كان ذلك في الوقت الذي اشتد فيه الصراع وتأجج بين قوات الاحتلال البريطانية والعصابات الصهيونية المتطرفة في فلسطين، وخصوصاً عصابة شتيرن التي، بقدر ما جعلت من المدن والاحياء والمواطنين العرب في فلسطين هدفاً لهجماتها وعملياتها الارهابية، عرفت كيف توسع بيكار تلك العمليات لتشمل قوات الأمن والسلطات البريطانية بشكل عام. في وقت لاحق سوف يقول اسرائيليون يعتبرون عادة اكثر اعتدالاً من جماعات شتيرن والارغون المنتمية الى اليمين المتطرف، بأن لا علاقة للجسم الصهيوني، عموماً، بما اقترفه افراد تلك الجماعات، ولا سيما ضد البريطانيين، غير ان الصحافة البريطانية لم تكن ترى الرأي نفسه. بالنسبة الى الصحافة والى قطاع من الرأي العام البريطاني، كان من الواضح ان في الأمر توزيعاً للأدوار. فالمعتدلون الصهاينة، من عمال واشتراكيين "يتركون" المتطرفين يتصرفون، وبعد ذلك يفاوضون هم علّهم يفوزون بحصة اكبر من تلك التي تعدهم بها بريطانيا بعد الجلاء. بشكل عام كانت اللعبة مدروسة جيداً. وكان من الواضح ان الصراعات بين المعتدلين والمتطرفين هي صراعات على الايديولوجيا والوسائل، اما الغايات فواحدة. ولسوف يعاني البريطانيون كثيراً من هذه الازدواجية، لكنهم سيغضون الطرف عن معاناتهم، مدركين كعادتهم ان للسياسة منطقها. وربما مدركين ايضاً ان بن غوريون وأصحابه، من المعتدلين، لن يتمكنوا من تحقيق حلمهم الصهيوني من دون تلك المساهمة الكئيبة التي يقدمها المتطرفون. ضمن هذا الاطار، اذاً، يمكن فهم التصعيد الذي حدث بين السلطات البريطانية والعصابات الصهيونية المتطرفة، والذي وصل الى اوجه يوم 24 نيسان ابريل 1947، حين شن اعضاء منظمة شتيرن عملية ضد معسكر للشرطة الانكليزية في منطقة سارونا الى الشرق من تل أبيب. وكانت العملية عبارة عن هجوم بقنبلتين قويتين من نوعية لم يكن سبق لتلك العصابات استخدامها، او عُرف - على الأقل - انها تملكها. وهذا ما أثار الكثير من الشكوك في حينه. ادت تلك العملية الى مقتل أربعة من رجال الشرطة البريطانية، والى جرح ستة آخرين. اضافة الى هذا تحطمت ابنية عدة من ابنية المعسكر، والمئات من النوافذ الزجاجية في تلك المنطقة. وكان من عنف الانفجارين انهما سمعا على مبعدة 30 كيلومتراً عن مدينة تل أبيب بشهادة صحافيين بريطانيين. على الفور رجحت السلطات البريطانية ان تكون القنبلتان قد زرعتا من قبل عصابة شتيرن. وسوف يتبين بسرعة ان القنبلتين دخلتا المعسكر في عربة تابعة لمكتب بريد فلسطين الرسمي، كان يقودها شخصان ادعيا امام حراس المعسكر انهما اتيا لاصلاح اعطال في الهاتف داخل ادارة المعسكر. صحيح ان الحراس اشتبهوا في الأمر، ولكنهم حين "فتشوا السيارة بشكل جيد"، كما ستقول اوساط الشرطة، لم يتمكنوا من العثور على ما يشتبه به. وذلك لأن "القنبلتين كانتا مخبأتين تحت هيكل العربة". المهم دخل الرجلان بالقنبلتين وفجراهما لتعلن السلطات البريطانية انها تشتبه بكون العملية من تنفيذ عصابة شتيرن. لماذا؟ لأن هذه العصابة نفسها كانت شنت عمليات عديدة مشابهة في اوقات متقاربة، اسفرت عن مقتل عشرين رجل امن بريطانياً. وكانت الاتهامات كلها موجهة الى عصابة شتيرن ما دعا السلطات البريطانية الى اصدار امر باعتقال مناحيم بيغن قائد تلك العصابة، والى فرض حالة الطوارئ على خمس مناطق يهودية من بينها مدينة تل - أبيب نفسها. "الهاغاناه" التابعة عملياً لما كان يسمى ب"المعتدلين" نددت بمقتل الجنود لكنها حبّذت قيام المتطرفين بنسف السكك الحديدية والجسور والطرق. اما عصابة شتيرن، وحلفاؤها، فقد دفعهم هذا الى زيادة عملياتهم، التي كان من اهمها قبل الهجوم على المعسكر يوم 24/4، مهاجمة قطار بالقرب من "ريهوفوت" ما اسفر عن سقوط ثمانية قتلى بين عسكري ومدني. وقبل عملية المعسكر بيوم واحد كان رجال شتيرن قبضوا على رجل اعمال بريطاني يدعى موريس كولينز، وطالبوا بفدية لاطلاق سراحه، لكنهم عادوا وأطلقوه مجاناً حين اقنعهم بأنه يهودي. نذكر ان المتطرفين الصهاينة هاجموا بعد ذلك بعشرة أيام سجناً في عكا، حيث اطلقوا سراح 251 سجيناً، كانوا خليطاً من العرب واليهود، وذلك احتجاجاً على اعدام اربعة ارهابيين صهاينة في ذلك السجن نفسه، من قبل السلطات الانكليزية، قبل ذلك بثلاثة اسابيع. يومها شن الهجوم على السجن من قبل 100 ارهابي من جماعة شتيرن، ارتدوا ملابس الجيش الانكليزي للتمويه، بحيث ثار بعد ذلك سؤال اساسي: من أين حصل الارهابيون على الملابس، ومن سهل لهم الوصول الى مكان السجن الذي كان مخفوراً بشكل استثنائي؟ في الصورة حطام معسكر تل - ابيب بعد نسفه.