سيكون على قطاع صناعة السياحة ان يلعب دور حصان طروادة في الاقتصاد المغربي خلال السنوات المقبلة تمشياً مع التحسن المنتظر في اجمالي نشاط السياحة الدولية. ويحتل القطاع حالياً المرتبة الثانية وراء الزراعة لجهة الناتج المحلي الاجمالي وحجم العمالة، والثانية لجهة العائدات بالعملة الصعبة وراء تحويلات المهاجرين وقبل مداخيل الفوسفات أهم صادرات المغرب. وتقول الأرقام الرسمية ان السياحة تمثل 8.7 في المئة من اجمالي الناتج المحلي وبلغت مداخيلها نحو 7.1 بليون دولار من استقبال 1.2 مليون سائح أجنبي عام 1998 وهي تشغل نحو 600 الف من العاملين في القطاع أي ما يمثل 8،5 في المئة من مجموع القوى العاملة في المغرب. وتنمو السياحة في المتوسط بنسب أعلى من النمو العام لكنها تظل أقل مما هو منتظر منها خاصة في بلد يمتد على 3500 كلم من الشواطئ ويحوي 100 ألف كلم مربع من المرتفعات الجبلية التي يفوق علوها 2000 متر فضلاً عن تنوع في المناخ والمناظر والعادات وأدوات الترفيه. ويسعى المغرب الى الاقتراب من المعدلات الدولية في مطلع العقد المقبل بحيث تمثل السياحة 10 في المئة من المنتوج الداخلي الخام ونحو 11 في المئة من اجمالي القوى النشيطة وهي المعدلات الدولية الحالية استناداً الى احصائيات المنظمة الدولية للسياحة في مدريد التي اعتبرت ان الصناعة السياحية ستكون في المستقبل النشاط الاقتصادي الأكثر ازدهاراً في العالم وستتفوق المداخيل السياحية على مداخيل تجارة السلع والبضائع والخدمات وتنتقل تلك الايرادات من 445 بليون دولار عام 1998 الى تريليون دولار على ان يزيد تنقل السياح من 625 مليوناً الى بليون سائح قبل عام 2010، ما يمنح فرصاً هائلة للعمل تقدر بنحو 260 مليون وظيفة. أربعة ملايين سائح أجنبي وسيكون على المغرب للاقتراب من هذه المعدلات مضاعفة اعداد الوافدين لتبلغ أربعة ملايين سائح ومضاعفة حجم الايرادات ليبلغ ثلاثة بلايين دولار مع زيادة القدرة الايوائية في الفنادق والمركبات السياحية ووسائل النقل والاتصالات وهي استثمارات موكولة بالكامل الى القطاع الخاص وتقدر قيمتها الاجمالية على مدى خمس سنوات بنحو 14 بليون درهم نحو 5.1 بليون دولار. وكانت السياحة حظيت باستثمار بلغ 1697 مليون درهم نحو 200 مليون دولار عام 1997 لاقامة وحدات فندقية جديدة استجابة للطلب المتزايد في مجال الاقامات والليالي الفندقية. وتقول الوزارة الوصية على القطاع ان السياحة قد توفر 204 آلاف منصب عمل جديد خلال السنوات الخمس المقبلة منها 141 ألف منصب تعود للسياحة الدولية. كما تنتقل نسبة تغطية العجز التجاري بواسطة مداخيل السياحة الى 60 في المئة في أفق عام 2003 مقابل 53 في المئة عام 1998 وبذلك يتوقع ان تبلغ عائدات السياحة في هذا التاريخ 28 بليون درهم نحو 3 بلايين دولار. وتضيف: "اعتباراً للتحولات التي تحدث على الصعيد العالمي وتأثر في الميزان التجاري كتقلب الأسعار الدولية لمنتوجات الطاقة والحبوب والفوسفات أو الظروف المناخية فإن القطاع السياحي مدعو للمساهمة أكثر للحد من هذه التقلبات". وتساهم السياحة حالياً ب 10 في المئة في ميزان