بعد إكتشاف الكاميرا عام 1839، سافر عدد من المستكشفين واعضاء البعثات التبشيرية ودارسي علم الاثنيات الى افريقيا، مزوّدين بمعدات التصوير لالتقاط ما لا يمكن وصفه بالكلمات في تلك البلاد المجهولة نسبياً. كان الطلب قد زاد في ذلك الوقت، على الصور ذات المضمون الإكزوتيكي. لذا، وضع الزوار الغربيون في أذهانهم ضرورة تلبية تلك الرغبة، بفضول المتعطشين لاكتشاف ما هو "بدائي" حسب المصطلح المتداول آنذاك. من هذا المنطلق الاستعماري، استغل التصوير كمستند لشرعية البعثات الاوروبية، وكانت غايتها المعلنة تمدين أفريقيا!. وركز المصورون البيض آنذاك، على الموانىء والمدن التي تقع على الطرق المؤدية الى الهند. ولم يمض وقت طويل، حتى ألف الأفارقة هذا الوسيط الجديد، وبدأوا في تقديم صور جديدة عن أنفسهم لأنفسهم، لا للأوروبي. "أفريقيا من خلال الأفارقة"، هو المعرض الفوتوغرافي الذي نظمه مركز الباربيكان للفنون، بالتعاون مع مجلة "ريفيو نوار" الفرنسية. وهو ثمرة جهد وبحث قامت بهما المجلة طوال عشر سنوات، وضمّ مئئتي صورة لعشرين فناناً فوتوغرافياً، غطت اعمالهم القرن بأكمله. وسبق لهذه الفصلية، ان نشرت اعمال هؤلاء المصورين الأفارقة المجهولين، في اعدادها الفصلية ذات الطباعة الفاخرة، اضافة لدعمها مهرجان التصوير الفوتوغرافي الذي يقام في مالي سنوياً. يقدم المعرض معلومات جديدة تماماً للجمهور البريطاني، الذي يشاهد هذه الصور للمرة الاولى. اما أهمية المعرض، فهي انه يقدم صورة غير نمطية للافريقي، بعيداً عن صور المجاعة والاقتتال والحروب التي سيطرت على وسائل الاعلام وخصوصاً في العقدين الاخيرين. مع منتصف القرن التاسع عشر، كان أحد الأفارقة يعمل متجولاً بين القرى، على دراجته الهوائية كمصور، وعندما نشر خبر صحافي في احدى صحف فريتاون، عن وصول "العبد" السابق واسمه أ. واشنطن، مصطحباً معه معدات التصوير الغربية، صار لافريقيا منذ ذلك الحين استديوهاتها المزدهرة والدائمة. وكانت تلك الاستديوهات تحت التحكم والمراقبة في المستعمرات الفرنسية، اكثر مما كان الحال عليه في المستعمرات الانكلوفونية غرب أفريقيا. وتدريجاً، صار التصوير مألوفاً في المناطق النائية، خارج تجمعات المدن. يفاجأ المرء أمام سرعة وكثافة استيعاب اختراع الكاميرا لدى الأفارقة، وهي سمة تكاد تكون متقدمة جداً، قياساً الى بعض المجتمعات العربية التي كانت أكثر تطوراً من المجتمعات الافريقية. ففي بداية القرن الحالي، انتشرت ظاهرة الألبومات العائلية والصور الشخصية، وسط الطبقة المتوسطة التي بدأت تتشكل آنذاك في القارة السوداء. في احدى الصور الخاصة بامرأة سنغالية شابة، ظهر في الخلفية مجموعة صور مؤطرة لاصدقاء وافراد عائلة، مما يؤكد شيوع التصوير في الحياة الاجتماعية، وعدم الاقتصار على كونه مستنداً مطلوباً لاوراق رسمية فقط. وكان الكثير من المصورين آنذاك، محترفين تماماً، جاء بعضهم من خلفية العمل مع الجيش المستعمر، وخصوصاً الجيش الفرنسي. ويلفت الانتباه