على بعد 500 متر من ملعب رعاية الشباب في الملز، احدى ضواحي الرياض، يسكن ناقد كروي هلالي هو صالح الهويريني... هوايته الاولى متابعة مباريات كرة القدم ونجومها، وقد دأب على جمع قصاصات الصحف منذ الصغر واتبعها، مع تطور التكنولوجيا، باشرطة الفيديو، ومن خلالها صار همه الاول متابعة نجم الهلال يوسف الثنيان "لان ما يقدمه في الملاعب لم يقدمه لاعب آخر، لا في السعودية، ولا في آسيا، ولا في العالم، حتى البرازيلي الراحل غارينشيا". وللتأكيد على كلامه، احضر الهويريني شريط فيديو فيه كل ما لذ وطاب من مهارات الثنيان منذ اكثر من عشر سنوات... ومع كل حركة للثنيان كان صاحبنا الذي استضافنا في خيمة منزله يتمايل ويضرب كفاً بكف وكأنه يشاهد الشريط للمرة الاولى. ويقول الهويريني: "اعددت شريطاً عن الثنيان مدته نحو ثلاث ساعات حتى الآن وسأضيف عليها ساعة ونصف". والثنيان حالة قائمة بذاتها في تاريخ كرة القدم السعودية، ولا يزال قطبها الاول مع انه صار في سن الخامسة والثلاثين... يتابعه الجميع ويحبونه على اختلاف انتماءاتهم، وهو من هذه الزاوية ايضاً حالة نادرة... وكم هي قليلة عدد المرات التي احب فيها النصراويون مشجعو نادي النصر لاعباً هلالياً... والعكس صحيح. قصدت نادي الهلال، او "الزعيم" طمعاً في حديث طويل مع الثنيان. والى جانب رئىس النادي الامير بندر بن محمد، رحت اراقبه عن كثب لاول مرة، ولطالما راقبته من قبل لكن بشكل عابر، وحادثته لكن بشكل مقتضب. كان الفريق الهلالي يجري "تقسيمة" على نصف ملعب استعداداً لنهائي كأس ولي العهد السعودي والمربع الذهبي لدوري خادم الحرمين الشريفين... حركته قد تكون ابطأ من غيره بفعل عامل السن، غير ان مهاراته بقيت تلمع ولم يغلفها غبار، وهي ارفع من مهارات جميع اقرانه، وقد سدد كرة لا يقدر على تسديدها الكثيرون سكنت اعلى الزاوية اليسرى... ومرر كرات لا يقدر على تمريرها الكثيرون، وهو للعلم كان جناحاً ايمن ثم صار، مع الوقت، صانع العاب، ودأب مدربوه في الفترة الاخيرة، في الهلال والمنتخب، على اشراكه شوطاً واحداً حتى يعطي كل ما عنده في مدى 45 دقيقة... وللسن احكامه. الورقة والقلم وانتهى التدريب، وتوجهت نحو الثنيان، وتأكد لي مرة جديدة كم هو مزاجي هذا اللاعب... ومشكلة المزاجي انه قد يعطيك كل شيء وقد لا يعطيك شيئاً، اياً كنت...تراه يراوغ خارج الملعب تماماً كما يفعل داخله، والفارق بين الحالتين انه قد يصاب داخل الملعب من كثرة ما "يجر" المدافعين خلفه او يهزأ بهم فيكون نصيبه "شلوت" محترم يرميه ارضاً ليتلوى من الالم، اما خارج الملعب فإن احداً لا يقدر عليه لان حياته الخاصة وتصريحاته ملك لنفسه وليس لأي انسان آخر، ومن حسن طالعنا ان شهيته للكلام كانت من درجة "مقبول جداَ". سألته عن وضعه الاجتماعي، فأخذ الورقة والقلم وكتب "تزوجت عام 1996 ولي 3 بنات: ريم 5 سنوات وعبير 3 سنوات ومهرة سنتان"... وكتب ايضاً: "الاختبار الاول في مدرسة الهلال