الاداءات وهي تعوض جانباً مهماً من عجز الميزان التجاري. وكانت حصة المغرب من السياحة الدولية ضعيفة نسبياً عام 1998 على رغم الزيادة المسجلة في اعداد الوافدين والمداخيل وبلغت تلك النسب 654.0 في المئة لجهة الوافدين مقابل 77.0 في المئة في عام 1993 كما تراجعت حصة المغرب في العائدات السياحية الدولية من 40.0 في المئة الى 36.0 في المئة وبذلك يحتل المغرب المرتبة 38 دولياً بعد ان كان يحتل المرتبة 25 عالمياً في عام 1993. المغرب العربي وعلى رغم تراجع اعداد الوافدين خاصة من دول المغرب العربي منذ اغلاق الحدود الجزائرية المغربية عام 1994 عقب احداث فندق اطلس مراكش حافظت المداخيل السياحية على وتيرتها وزادت 1.7 في المئة في الفترة بين 1993 - 1998 بينما لم تتطور تحويلات المهاجرين التي تعتبر المصدر الأول للعملة الصعبة سوى بنسبة 8،0 في المئة. وقال مصدر في مكتب السياحة المغربي ل"الحياة" ان المغرب راهن دائماً على سياحة النخبة والزوار الميسورين ورحلات المجموعات وسياحة المؤتمرات والرياضات الترفيهية ما جعل حجم الايرادات يتطور على رغم تراجع الأعداد في وقت سابق. وتبدو هذه السياسة مناقضة مثلاً لخطة سياحة الجماهير أو السياحة الاغراقية كما يسميها "اذا لاحظنا تونس فان عدد السياح لديها يفوق الاعداد التي تزور المغرب لكن المغرب يحصل على عائدات متقاربة وربما مساوية لتركيا مع اختلاف الأحجام". ويزيد المصدر: "السياحة اختيار واستراتيجية" ولكل دولة تصورها الخاص للسياحة التي تريدها. ويعزز هذا القول موظف آخر في المكتب المغربي للسياحة يستشهد بسياحة السينما في مدينة وارزازات في جنوب المغرب اذ يقول: "مداخيل السياحة السينمائية عالية جداً وأفرادها قلة". ويشير بعض الاحصائيات ان المدينة حصلت على 93 مليون دولار من اقامة بعض الفرق السينمائية لتصوير مشاهد خارجية في الجبال والواحات. انفراج أزمات اقليمية مؤثرة لكن ذلك لم يمنع من تسجيل تراجع واضح في نشاط السياحة المغربي الى اجمالي النشاط الاقتصادي خلال السنوات الماضية وتحديداً منذ مطلع التسعينات اذ تقلصت حصة حساب "منافع وخدمات" من 20 في المئة عام 1993 الى 15 في المئة عام 1997 كما تقلصت مساهمة السياحة في ميزان الاداءات بنحو 1.1 نقطة وبلغت 7.9 في المئة عام 1997 بعد ان كانت 8،10 في المئة من قبل. وتشير وزارة السياحة في تقرير حصلت عليه "الحياة" الى انه بين 1993 الى 1998 "سجل السياحة تراجعاً سلبياً قُدّر في المتوسط ب 13.7 في المئة. وباستثناء السياح الجزائريين بلغت وتيرة النمو خلال الفترة 2.3 في المئة وهذا راجع الى النمو الذي سجلته نسبة سياح الاقامة القادمة عن طريق الجو وانتقلت من 6،60 الى 7.65 في المئة سنة 1998 في حين تراجعت حصة السياحة البرية من 17 الى 4.11 في المئة". وتظهر الاحصائات ان تراجع اعداد السياح يرجع أساساً الى تدني الانتقال بين دول المغرب العربي بسبب الأزمة الجزائرية ومشكلة لوكربي الليبية وهو ما يدعو الى الاعتقاد ان أزمة السياحة المغربية ارتبطت وتأثرت بهذه الأوضاع مثلها مثل بقية قطاعات التجارة والمبادلات، وان انتهاء تلك الأزمات