تأسس معهد الدراسات الاسلامية التابع لجامعة ماغيل الكندية مونتريال في سنة 1952 على يد البروفسور ويلفريد كانتويل سميث. ويشغل المعهد منذ العام 1984 مبنى قديماً من الطراز الفيكتوري "لو بافيون موريس" داخل صرح الجامعة في وسط المدينة. يعتبر المعهد مركزاً للتعليم والأبحاث وللدراسات المعمقة في الحضارة الاسلامية، تشمل نشأتها وتطورها وتنوعها الجغرافي. ويهتم المعهد ايضاً بديناميكية العالم الإسلامي المعاصر. وتطاول الدروس والمحاضرات المجالات التالية: لغات الدول الاسلامية العربية والتركية والفارسية ولغة أوردو/ الباكستانوالهند اضافة الى تاريخ المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية في الاسلام والفكر الاسلامي والمشاكل المعاصرة في مختلف أنحاء العالم الاسلامي. ويجمع المعهد اساتذة وطلاباً مسلمين وغير مسلمين من دول عدة، من أجل تقديم أفضل فهم للحضارة الاسلامية. وهذا التنوع الدولي في الجهازين التعليمي والطالبي يشجع على التبادل المباشر بين أشهر المختصين المحاضرين. فهؤلاء الاساتذة والطلاب القادمون من افريقيا وآسيا ومن الشرق الأوسط يتابعون في المعهد تعليمهم ودراساتهم وأبحاثهم، كما ان تبادل الاساتذة يسمح باتصالات مثمرة مع عدد كبير من الجامعات الاسلامية المعروفة. حصل المعهد على مساعدة مهمة من منظمات كندية واميركية وعربية وايرانية واندونيسية، كالوكالة الكندية للتنمية الدولية "ACDI" ومؤسسة فورد، ومؤسسة روكفلر، ومؤسسة آغا خان. وتعتبر مكتبة المعهد في هذا المجال من أهم المكتبات في القارة الاميركية بحسب مديرتها سلوى فراهيان. تتوزع المكتبة على ثلاثة أقسام: قسم المطبوعات والكتب. المخطوطات، والمعدات السمعية - البصرية. وهي تضم مئة ألف كتاب في لغات عدة أوروبية، وعربية وفارسية وتركية عثمانية وحديثة واندونيسية وأوردية. وتضم المكتبة الى جانب مكتبة جامعة ماغيل، أكثر من 650 مخطوطة، منها 280 باللغتين العربية والفارسية. وبقيت هذه المخطوطات للأسف مجهولة لفترة طويلة من المختصين في الاسلام بسبب خطأ في تصنيفها أو في معلومات غير كافية عنها. فالمخطوطات العربية في المعهد تمت فهرستها بعناية البروفسور آدام غاسك، وذلك بجمع حوالى 275 مؤلفاً تتناول جميع النظم الفروع في الاسلام: دراسات قرآنية، السنة الحديث، الاجتهاد، الفلسفة، علم الكلام، فقه اللغة، العلوم الطبيعية، الطب، الرياضيات وعلم الفلك. الى جانب ذلك، تضم مكتبة جامعة ماغيل قسماً للكتب النادرة، التي يبلغ عددها 33 مؤلفاً من المخطوطات العربية بينها 18 نسخة من القرآن الكريم انجزت في دول اسلامية عدة. أقدم هذه المخطوطات يعود الى القرنين السادس والسابع الهجريين القرنان الثاني عشر والثالث عشر ميلادية اضافة الى مجلات صادرة في لندن في القرن الثامن عشر، وأعمال تعود الى القرون السادس عشر والسابع عشر والثامن عشر، وكلها تقدم للباحثين مراجع نادرة وقديمة جداً. كما تقدم المكتبة مراجع سمعية - بصرية كالميكروفيلم والميكروفيش. عدم اهتمام عربي قال لنا الدكتور عيسى بلاطة استاذ الأدب العربي والدراسات القرآنية، وهو يدرّس في المعهد منذ 24 سنة، ان المعهد يضم مئة طالب منهم 50 تقريباً من العالم الاسلامي أي من الدول العربية والافريقية والآسيوية. أما الطلاب العرب فعددهم لا يزيد عن 12 طالباً من مصر والأردن ولبنان. اندونيسيا بعثت الى المعهد 50 طالباً، وذلك يرجع الى مشروع تنمية مشترك بين كنداواندونيسيا مدته خمس سنوات من سنة 1995 الى سنة 2000 لتعليم 45 طالباً لدرجة الماجستير و5 طلاب لدرجة الدكتوراه. وهذا المشروع تموله كندا بمبلغ 12.4 مليون دولار واندونيسيا