الكروية لاختيار لاعبين جدد كان عام 1979 عن طريق المدرب اليوغوسلافي الشهير بروشتش وتم تسجيلي من قبل الامير بندر بن محمد بن سعود الكبير الرئيس الحالي للنادي". هنا، انتزعت منه الورقة والقلم، وقلت له: "اذا سرنا بهذا الايقاع البطيء فلن تنتهي محادثتنا قبل عام كامل". رأي في ماجد عبدالله وبعد عام كامل قد يكون الثنيان اعتزل... كان قرر الاعتزال مع نهاية الموسم الحالي ثم عدل عن رأيه بعدما لمس انزعاج الكثيرين من هذا القرار لانه لا يزال قادراً على العطاء في ناديه والمنتخب. و"فلسف" الثنيان هذا الامر من خلال قوله: "قررت البقاء وسأبقى طالما انني اشعر بان مستواي جيد سواء في الكونترول التحكم بالكرة او في الحضور الذهني... لماذا اعتزل ماجد عبدالله مثلاً؟ لانه اصلاً لا يملك "كونترول" جيداً ولان حضوره الذهني صار ضعيفاً مع الوقت"! وقبل الاسترسال في الحديث، سألت الثنيان: "القابك كثيرة كالفيلسوف والكمبيوتر والنمر... ايها تفضل"؟ واجاب: "لا دخل لي بالالقاب... فهي من صناعة رجال الاعلام، وافضل لقب ابو ناصر لا اكثر ولا اقل". وناصر اسم عزيز على يوسف لانه اسم والده الذي توفي عام 1989، ولانه كان خير صديق ومعين له في مسيرته كلاعب. مسيرة ابو ناصر تعليمياً كانت في مدرسة الرازي ابتدائياً، ومدرسة عمربن الخطاب متوسطياً... وبعدها تفرغ لكرة القدم. هل كان تلميذاً نجيباً؟ يجيب: "ابداً ... كنت كسولاً بدرجة ممتاز، وكانت عبارة "هاردلك" مكتوبة على سجلي في نهاية كل موسم دراسي". وسألته ايضاً: ماذا تقرأ؟ رياضة، سياسة، فن، مجتمع؟ فقاطعني وقال: "لا اقرأ شيئاً"! وماذا تسمع؟ ومن تحب من المطربين؟ فاجاب: "محمد عبده وحده خصوصاً في اغانية القديمة". رحم الله ايام الحواري قبل نحو 35 عاماً، ولد يوسف الثنيان في حي الشميسى بالرياض ثم انتقل مع العائلة عام 1981 الى حي البديعة، ولم تطأ قدماه ناد ما الى ان بلغ سن السابعة عشرة: "توجهت مع زميل الى نادي الهلال الذي افتتح مدرسة للكرة... لم اكن افكر بالنجاح او الرسوب بل باللعب، وانا لم اتوجه الى هناك كمبتدئ". التوجه الى مدرسة الهلال كان تتويجاً لمسيرة طويلة في الحواري: "كانت اياماً حلوة وذات طابع خاص اختفى حالياً واندثر. قبل نحو 15 سنة كانت فرق الحواري هي قبلة الانظار، يجتمع شباب الحارات وينقلب الامر الى نوع من المولد... جمهور كثيف وفرق كثيرة تلعب بطريقة الدوري وكانت كلمة كأس تدغدغ مخيلة الجميع... كان معي لاعبون فرضوا انفسهم دولياً ومحلياً بعد ذلك واذكر منهم مساعد الطرير ومشاري العويران ويوسف جازع وصالح المطلق وعبدالعزيز الرزقان ووليد الطرير... شكلنا فريق الاحمدي وكان مديره مدير الكرة في نادي الشباب سابقاً سلطان خميس، وشاركنا في مسابقات كثيرة منها دوري عكاظ في الطائف ودوري السديري... لم نكن نتقاضى مكافآت في البداية، ثم تغيرت الحال قليلاً عندما بدأ عدد من الامراء في متابعة دوري الحارات خصوصاً في فترة الصيف حيث