ينعكس ايجاباً على واقع السياحة المغربية والمغاربية وهو ما تدل عليه التصريحات بعد انتهاء مشكلة لوكربي واستعادة نشاط بعض الرحلات من والى ليبيا. وباستثناء الوضع داخل المغرب العربي يمكن القول اجمالاً ان السياحة المغربية واصلت تطورها طول عقد التسعينات على رغم الأزمات الاقليمية والدولية كما حافظت على أسواقها التقليدية في اوروبا والخليج العربي وزادت عليها سياحاً جدداً من شمال القارة الاميركية واليابان وجنوب افريقيا. وفي العام الماضي فقط زاد اعداد السياح البريطانيين بنسبة 27 في المئة وهولندا 27 في المئة وبلجيكا 23 في المئة وزاد السياح الأميركيون 10 في المئة والفرنسيون 2،8 في المئة، والسعوديون عشرة في المئة بينما زاد السياح المصريون 79 في المئة والاماراتيون 8،22 في المئة، والاردنيون 37 في المئة واللبنانيون 13 في المئة. وتبدو هذه الأرقام مشجعة للحكومة التي تعتزم تحقيق متوسط نمو اجمالي في حدود 5.5 في المئة على امتداد الخطة الخمسية 1999-2003 تكون السياحة من مرتكزاته الاساسية فيستعيد المغرب مواقعه السابقة ضمن أول 30 منطقة سياحية في العالم. في البدء كان القطاع العام في السياحة وكان قطاع السياحة حظي بالأولوية على امتداد الحكومات المتعاقبة منذ عام 1960 ضمن القطاعات الاستراتيجية التي تمتعت بتشجيع استثنائي الى جانب الزراعة والري والتعليم، ثم خاض المغرب تجربة استثمارات الدولة والقطاع العام في تشييد الفنادق والتجهيزات السياحية طيلة حقبة الستينات والسبعينات. واعتبرت الدولة ان الاستثمار في السياحة خيار ينعكس ايجابا على الاقتصاد المحلي على المدى المتوسط والطويل. وتبنت هذه الخطة شركات القطاع العام مثل ماروك توريزم والمكتب الوطني للسكة الحديد، والخطوط الملكية المغربية، والبنك القرض العقاري والسياحي، ومجموعة لاسمير النفطية وبعض الجماعات المحلية، الى درجة ان الفنادق الكبرى في المغرب ظلت حتى مطلع التسعينات ملكاً للقطاع العام. وحتى عندما قررت مجموعات سياحية دولية أو عربية مثل اكور الفرنسية أو ليوا الاماراتية الاستثمار في القطاع فانها فضلت شراء فنادق جاهزة تابعة لمكتب السكة الحديد أو شركة الخطوط المغربية على اقامة مشاريع جديدة. بمجرد تطبيق برنامج التخصيص عام 1993 تبين ان نصف الشركات المرشحة للبيع الى القطاع الخاص تتكون في معظمها من فنادق بنتها الدولة في العقدين او الثلاثة عقود الماضية، ونتيجة هذه السياسة انتقلت عائدات السياحة من 170 مليون دولار عام 1978 الى أزيد من بليون دولار في نهاية الثمانينات. وكانت السياحة المغربية عاشت فترة ازدهار حقيقية في مطلع التسعينات عقب انفراج الوضع الدولي وانتهاء الحرب الباردة وانفتاح الاقتصاد العالمي، واستعادة العلاقات بين دول المغرب العربي وفتح الحدود مع الجزائر وتقوية العلاقات الاقتصادية مع ليبيا. ووصل زوار المغرب الأجانب الى اربعة ملايين ونصف مليون شخص عام 1992 من بينهم 2.3 مليون سائح أجنبي وهو رقم قياسي لم يتم تكراره. صعوبات المرحلة المنصرمة تلقي بظلالها عاشت السياحة المغربية فترة صعبة منذ أزمة الخليج نتج عنها افلاس