ما هو الإسم الثلاثي لسلوبودان ميلوشيفيتش؟ لا أعرف، ولكن اقترح له اسماً وسطاً هو شامير أو بيغن، فالتطهير العرقي في كوسوفو لا يختلف بشيء عن تهجير الفلسطينيين من بلادهم. والعصابات الصربية تمارس جرائمها على اساس خرافات تاريخية كما مارست العصابات الصهيونية جرائمها على اساس خرافات دينية. وانتهى ثلاثة ملايين لاجئ فلسطيني خارج بلادهم، وهناك الآن نصف مليون لاجئ من ألبان كوسوفو في البلدان المجاورة يزيد عددهم كل يوم، على الرغم من زعم الحكومة الصربية انها أوقفت التهجير. الصرب يقولون ان كوسوفو "أرض مقدسة" استوطنوا فيها للمرة الأولى في القرن السابع الميلادي، وكان لهم فيها امبراطور وكنائس. وفي سنة 1389 شهدت انتصاراً كبيراً لهم على العثمانيين الأتراك، ومع ذلك فقد خرجت من ايديهم قروناً ولم تعد الا سنة 1912. ويرد الألبان في كوسوفو أنهم سبقوا الصرب الى المنطقة، وان جنودهم خدموا في الألوية اليونانية الرومانية قبل قرون من وصول الصرب، بل انهم يصرون على ان العثمانيين لم يفضلوهم، كما يزعم الصرب، وانما هم قاتلوا الى جانب الصرب ضد العثمانيين في تلك المعركة المشهورة، لأنهم كانوا يدفعون غزاة من خارج المنطقة. وهذا الجدل كله مثل قول اليهود أنهم كانوا في فلسطين قبل ألفي سنة، وقول الفلسطينيين انهم كانوا قبلهم حتى في ذلك التاريخ، فالقبائل اليهودية لم تجد أرضاً خالية، وانما حاربت السكان المحليين كنعانيين وغيرهم، وفي النهاية لم تستمر المملكة اليهودية الوحيدة سوى 80 عاماً، ولم تصل الى البحر يوماً. مع ذلك تزامن تهجير الألبان من كوسوفو الاسبوع الماضي مع ذكرى مذبحة دير ياسين في التاسع من نيسان ابريل 1948، عندما قتلت عصابتا ارغون وشتيرن 250 امرأة وطفلاً وشيخاً، وأعلنتا القتل لتخويف الفلسطينيين وحملهم على هجرة قراهم، وهو تماماً ما فعل الجنود الصرب بإحراق القرى في كوسوفو وقتل الرجال وتهجير بقية السكان. وكان بيغن اعترف في النسخة الأولى من مذكراته بأن قتل سكان دير ياسين كان هدفه تفريغ المنطقة، إلا أنه حذف هذا الاعتراف في الطبعات اللاحقة، خصوصاً بعد ان أصبح رئيساً للوزراء. ميلوشيفيتش مثل بيغن أو شامير تطرفاً قومياً أساسه خرافات وأمراض. وهو لم يكتف بتهجير الناس، وانما قرأنا ان الأسر قسمت عمداً، فأُرسل الأطفال باتجاه، والبالغون باتجاه آخر. ولم تخل صحيفة اميركية أو بريطانية قرأتها الاسبوع الماضي من تحقيق عن هذا التشتيت المتعمد للأسر، وكل مراسل يختار طفلة صغيرة أو شابة أو شاباً يحكي له كيف قتل الجنود الصرب الأب أو الأم، ثم أرسلوا الصغار في اتجاهات مختلفة باتجاه الحدود. أتوقف هنا لأقول ان هناك لاجئين ومهاجرين ومهجرين في مختلف أنحاء العالم، غير الألبان من كوسوفو والفلسطينيين، ففي البوسنة والهرسك اقتلع مليونان من بيوتهم، وفي كل من ايران وباكستان مليون لاجئ أفغاني، بالإضافة الى مليون أفغاني آخر هجروا داخل بلادهم، وفي داخل تركيا مليونا مهاجر أو مهجر كردي ارغموا على ترك أراضيهم، وفي ليبيريا وساحل العاج وسييراليون هناك مئات ألوف اللاجئين الداخليين، ومن بلد الى بلد. لا نقول ان اللاجئ الفلسطيني في حينه، أو الألباني الكوسوفي الآن، أهم من أي انسان آخر، ولكن نقدر ان الاهتمام العالمي بمأساة كوسوفو الآن سببه التغطية الاعلامية الاغراقية لها، ورؤية الناس في مختلف بقاع الأرض طوابير اللاجئين على التلفزيون، وسماعهم الأخبار عن الفظائع التي ارتكبت بحقهم. كان من نتيجة وحشية جنود ميلوشيفيتش ان الاميركيين هذا الاسبوع أكثر تأييداً لهجوم بري منهم الاسبوع الماضي، وأصبحنا نقرأ لسياسيين لم يشتهروا يوماً بالتطرف دعوات تؤيد الحرب. وإذا كان مفهوماً ان يكتب الجنرال اميركي متقاعد وليام اودوم داعياً الى احتلال بلغراد، فإن من اللافت ان يكتب وزير الخارجية السابق وارن كريستوفر داعياً الى اتخاذ كل الاجراءات اللازمة لتحقيق أهداف الحرب في مقال بعنوان "مهما كان المطلوب". غير ان سلوبودان ميلوشيفيتش لا يقرأ على ما يبدو غير خرافات تاريخية بقي الصرب يرددونها حتى صدقوها.