بمبلغ 4.2 مليون دولار. أما البلاد العربية فاهتمامها بالمعهد ضعيف نسبياً، فقد قدمت الكويت منحة بمبلغ مليون دولار لمدة عشر سنوات 1975 - 1985 للدكتور أحمد أبو حاكمة لدراسة تاريخ الخليج. اما السعودية فقدمت منحة لمدة سنة واحدة فقط لمساعدة ثلاث طلاب. وأكد بلاطة ان معهد الدراسات الاسلامية هو الوحيد من نوعه في كندا عدا قسم دراسات الشرق الأوسط في جامعة تورونتو. ويضم المعهد اساتذة من أشهر المختصين في الدراسات الاسلامية كالاستاذ لاندوت في الصوفية والاستاذ ليتل في التاريخ الاسلامي، وقد اكتشف الأخير مخطوطات ثمينة من عهد المماليك كانت ضائعة ومهملة في أرشيف القدس فدرسها ونشر عنها كتابه عن "حكم المماليك في فلسطين". ومن أساتذة المعهد المشهورين كذلك، وائل حلاق أستاذ أصول الفقه والشريعة. الإسلام والسياسة بهدف إعطاء فكرة أقل رسمية عن المعهد، تحدثنا مع البروفسور المتقاعد في العلوم السياسية اندريه ديرليك، اللبناني الأصل، وأحد خريجي المعهد عام 1960. يقول ديرليك: "إن مؤسس المعهد ويلفريد كانتويل سميث كان كندياً. وهو بروتستانتي كالفيني متشدد ومتسلط، كان يدير المعهد بيد من حديد. فبعد إنهاء دراسته في بريطانيا، أرسل كمبشر الى الهند في الأقليم الاسلامي الذي أصبح اليوم باكستان، حيث تأثر بإقامته هناك. ولكونه أصبح في ما بعد أستاذاً في جامعة ماغيل، أنشأ بمساعدة مؤسسة روكفلر معهد الدراسات الاسلامية في عام 1952". ويضيف ديرليك: "الهدف من تأسيس المعهد كان تعريف الغرب على الاسلام والعكس بالعكس، من خلال ايجاد جهاز تعليمي من المسلمين والغربيين، الذين كان معظمهم من الاميركيين، وبشكل متساوٍ. وكذلك الحال بالنسبة الى الطلاب فقد كانوا من ثقافتين مختلفتين. ومحاضرات ومناقشات الماجستير والدكتوراه كانت تتم بحضور الاساتذة والسيد سميث بنفسه". ويتساءل ديرليك عما "إذا كان هدف نشوء المعهد المعلن يخبئ سياسة اميركية تضع الاسلام في مواجهة الشيوعية واستخدامه في الصراع بين الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفياتي في ظل الحرب الباردة التي كانت دائرة في تلك الفترة. فتمويل المعهد، منذ البداية، كان من مؤسستي روكفلر وفورد الاميركيتين، ومن ثم، قام شاه ايران بزيارة المعهد، الذي تلقى مساعدة من مؤسسة بهلوي لتقديم منح ورواتب للاساتذة في سبيل تنمية دراسات الفلسفة والتصوف في المذهب الشيعي الاثني عشري. وهكذا، بعد ان اهتم المعهد بالهندوالباكستان بين عامي 1950 و1965، أصبح مقرباً من ايران، اذ جاز القول، حتى سقوط الشاه عام 1979. وبعد رحيل هذا الأخير، حلت محله جمعية الآغا خان في التمويل اثر زيارة كريم خان الى المعهد، الذي بدأ يهتم بدراسة المذهب الاسماعيلي بفضل تمويل الاسماعيليين الذين أرسلوا طلاباً واساتذة". ويتابع: "أخيراً، بفضل طالب قديم في المعهد هو ماكتي علي، الذي أصبح في ما بعد وزيراً للشؤون الدينية في اندونيسيا، والجنرال نازوسيون مساعد قائد الانقلاب ضد نظام سوكارنو وضد الشيوعية، أصبح تأثير اندونيسيا بارزاً وغالباً في المعهد وما يزال مستمراً حتى اليوم". ولئن كان المعهد يتطور تبعاً لمصادر تمويله وبالتكيف مع هذه المصادر، ومع تركيزه على بعض المدارس أو الاتجاهات الاسلامية، لا يمكن اتهامه بالتخلي عن روحية البحث أو العلم غير المنحازين. وبالنظر الى عمر المعهد البالغ سبعاً وأربعين سنة، والى كفاءة اساتذته ونوعية التعليم فيه، فإنه يبقى أحد المعاهد النادرة في القارة الاميركية، العاملة بجد وإخلاص على التعريف بالحضارة الاسلامية التي ظلت مجهولة في القارة الاميركية، حيث أعداء هذه الحضارة أقوياء الى حد بعيد.