العديد من الشركات السياحية وتراجع الطلب العالمي وتدني المنتوج السياحي وتفاقم مشكل مديونية الفنادق. ولعل من أبرز تلك الصعوبات عجز شركة "بي. ال. ام" التي تملك قصر المؤتمرات عن تسديد ديونها ما أدى الى رفع النزاع أمام القضاء الذي حكم لصالح مصرف القرض العقاري والسياحي الدائن. وتقول مصادر مهنية ان عشرات الفنادق عاشت هذه الصعوبات في السنوات الأخيرة بسبب الانفاق الكبير على الاستثمار في مقابل تراجع اعداد السياح. ويقول وزير السياحة حسن الصبار: "نظراً لتنصل بعض المهنيين الفندقيين من الوفاء بالتزاماتهم رغم المحاولات المتكررة لمؤسسة القرض العقاري والسياحي الرامية الى فض النزاعات حبياً، نهج المصرف سياسة صارمة منذ عام 1997 لتحصيل مستحقاته. اسهمت هذه الاستراتيجية في تصفية الديون المستحقة بشكل تدريجي مع اخضاع بعض الوحدات الفندقية للحجز التحفظي لفائدة القرض العقاري والسياحي". وتقول شركة "بي. ال. ام" من جهتها: "قرار انجاز قصر المؤتمرات وفندق المنصور الذهبي سنة 1985 جاء في وقت لم يكن يظهر في الافق ما يوحي بأي أزمة لا حرب في الخليج ولا اسقاطات ضارة لما يجري في الجزائر وبالأحرى التدهور الذي لحق بالقطاع كله من جراء المنتوج الذي وضع في الأسواق وبخاصة منتوجات الاقامة والجولات السياحية فصار من الضروري امداد مراكش باداة في مستوى ما يوجد في اوروبا تساعدها على ولوج حظيرة المدن العالمية المهتمة بالمؤتمرات لتتمكن من تنويع منتوجاتها وشرائح زبنائها". وكان هذا الموضوع أثير في لجنة برلمانية الأسبوع الماضي حول الظروف التي أدت الى حجز القصر وكرائه الى شركة أكور الفرنسية العملاقة التي استثمرت نحو 100 مليون لمشاريع سياحية في المغرب وتملكت مجموعة مسافير ايبيس الفندقية التي كانت في ملكية مكتب السكة الحديدية. وقالت مصادر مطلعة ل"الحياة" انه قبل عرض المشروع على مجموعة أكور الفرنسية لتدبير قصر المؤتمرات كانت الشركة المالكة التي تواجه صعوبات التسديد اتجاه القرض العقاري والسياحي، عرضت شراء القصر ومرافقه على مجموعة دلة البركة السعودية التي كانت أعربت في وقت سابق عن النية في اقامة مشاريع سياحية ضخمة في المغرب. وحسب نفس المصادر فان اكور قد تتخلى عن ادارة القصر بمجرد التوصل الى صيغة بين شركة "بي. ال. ام" المالكة والقرض العقاري والسياحي. أي البحث عن مشتر جديد. وتقدر الديون المترتبة على قصر المؤتمرات بنحو 100 مليون دولار 950 مليون درهم. قصر المؤتمرات في مراكش يتكون مركب قصر المؤتمرات من اكثر من خمسة آلاف مقعد وفندق من خمس نجوم. وكان القصر احتضن عام 1994 ميلاد المنظمة العالمية للتجارة. ويشمل القصر عدداً من القاعات المجهزة بآخر ما انتجته التكنولوجيا المعاصرة في ميدان الصوت والانارة المسرحية والفيديو والبث التلفزيوني والترجمة الفورية والبث السينمائي وأيضاً: قاعة الوزراء 1700 مقعد، قاعة السفراء 450 مقعداً، قاعدة فاس 3002 مقعد، القاعة الملكية 2500 مقعد اجتماع أو 2000 مقعد للأكل ثم 11 قاعة للجان الفرعية موزعة كالآتي: 7 قاعات رضى كل منها تسع 40 مقعداً، 4 قاعات كرم كل منها تسع 90 مقعداً.