قبل ثلاث سنوات، في مثل هذا اليوم، الثامن عشر من نيسان أبريل العام 1996، دمغت قوات الاحتلال الاسرائيلي في ذاكرة اللبنانيين مجزرة في حق اكثر من مئة مواطن لبناني، معظمهم من النساء والأطفال حيث لجأوا الى مركز قوات الطوارئ الدولية في بلدة قانا. كان أهالي قانا والقرى المجاورة لها لجأوا الى مركز القوات الدولية على اعتباره الأكثر أماناً، خلال العملية العسكرية الاسرائيلية التي أطلق عليها "عناقيد الغضب" والتي لم تدع قرية في الجنوب اللبناني الا وصلتها ناراً أكثر من اسبوعين. فهجّرت أهلها ودمّرت منازل كثيرة وارتكبت مجازر في أكثر من قرية وكانت آخرها "مجزرة قانا" أكثرها قتلاً وهولاً. وحمل نحو 300 مواطن من أثر العدوان ذكرى أكثر إيلاماً إذ يعيشون مع آثار جروحهم وحروقهم وإعاقاتهم ويتوزعون على القرى المحيطة بقانا وهي رشكناناي وجبال البطم وصدّيقين، بينهم نحو 35 حملوا إعاقات إذ لم تتوافر فرص علاجهم في شكل جيد على رغم وعود كثيرة. والأطفال كانت لهم "حصتهم" أيضاً من الإعاقات والحروق والتيتم. فبعضهم يذكر ما حصل قبل ثلاث سنوات وبعضهم لا يذكر او لا يريد التذكر. وتقول منار 15 عاماً ان "السنوات مرّت ولا تذكر الآن شيئاً. ليس لأننا نسينا بل ما مضى سيبقى ذكرى في قلوبنا وجرحاً عميقاً"، في حين تقول مريم حسن برجي 12 عاماً التي أصيبت بحروق، "اذا تابعت دراستي قد أقدّم لوطني شيئاً، ويجب على واحدنا ألا يقول ان حياتي هدمت بل ان نكمل حياتنا". وتعدد الذين فقدتهم "أمي وأبي وأختي وعمي وزوجة عمي وأولاد عمي، أي نحو 21 نفساً". ومن بقي؟ تجيب "بقي لي أخ". ومريم تعيش عند خالتها. أما عامر 12 عاماً فيذكر عائلته دائماً ويقول انه يقرأ لعائلته الفاتحة دائماً "حين أنام وحين أستيقظ". ومجزرة المنصوري التي سبقت مجزرة قانا حين أغارت مروحية اسرائيلية على سيارة إسعاف تقل أطفالاً الى صور فقتلوا جميعاً إلا الطفلة سحر فادي الخالد 6 سنوات التي تروي "كنا في سيارة الإسعاف، بنت عباس وأختي منار وعايدة ورانيا لم تكن معنا. كانوا يأخذون الأولاد الى المستشفى. أختي حنين ماتت وستي جدتي ايضاً ولكن عمتي لم تمت". والفتيات اللواتي قتلن هن زينب 10 سنوات وحنين 5 سنوات ومريم شهران ونصف الشهر، وأمهن منى حبيب شويتح 28 عاماً زوجة عباس جحا الذي كان يقود السيارة ونجا. ومثلها مجزرة في النبطية الفوقا نفذتها طائرات حربية على منزل لجأت إليه عائلة حسن العابد الذي سمع وهو في الطريق، ذاهباً الى بيروت ومنها حاجاً الى مكة، أن غارة اسرائيلية استهدفت عائلته في النبطية. ويقول "حين سمعت الخبر، تركت حقيبتي وعدت لأعرف ماذا حل بهم. فوصلت الى النبطية عصراً فقيل لي انهم نقلوا الى صيدا، عدت ورأيت اثنين ناجيين". ويقول ابنه ابراهيم الذي نجا مع أخته نجود في حين قتلت أمه فوزية وخمسة من أخوته أصغرهم نور عمرها خمسة أيام، أنه لم يسمع دوياً بل "شعرت بنار قوية". وحين وصل والدي أخبرني أنهم ماتوا جميعاً ما عدا نجود "والله بيعوض". أما نجود فتذكر انها راحت تنادي أخوتها كل باسمه ولم يجبها أحد.