ثلاثة وثلاثون حزباً ستتنافس في المعركة الانتخابية الاسرائيلية. قد لا يكون الرقم قياسياً اذا اخذنا بالاعتبار ما جرى في بعض بلدان أوروبا الوسطى والشرقية في السنوات الاخيرة ولكنه يتحول الى رقم مذهل بالنسبة الى نظام الحزبين في الولاياتالمتحدة او الى المحاولات البريطانية اليائسة لكسر الثنائية. وحتى في بلدان ديموقراطية اخرى مثل فرنسا او ايطاليا واسبانيا او المانيا فان التعدد يعود فيذوب في معسكرين واضحين. بين الاحزاب الاسرائيلية المرشحة واحد تقوده ملكة جمال سابقة، وثان شكله الانصار المتحمسون لانشاء كازينو يضارب على ذلك الفلسطيني، وثالث للمطالبة بالاحتفاظ بالجولان، ورابع لليهود الروس، وخامس جديد لليهود الروس انفسهم، وسادس لليهود المتدينين الشرقيين، وسابع لليهود المتدينين الغربيين، الخ... وهناك، طبعاً، اربع لوائح عربية. الى ذلك فقد شهدت الأسابيع الاخيرة ميوعة استثنائية في الانتماءات السياسية فنشأ حزب "الوسط" وانشق "ليكود" عن يمينه وعن يساره، وانتقل ديفيد ليفي الى "العمل"... ثمة اسباب عديدة وراء هذا التشرذم الاستثنائي ولكن اهمها، قطعاً، القانون الانتخابي. فهو يقوم على فكرة الدائرة الواحدة في اسرائيل كلها، وعلى النسبية المطلقة، وعلى نسبة حسم من واحد في المئة. قد يقول قائل ان هذا النظام هو افضل نظام ديموقراطي لأنه يحول البرلمان الى ما يشبه المرآة الصافية للمجتمع. ويضاف الى ذلك ان تركيبة الدولة العبرية اوجبت اعتماده من اجل صهر الهجرات الوافدة اليها وإرغامها، عبر الدائرة الواحدة، على تغليب الانتماء الواسع، الوطني، على الضيق، الاثني. غير ان التجربة المديدة اثبتت العكس تماماً. فلقد تحول النظام الانتخابي الى مصدر للانقسامات السياسية المعبرة، في غالب الاحيان، عن انقسامات من نوع آخر. ولم تنج التيارات الكبيرة من ذلك بفعل اتضاح القاعدة "الغربية" لليسار و"الشرقية" لليمين. لقد تنبهت اسرائيل الى ذلك وحاولت الفصل بين انتخاب رئيس الوزراء وانتخاب النواب غير ان التجربة ليست مرشحة للصمود طويلاً. وهي ستسقط، حتما، في حال قال الناخبون رأيين متعارضين. ولم يكن ممكناً عدم التنبه الى ذلك لأن النتيجة العملية لهذا النظام كانت تدعيم الاحزاب الصغيرة في مرحلة اولى ثم تحويلها الى الطرف المرجح في مرحلة ثانية وهو ما اعطاها وزناً اكبر من حجمها وزوّر، بالتالي، الانتخابات. يقدم المثال الاسرائيلي نموذجاً واضحاً عن ان نظام النسبية، على هذا الأساس، هو افضل المداخل لاثارة الانقسامات، وتشجيعها، وتثبيتها، ومكافأتها. وقد سبق لايطاليا ان اختبرت ذلك قبل ان ترميه في سلة المهملات! ان التركيز على هذا الجانب ضروري في بلد مثل لبنان يتجه نحو اعماد قانون انتخابي جديد. فما ان يستفيق اللبنانيون من نقاشات الموازنة، ومن التحقيقات في الملفات الكثيرة والمفتوحة، حتى يجدوا انفسهم امام نقاش مفصلي له علاقة بقانون الانتخاب. ولقد شرعت الاحزاب والهيئات والشخصيات بتقديم افكارها حول الموضوع. والملفت للنظر ان هناك من يصر على النسبية المطلقة باسم العمل من اجل الاندماج الوطني. وهو يتجاهل كل التجارب العملية التي تقول العكس بما فيها التجربة اللبنانية في الانتخابات الاخيرة حيث لوحظ ان اتساع الدوائر الانتخابية كان سبباً في توترات طائفية وليس العكس!