تتركز الأنظار حالياً نحو الرئيس اليوغوسلافي سلوبودان ميلوشيفيتش، وتتباين التقويمات حول ما يحظى به من تأييد ومعارضة لدى شعبه، وأين مكمن القوة التي يستند عليها في تنفيذ سياساته. جميل روفائيل يجيب: من دون شك ان في يوغوسلافيا وصربيا معارضة شديدة لنظام الرئيس ميلوشيفيتش، وتتجمع هذه المعارضة حول الاسلوب الذي يستخدمه في السلطة وصولاً الى ما يوفر له البقاء في الحكم نظاماً وشخصاً. الا انه في مقابل ذلك فان المعارضين له كثيراً ما يتفقون معه في توجهاته القومية، وخصوصاً ما يتعلق بأمور صرب البوسنة والاحتفاظ باقليم كوسوفو جزءاً من الأرض الصربية، وهو ما جعل الكثيرين من معارضيه، وبينهم رئيس حزب النهضة الصربية الجديدة فوك دراشكوفيتش الذي قاد التظاهرات الصاخبة في بلغراد والمدن الصربية الاخرى قبل نحو عامين، ان ينضم الى الحكومة، نائباً لرئيسها، موضحاً انه "يتخذ هذا القرار انطلاقاً من حرصه على كوسوفو". اما المعارضة التي تطلق على نفسها "الديموقراطية" والتي يتزعمها رئيس الحزب الديموقراطي زوران جينجيتش الذي شارك دراشكوفيتش في قيادة التظاهرات، فانها لا تريد ميلوشيفيتش لانها تعتبره "غير ديموقراطي"، في حين ان ميلوشيفيتش نفسه لا يريدها لأنه يضعها في "خانة الذين ينفذون مصالح الاجانب" وهذه المعارضة ليست قوية وحدها حتى الآن. ويسعى ميلوشيفيتش الى ان يجمع في النهج الذي يتبعه في سياساته بين المآثر الصربية ذات الاعتزاز الشعبي العام وبين النظام الشيوعي الذي كان احد رموزه، وازاء ذلك فليس غريباً ان يصفه مناصروه بأنه يسير على هدى كاراجورجه الذي قاد الانتفاضات ضد السيطرة العثمانية على صربيا مطلع القرن التاسع عشر ومهّد السبيل لاعادة تكوين الدولة الصربية الحديثة كامتداد للامبراطورية الصربية التي كان آخر ملوكها لازار، وقضى عليها العثمانيون عام 1389 في معركة حاسمة وقعت بالقرب من مدينة بريشتينا العاصمة الحالية لاقليم كوسوفو. وتتواصل ارتباطات ميلوشيفيتش مع ماضيه في النظام التيتوي الذي قام في يوغوسلافيا بعد الحرب العالمية الثانية، من خلال تمسكه بالمؤسسات الاشتراكية ذات التسيير الذاتي التي اقامها ذلك النظام، اضافة الى علاقاته الوثيقة مع رموزه في داخل يوغوسلافيا الجديدة - صربيا والجبل الأسود والاجزاء التي استقلت، وما توفره له زوجته ميرا ماركوفيتش في هذا المجال عن طريق حزب اليسار الموحد الذي هو امتداد لرابطة الشيوعيين اليوغوسلاف الحاكمة في النظام السابق الذي تتزعمه. والحقيقة ان "ديكتاتورية" ميلوشيفيتش تختلف بشكل جوهري عن الاسلوب الذي تتبعه الانظمة التي توصف بالديكتاتورية في مناطق اخرى من العالم. فهو لا يحد من عمل التنظيمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، او مما تقدمه وسائل الاعلام المعارضة والمستقلة من انتقادات له ولنظامه، ولم يُعرف عنه انه مارس تصفيات جسدية ضد معارضيه ومنتقديه. ولكنه في مقابل ذلك، متهم على نطاق واسع بتزوير الانتخابات عملاً وقانوناً، متى احتاج الى ذلك، في صد محاولات خصومه الرامية الى مزاحمته في السلطة. ولعل اكبر مواجهة في شأن سلطته، واجهها ميلوشيفيتش في حياته، حدثت اواخر العام 1992 عندما زاحمه في الانتخابات على رئاسة صربيا رئيس الحكومة اليوغوسلافية الاتحادية آنئذ ميلان بانيتش، وهو صربي يعيش في كاليفورنيا ويحمل جنسية مزدوجة صربية - اميركية، وكانت تجمعت حوله الاحزاب المعارضة كافة باتجاهاتها القومية والديموقراطية والاقتصادية والمدنية، اضافة الى الكنيسة الارثوذكسية التي تملك نفوذاً واسعاً. لكن ميلوشيفيتش تخلص من الهزيمة بفارق ضئيل بفضل مقاطعة الناخبين الألبان التصويت، الذي كان مؤكداً انهم سيقترعون لمصلحة بانيتش لو انهم مارسوا حقهم الانتخابي، ولكانت لحقت بميلوشيفيتش هزيمة ماحقة، ربما كانت تنهي حياته السياسية، وتذرع زعماء الألبان بأن موقفهم نابع من قرار المقاطعة لجميع المؤسسات الصربية. لكن المراقبين وصفوا التصرف الألباني بأنه ناتج عن رغبتهم ببقاء ميلوشيفيتش المرفوض دولياً في السلطة، ما يضمن استمرار التأييد الدولي لهم، انطلاقاً من "الصيت السيئ لميلوشيفيتش"، وذلك على العكس مما يمكن ان تكون عليه الحال عندما يرأس صربيا شخص مقبول دولياً، ومع انه يمكن لذلك الشخص ان يمنح الألبان قدراً كبيراً من الحكم الذاتي، لكن ذلك لن يصل ابداً الى حد تحقيق هدف الغالبية من السكان الألبان في كوسوفو الساعية الى الانفصال والاستقلال. اما بالنسبة الى معارضة بعض قيادات جمهورية الجبل الأسود، الطرف الثاني في الاتحاد اليوغوسلافي الى جانب صربيا، وخصوصاً رئيس الجمهورية ميلو جوكانوفيتش، فهي لا تمثل سوى ازعاج اعلامي بسيط لميلوشيفيتش، وقد اعتاد عليه، لأن لا احد يمكن ان يقدم على مطالبة حقيقية بالاستقلال في الجبل الأسود، بسبب ان غالبية السكان تشعر بأنها فصيلة صربية، وان المعارضة ينبغي ان تظل في الاطارات السياسية. وفي المستقبل المنظور، لا يبدو ان ميلوشيفيتش سيرحل، خصوصاً وان الضربات الجوية الاطلسية زادته قوة، حسب استطلاعات الرأي العام المستقلة، والى حد ان الكثيرين من معارضيه اخذوا يميلون الى ان المصالح الصربية تتطلب الاعتراف ببقائه، لأنه لا يوجد على الأقل من يؤدي دوره في الدفاع عن المصالح الصربية المصيرية في المرحلة الراهنة.