تتوقف المسابقات الرسمية وفي فترة الاجازات". ولعب ابو ناصر مع فريق شباب الهلال عام 1983 وسجل هدفاً في مرمى الاتحاد في العام ذاته ليتوج الهلال بطلاً للدوري في هذه الفئة، ولم يمر وقت طويل حتى رُفع الى الفريق الاول، وخاض مباراته الاولى امام الوحدة فانتهت سلباً وكان معه في هذه المباراة السلومي والبيشي والنيفاوي وصالح المطلق وهذال الدوسري وعبدالرحمن اليوسف... وعندما اشتد عوده سجل 13 هدفاً في الموسم 1985 بفارق هدفين فقط عن هذال الدوسري مع انه غاب عن مباريات عدة لالتحاقه بمنتخب السعودية للشباب الذي كان يستعد لتصفيات كأس آسيا ثم النهائيات في موسكو، ومن سوء طالعه انه اصيب في التصفيات وعولج في الولاياتالمتحدة. عام 1986، كان خليل الزياني، مدرب الهلال الحالي، مدرباً للمنتخب، ولان الثنيان كان من ابرز الفرسان الذين قادوا الهلال الى احراز بطولة الدوري وسجل هدف الفوز في مرمى النصر، فقد استدعي الى المنتخب للمرة الاولى وشارك في كأس دول الخليج في البحرين. ويعتبر يوسف ان اعلى مستوى بلغه حتى اليوم كان عام 1988 خصوصاً عندما شارك في نهائيات كاس امم آسيا في الدوحة اي عندما احتفظ المنتخب باللقب، وكم اسف نقاد كثيرون على عدم منحه لقب افضل لاعب في البطولة حصل عليه الكوري الشهير ذو الشعر الطويل، كيم. والالقاب المحلية والدولية التي شارك الثنيان في احرازها كثيرة في الدوري الممتاز 85 و 86 و 98 و 90 ودوري خادم الحرمين الشريفين 96 و 98 وقد يضاف الى هذه المسابقة كأس ولي العهد خاض الهلال النهائي امس ضد الشباب وكأس دوري 1999 بلغ الهلال مربعها الذهبي وسيلعب ضد الاهلي... وهناك كأس الملك 1989 وكأس الاتحاد السعودي 1987 و1996 وكأس اندية الخليج 1986 و1998 وكأس ابطال اندية اسيا 1991 وكأس ابطال الاندية العربية 1995 و1996 وكأس الكؤوس الاسيوية 1997 والكأس السوبر الآسيوية 1998. ودولياً، هناك كأس امم آسيا 1988 و 1996، وكأس العرب 1998، فضلاً عن الاشتراك في مونديال 1998. هذا يعنى ان مجموع الالقاب بلغ حتى اليوم 21 لقباً 18 محلياً و 3 خارجياً، وهذا رقم قياسي بالنسبة الى اللاعبين السعوديين. وقيل في الثنيان الكثير، واحلى ما قيل ذكره صالح الهويريني: "اعتبره المدرب المصري الشهير محمود الجوهري ابرز لاعب شاهده في حياته... وقال له المذيع التلفزيوني القطري المعروف يوسف سيف عام 1991 بعد كأس اندية اسيا "قطر تتشرف بوجودك للمرة الثانية" وكان الثنيان قاد المنتخب الى احراز كاس آمم اسيا عام 1988 في قطر ايضاً. واحلى اهداف الثنيان كان هدفاً غير محتسب "وقد سجلته بكعب القدم من مسافة بعيدة في مباراة اقيمت في الاحساء". لكن ما هي اراء الثنيان التدريبية؟ قال: "هذا الكلام ليس للنشر ... الهلال حالياً يضج بالنجوم، لكن الانسجام مفقوداً خصوصاً في خط الوسط... وهذه هي الحال في المنتخب ايضاً". وتحدث الثنيان طويلاً عن واجبات كل لاعب في الفريق، خصوصاً في خط الوسط، وينوه بقدرات بعض المدربين الذين تعاقبوا عليه "ومن اهمهم على الاطلاق البرازيلي كنديدو"، فتخاله درس الكرة اكاديمياً في ارقى المدارس، وتراه اكثر قدرة على التعبير، بسلاسة وسرعة، من محمود الجوهري نفسه. سألته: هذا يعني انك ستتوجه الى التدريب بعد الاعتزال؟ فأجاب "اعوذ بالله". مواهب العك اجابات الثنيان فيها الكثير من العفوية والانسيابية ولا نريد ان نقول خبثاً او استهتاراً. سأله مذيع تلفزيوني عن رأيه بخط دفاع المنتخب، فأجابه، على الهواء: "كيف الحال"، ثم مشى! وأسأله عن بعض اللاعبين، فقال: "هناك مواهب اسمها مواهب العك التي تتحرك كثيراً في الملعب من دون ان تثمر حركاتهم شيئاً، وما اكثرهم... المواهب الحقيقية قليلة، والحال مختلفة كلياً في البرازيل التي امضيت فيها شهرين، تدربت مع فريق غواراني عندما كان يديره كنديدو، وشاركته في احدى مبارياته الودية ضد فريق بونتي بريتا... البرازيليون عمالقة في فنون اللعبة اياً كانت مراكزهم". ويخال المرء الثنيان فيلسوفاً بالفعل، وقد التصق به اسم الفيلسوف، ولا يزال... ولا دخان من دون نار في كل حال. ومن اضافاته: "ايجابيات الكرة اكثر من سلبياتها، اعطتني الكثير شهرة وسمعة ومادة وحباً من الجمهور وان حرمتني من التواجد باستمرار مع عائلتي وعرضتني لمضايقات من البعض وقلصت حدود حياتي الخاصة". ومن الفلسفة ما هو إطراء للذات بطريقة غير مباشرة: "لا يحبني الجمهور في مختلف الاندية الا لانه يتذوق الموهبة.... اذاً، انا موهوب، وهذه نعمة من الله". ومن نوادر الموهبة الثنيانية ان رئيس نادي الهلال السابق، الامير عبدالله بن سعد رحمه الله ساله عن سبب تأخيرة عن التدريب، وكان يوسف يلبس "الشبشب" فلم تكن اجابته مقنعة، وكان على المدرجات عدد كبير من المشجعين، فامره الامير بالعودة من حيث اتى، وبحركة بهلوانية من قدمه رفع يوسف الشبشب من فوق رأسه رأس يوسف ثم استدار على نفسه وتهيأ الشبشب امام قدمه مجدداً، فدس قدمه ومشى، فاذ بالمتفرجين يتركون المدرجات ويلاحقون الفيلسوف وهم يصفقون له. هكذا لخصه النعيمة وماجد لاعب لا تتوقع له اجابة ولا حركة، ومنه يجوز كل شيء... يعتقد البعض بانه ذكي جداً، ويعتقد بعض آخر بانه عفوي... وتحتار مع من تصف في تصنيف لاعب له 3 رئات: اثنتان للملعب وواحدة لشرب الشيشة أركيلة. روى الكويتي بشار عبدالله ان المدرب خليل الزياني طلب من اللاعبين الحضور صباح اليوم التالي، فاعترض الثنيان وقال: "انا لم اطلق المدرسة الا لانها كانت تفتح ابوابها صباحاً"! ولخص ماجد عبدالله نجم هجوم النصر والمنتخب سابقاً الثنيان اللاعب بالقول: "انه الجناح الذي يفرض على رأس الحربة ان يكون يقظاً 90 دقيقة". واما صالح النعيمة عملاق الهلال والمنتخب سابقاً فلخص الثنيان الانسان بجملة معبرة: "حساس جداً لم اقدر يوماً على تعنيفه حتى لا "يحرد" داخل الملعب... اذا جردته من عفويته او من جنونه، فقد كل شيء، وبات ثنيان آخر لا يمت الى صاحبنا بصلة".