساحة الفنية بعوامل عدة أهمها سياسي: "انتهت الحرب في ظل اتفاق سياسي غامض لم يصلنا منه الا النتيجة، أي انتهاء الحرب التي بدأت بعدها الاحتفالات والفرح المزيّف بهذا الانتصار. هذا الواقع خلق اجواء رمادية اللون. لم نعد نعرف معها أين هي مواقع الناس. عدا ذلك، فقد دخلت سلطة المال على الخط فأحدثت ارباكاً سياسياً. في ظل هذه الظروف، من الصعب ان ننتج فناً، خصوصاً ان ذلك يحتاج الى وضوح اذ لا يمكن ان نكون في فترة ضبابية وننجح في ان نقدّم شيئاً جديداً". لذا، اثر الفنان خالد الهبر الصمت.. وقرّر ان يعود الى ذاته وان يدرس المرحلة السابقة ويميز الخطأ فيها من الصواب. ويبدو ان هذه الفترة استغرقت وقتاً طويلاً عند الهبر الذي كان دائماً يطرح على نفسه سؤالاً واحداً: "اذا عدت الى المسرح ماذا سأقول للناس؟". ووضوح الصورة عند الهبر يشكّل مسألة حيوية خصوصاً ان اغنياته نابعة من صميم الواقع المعياش وهي تدخل بحسب التصنيفات المتداولة في خانة الفن الملتزم. علماً ان الهبر لا يحبّذ هذا النوع من التسميات. فالاغنية عنده لا صفة لها. "انها اغنية وحسب، اعبّر من خلالها عن رأيي في مختلف المواضيع. وهذا التعبير يعكس ذاته في الموسيقى كما في مضمون الكلام. بعد تسع سنوات من الانقطاع عن الظهور الفني، اكتشف الهبر انه ربما كان على حق في فترات عمله الفني السابق. وبنى استنتاجه هذا نتيجة التفاف الجيل الجديد حول هذا النوع من الاغاني خصوصاً ان شباب اليوم أعمارهم أصغر من اعمار الاغاني التي يسمعونها. ورغم ذلك فهم متحمسون لها كثيراً. عدا ذلك، فان وضع البلد لم يتغير كثيراً عما كان عليه خلال الحرب التي لم تنته اصلاً برأي الهبر وانما تعبّر عن نفسها بأسلوب مختلف، "فلبنان اليوم هو من أفقر بلدان العالم. مديون. طائفي. بلا سيادة... مما يجعل اليوم هو استمرار لما كان في السابق. لذا فأنا اعتبر ان ما أقدّمه اليوم فيه استمرار لما أنجزته في المرحلة المنصرمة". والاستمرار الذي يتحدث عنه خالد الهبر يطال اختيار مواضيع الاغنيات والكلمات تحديداً ذلك ان الموسيقى تطورت بشكل كبير. فمن اربعة عازفين الى خمسة وأربعين عازفاً، ومن تسجيل في استديوهات متواضعة الى تسجيل خارج لبنان في استوديوهات تتمتع بامكانات تقنية وكمية هائلة ومتطورة وحديثة. ولعل هذا ما دفع خالد الهبر ان يعيد اليوم تسجيل "غنية عاطفية". وهي واحدة من اغنياته القديمة والمشهورة جداً. وهو يقول في هذا الاطار "ان هذه الاغنية نفّذت سابقاً بامكانات ضئيلة جداً. واختصر عدد الآلات الموسيقية المستخدمة فيها على ثلاث. وحين قدمناها للمرة الاولى على المسرح اكتشفنا فيها امكانات كبيرة في التوزيع الموسيقي. وحين جاءت فرصة اعادة انتاجها، سجلنا الاغنية بتوزيع جديد". واذا كان ثمة من يعتبر ان خالد الهبر هو صاحب أغنية ملتزمة في اشارة الى مضمون اغنياته، فان هذا الوصف يصح ايضاً في العمل الموسيقي نفسه. ذلك ان الهبر هو واحد من الذين يؤمنون ويحللون بشكل جدي من اجل شق الطريق امام وعي غنائي جديد في لبنان. وهو يعتبر انه وسواه مسؤولون عن اداء