أعلنت قاعة مسرح «كازينو باريس»، شهر تموز (يوليو) الفائت بيع كل المقاعد لسهرة يوم 10 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري والتي أحياها المغني بول أنكا البالغ من العمر سبعين سنة. استمرت وصلة أنكا الاستعراضية ما لا يقل عن ساعتين، تخللتهما استراحة مدتها ربع ساعة، لتنتهي الحفلة بتصفيق حاد، ثم قام الحضور عن المقاعد ليقف في ممرات القاعة ويصفق طوال عشرين دقيقة متواصلة، اضطر الفنان على إثرها لإعادة مجموعة من أغانيه حتى امتدت السهرة إلى منتصف الليل، أي نحو أربع ساعات. وكل ذلك في جو من المرح والبهجة، ترافقه فرقته الموسيقية وأفراد الكورال الذين يرددون معه كلمات أغنياته بحماسة فتحت شهية الجمهور على الغناء معه بل والرقص في الممرات. واللافت أن أنكا لم يؤدّ أي أغنية جديدة، بل كرسها كلياً لإعادة إحياء ماضيه الفني، منذ بدايات مسيرته في ستينات القرن العشرين وحتى مطلع الألفية الجديدة، مردداً أغنيات طافت العالم، جالبة إلى صاحبها النجومية طوال سنوات، قبل ظهور مايكل جاكسون ومادونا وغيرهما ممن نسي العالم أن الغناء كان موجوداً قبلهم على مستوى رفيع جداً من الجودة والرقي. أب لبناني وأم سورية ولد أنكا (أو عنقا) في كندا من أب لبناني وأم سورية، وأبدى منذ صباه قابلية كبيرة للغناء وتقليد كبار المغنين العالميين، وتميّز صوته بنبرة دافئة دالّة على حنجرته القوية، وإن احتاجت آنذاك إلى تدريب محترف للحفاظ على مقوماتها الفذة وزيادة مساحتها الصوتية. هكذا، التحق أنكا بمدرسة متخصصة في تعليم أصول الغناء، وفي الوقت نفسه ألّف أغنية تكريماً لمربيته من أصل أفريقي ديانا أيو، ثم لحنها وأسمعها إلى معلمه الذي اتضح أنه صديق لأحد كبار منتجي العروض الاستعراضية في أميركا الشمالية. وفور سماع أغنية ديانا، سجلها المنتج وأطلق أسطوانة أنكا وروّجها في الأسواق، كما نظّم للمغني الشاب جولة فنية في كندا والولايات المتحدة. بيعت تسعة ملايين نسخة من أسطوانة ديانا، وحققت الجولة نجاحاً استثنائياً، خصوصاً أن أنكا لم يكن قد تجاوز السادسة عشرة من عمره حينذاك، فتحول في غمضة عين إلى نجم المراهقين، وبقي كذلك فترة طويلة، إلى أن كبر في السن واكتسبت أغنياته بدورها نضجاً جعلها تتجه إلى جمهور عريض، لا سيما النساء اللواتي عشقن رومانسية أنكا، وتحديداً في أغنيات مثل «يو آر ماي دستيني» (أنت قدري)، و «بوت يور هيد أون ماي شولدر» (ضع رأسك على كتفي)، و «كريزي لاف» (حب مجنون) وغيرها. ومن بين الألحان التي ألّفها أنكا، ولا تزال حية في ذاكرة جمهوره العالمي، أغنية الفيلم الأميركي الشهير «اليوم الأطول» الذي روى الغزو الأميركي لشواطئ النورماندي الفرنسية خلال الحرب العالمية الثانية. ثم الأغنيات التي ألّفها لغيره من نجوم الاستعراض، حال الفرنسيتين سيلفي فارتان وميراي ماتيو، وأيضاً أغنية «ماي واي» (طريقتي) التي غناها فرانك سيناترا وتعتبر من أكثر الأغنيات مبيعاً في العالم كله، و«شيز إي ليدي» (أنها سيدة) التي رددها توم جونز. وفي عام 2009 زار أنكا بلده الأصلي لبنان، وغنى في «فوروم بيروت» أمام حشد وصفه الفنان في ما بعد بأنه شكل أحلى ما شهده في حياته على صعيد الدفء الإنساني. من جهة أخرى، أوردت وسائل الإعلام البولندية أن بول انكا سيحيي اليوم، في وارسو، حفلة كان الجمهور موعوداً بها منذ 48 سنة، عندما اضطر لإلغاء حفلة له اثر اغتيال الرئيس الأميركي جون كينيدي. وقال أنكا: «أنا آسف جداً لأني تأخرت كثيراً في الوفاء بوعدي. اعذروني على هذا الانتظار الطويل». فمساء 22 تشرين الثاني (نوفمبر) 1963، قبيل حفلة أخيرة ضمن سلسلة أحياها في بولندا كانت مقررة في قاعة «سالا كونغروسوفا» العريقة في وارسو، تبلغ المغني نبأ اغتيال الرئيس الأميركي. وتظهر مشاهد تلفزيونية من تلك الفترة المغني وقد اغرورقت عيناه بالدمع هو يعلن إلغاء الحفلة للجمهور الذي لفّه الصمت. وكان بول أنكا يومها في الثانية والعشرين، وقد استقبل بحماسة في بولندا الشيوعية التي كانت باشرت انفتاحها على الموسيقى الأميركية.