اسم عائلة بويادجيان الارمنية موقعة بعض الصور، وهي التي وصلت الى أثيوبيا عام 1904. وقد عمل الأب وابناؤه من بعده، في البلاط الامبراطوري كمصورين رسميين للبلاط. تتنوّْع الصور المعروضة، ما بين داخلية وخارجية. في الصور الملتقطة داخل الاستديو، يتفوق المصور المالي سيدوكيتا - وهو من أهم المصورين في تلك القارة - في اضافة مفردات عصرية لصوره الملتقطة ما بين خمسينات وسبعينات هذا القرن. فيركز على ساعة اليد في معصم الشخص، أو تظهر قطع مثل: راديو، تلفون، إكسسوار نسائي، قلم حبر في جيب القميص، الخ. كما تظهر صور لآخرين، تعكس الجانب التقليدي في الحياة الافريقية، سواء في الملابس، تسريحة شعر النساء، أو الخلفيات المعتمدة في الاقمشة الافريقية المزخرفة. وتفاجىء اللقطات الخارجية زائر المعرض، الذي يرى للمرة الاولى، أفارقة يرتدون آخر صرعات الموضة آنذاك، ونساء فوق دراجة نارية، نظارات شمسية، اشخاصاً يرقصون الروك أند رول. وفي اللقطات النهارية، توضح أشعة الشمس وتؤكد قوة ملامح الافريقي. انها صورة ايجابية بعيدة عن صورة الضحية البدائي. هناك مشاهد التقطت في الارياف والصحراء، صور لفلاحين ووسطاء تجاريين، بعضهم تبدو عليه من خلال نظرتهم ووقفتهم، حداثة التعامل مع الكاميرا، وقسوة الحياة خارج المدينة. ويلفت الانتباه المصور السنغالي، عبدالرحمن سكالي، بتركيزه على حرارة العلاقة بين الثنائيات: رجل وامرأة، صديقان، صديقتين. كذلك، صمويل فوسو، من دولة أفريقيا الوسطى، الذي بدأ التصوير وهو في الثانية عشرة، وتجاوز الهدف التقليدي لنشاط الاستديوهات، مطوراً التصوير كفن مستقل، فالتقط العديد من البورتريهات الشخصية لنفسه، داخل الاستديو في السبعينات. ويمكن الاشارة الى عوامل موضوعية عدة، دعمت من فن التصوير في افريقيا. اذ شهدت الخمسينات تطوراً في التحقيق الصحافي، وحملت الستينات فرص الاستقلال لكثير من دول تلك القارة، وظهرت بالتالي المؤسسات الاعلامية الوطنية. وساهمت مجلة "درام" - الطبلة - في تقديم الحياة المعاصرة في تلك القارة. وكانت المجلة تطبع أساساً في جنوب أفريقيا، وكذلك في غرب أفريقيا، وتوزع على نطاق واسع بين جمهور المدن والارياف معاً. لقد وثّقت المجلة أفريقيا على اختلاف وجوهها: من الاشخاص العاديين الى السياسيين. ومن الحياة اليومية في القرى، الى الحياة الاجتماعية في نشاطاتها المتنوعة في المدن. بدءاً من الستينات، راح المصورون الأفارقة، يحتفون بمجتمعاتهم المستقلة، فخرجوا الى الشوارع ليصوروا الناس في الحفلات والمقاهي، وكل المظاهر الحيوية التي وسمت تلك المرحلة ويبدو ان فن التصوير الفوتوغرافي كان موجوداً بقوة في جنوب أفريقيا. ففي المعرض اعمال ثلاثة من أهم المصورين، وهي صور تعكس أهمية الجانب الروحي والطقوس الدينية والاجتماعية في الحياة اليومية لبلادهم. ومن الصور التي تجذب الزائز في هذا القسم، نيلسون مانديلا مع مجموعة من انصاره خارج المحكمة، بعد انتصارهم في احدى القضايا العنصرية عام 1958.