هذه المهمة. "نحن الجيل الذي تأثر بالرحابنة وبكبار الاغنية العربية والفرنسية والاميركية اللاتينية. لذا من واجبنا ان نقدّم اغنية بشكل ومضمون جيدين جداً. ومن المؤسف القول اننا اليوم في لبنان متخلفون بما لا يقاس عما قدّمه الرحابنة في الستينات". تضمّ الاسطوانة التي اصدرها خالد الهبر حديثاً عشر اغنيات هي: "شلال موسيقى، مندفع حقو منشتري، مع الوقت بتنسى، قانا، ألفت القصص كلمات عبيدو باشا، بسيطة، نشيد السعادة، لو كان على طول ومقطوعة موسيقية". وهذه الاعمال هي نتاج سنوات الصمت الطويلة التي عاشها خالد الهبر خلال الفترة الماضية. "كان الانتاج متقطعاً وظرفياً وهو صورة في الحالات التي كنت أحياها في هذه الفترة. فلذا نلحظ ان ليس هناك أي رابط أو جامع بين الاعمال التي تحويها الاسطوانة الجديدة. فهناك الصمت والتأمل والحب والثورة على الذات وعلى الناس وعلى الاوضاع السياسية...". وحدها الاغنية التي ألفها خالد الهبر اثر مجزرة قانا، ظهرت في فيديو كليب على شاشة التلفزيون الجديد. وكانت الانتاج الوحيد الذي خرج الى العلن طيلة الفترة الماضية. ويبرّر الهبر ذلك بالقول "ان الحدث كان اكبر منا جميعاً وفي حالات مماثلة لا ندري بانفسنا الا وامامنا ورقة وقلم نؤلف ونلحن، نخرج ما في داخلنا في الموسيقى". يؤخذ على خالد الهبر المناضل الشيوعي العتيق وصاحب الاغنية السياسية، ظهور أغانيه على شاشة المؤسسة اللبنانية للارسال انترناشيونال التي تولت ايضاً انتاج حفلته في ال"بيروت هول". ويرد الهبر على المعترضين والمنتقدين متسائلاً "من لا يرضيه ظهوري على شاشة هذه المحطة لماذا يشاهدها هو إذن؟" ويتابع قائلاً "هذه مؤسسة ناجحة واذا أردنا ان نروّج لعمل جديد وان نكسب جمهوراً جديداً فلا بد ان نختار مؤسسة منتشرة بين الناس. هذا عدا عن اني لم اقدّم اي تنازلات مقابل بث اغانيَّ أو انتاج حفلتي. فلم أبدل في كلمات الاغنيات كما انه لم يفرض عليّ ماذا أغني في حفلتي. وكما يعرف الجميع فان اغنية السنديانة الحمراء تبث يومياً على شاشة المؤسسة اللبنانية للارسال!". حين نتحدث عن الفن في لبنان، فلا بد ان نتطرق للحديث عن أزمة الانتاج. ولعل هذا واحد من الاسباب التي عززت انقطاع الهبر عن تقديم اي جديد طيلة السنوات السابقة. وهو اليوم ولو قرر العودة الى المسرح نتيجة اتضاح الصورة والرؤية عنده، الا انه لما كان استطاع ذلك لولا وجود شركة انتاج هي "Unison"تولت انتاج اسطوانته الجديدة. لا شك ان خالد الهبر هو واحد من الذين حاولوا التأسيس لاغنية خاصة يطبعها المزاج الغنائي الشخصي. انها الاغنية التي تحاكي ضمير الناس تحكي أوجاعهم وتطرح قضاياهم وتصرخ باصواتهم. انها الاغنية التي تخرج عن اطار البحث الدائم عن المعرفة والتطوير لبلوغ الافضل باتجاه بلورة موسيقى تعيد الاعتبار للانتاج اللبناني السابق الذي تخلفنا عنه كثيراً اليوم. لا تزال الكلمة تعني الكثير للهبر في أغنيته فهو لم يتخل عنها لصالح العمل الموسيقي الصرف لقناعته بمعنى الكلام ووظيفته. ومن أحب الهبر أحب اولاً خياره الفني ومسيرته الخاصة.