ابتهج المستثمرون عندما اخترق مؤشر داو جونز للاسهم الصناعية مستوى 10 آلاف نقطة لاعتقادهم الراسخ بأن هذه الخطوة تؤذن باستمرار الارتفاع في اسعار الاسهم، الا انني غير أكيد من ذلك. ربما كان رقم العشرة آلاف حدثاً بارزاً في نظر وسائل الاعلام، ولكن اذا تفحصّناه بعين تحليلية وجدنا انه عديم المعنى. وعندما نبحث في العوامل التي دفعت بالمؤشر الى هذه القمم الشامخة، يتبين لنا على التو ان هذا الارتفاع تتقدمه مجموعة من الاسهم تتصف بالنمو المعتدل سيطرت على السوق في الاعوام الاخيرة، وان هناك، لسوء الحظ، اشارات ضئيلة على ان الشراء انتشر في قطاعات اخرى من السوق، وهو امر ضروري كي يمتد الارتفاع الى قاعدة واسعة وعريضة من الصناعة والاسهم ويكون قابلاً للاستمرار. الى ذلك، هناك عوامل عدة من شأنها ان تُرخي بظلها تدريجاً على السوق. اولها تباطؤ الارتفاع في الاجور وتدني معدلات الادخار وتسارع الديون. وهذا كله يضعف امكان استمرار المستهلكين في دعم الازدهار الاقتصادي. ثم ان تزايد الطاقة الانتاجية يبقى مشكلة في عدد كبير من الصناعات اذ انفقت الشركات مبالغ ضخمة من المال بغية زيادة طاقتها الانتاجية، لتفاجأ بعدئذ بعدم كفاية الطلب على منتوجاتها. وهذا الامر يؤدي الى تدن في الاسعار تنجم عنه آثار سلبية على الارباح والمداخيل، يُضاف الى ذلك ان العجز في الحساب الجاري في ميزان المدفوعات الاميركي لا يزال يعاني من التوسّع. اخيراً عكس المصرف المركزي في الولاياتالمتحدة تيار السيولة التي اطلقها الخريف الماضي عندما خفّض معدلات الفائدة ثلاث مرات، ما ادى الى ارتفاع في قروض المصرف بمعدل يقارب 20 في المئة في احدى فترات الربع الاخير من عام 1998. اما الآن فان مقياس العمليات الائتمانية المرتكز على متوسط 13 اسبوعاً قد تدنى طيلة الاسابيع الستة الماضية، وهذا يدل على نمط انكماشي وغير عادي في مستوى السيولة. وباختصار، نتوقع ان يبقى النمو الاقتصادي في الولاياتالمتحدة نشطاً، لكن ذلك لن يؤدي الى ارتفاع في اسعار السلع والخدمات او الى تحسن في ارباح الشركات. وهذا التصوّر لا يكفي كمبرّر لاستمرار الصعود في الأسهم في الولاياتالمتحدة. لذلك، توصي محفظتنا النموذجية لتوزيع الاموال المعدة للاستثمار باعتماد الادوات المالية ذات الدخل الثابت وتنصح بتوظيف 55 في المئة من رأس المال في السندات و40 في المئة في الاسهم وخمسة في المئة يحتفظ به نقداً. الأسهم اليابانية أما خارج الولاياتالمتحدة فقد رفعنا اخيراً نسبة الاستثمار في اليابان في محفظتنا النموذجية العالمية من خمسة الى ثمانية في المئة. وهذا لا يعني اننا نرى الاقتصاد الياباني متأهباً لارتفاع مفاجئ، بل على الاصح، يرجح ان تستفيد اليابان كسائر بلدان آسيا من اعادة هيكلية الشركات ومن المبالغ الضخمة من السيولة التي وفّرها المصرف المركزي الياباني. ومن شأن هذه التدابير ان تدفع المستثمرين الى اعادة توطين بعض اموالهم الموظفة بكثافة في أوروبا الى اليابان حيث باتت توظيفاتهم خفيفة الى حد كبير. وكان تقييم الاسهم اليابانية دائماً في غاية الصعوبة، فعندما كانت السوق في ذروتها عام 1989، شكلت اليابان 41 في المئة من القيمة الرأسمالية للأسهم في الاسواق المالية العالمية. اما اليوم، فلا تتعدى حصتها سبعة في المئة. وتخطت سوق الاسهم في المملكة المتحدةاليابان لجهة الحجم منذ سبعة اعوام، وتشكل حالياً 9.2 في المئة من القيمة الرأسمالية للأسهم العالمية، وهذا مدهش اذا اخذنا في الاعتبار ان اقتصاد المملكة المتحدة يشكل خمسة في المئة فقط من الانتاج العالمي فيما يبلغ انتاج اليابان 17 في المئة. وإذا نظرنا الى هذا المعيار في التقييم - وهناك مقاييس اخرى - يتبين لنا ان الاسهم اليابانية جذّابة. السيولة والينّ الضعيف أضاف المصرف المركزي الياباني جانباً مشرقاً الى الصورة الاقتصادية بخفضه معدل الفائدة الى الصفر ما اسفر عن ضخّ مبالغ ضخمة من السيولة في الجهاز المصرفي. ويرجّح ان يتخذ خطوات اخرى لزيادة السيولة النقدية. ومع ان معدلات الفائدة المخفّضة تضعف الين لكنها تشجع التصدير وبالتالي اعادة الربحية الى قطاع التصدير ذي الأهمية البالغة. غير انني لا أتوقع ان تؤدي التسهيلات النقدية النشطة الى ارتفاع قوي في الطلب الداخلي الياباني في وقت قريب. وقد يساعد الانفاق الحكومي على الاشغال العامة على تلطيف آثار الركود لكن استمرار المصارف التجارية في احجامها عن الاقراض، وتدهور الاجور وضعف النمو في العمالة قد تُرخي بثقلها على الاقتصاد في المستقبل المنظور. ومن الناحية الايجابية، وعت الشركات اليابانية اخيراً ان عليها ان تتغير كي تصبح اكثر ربحية ومزاحمة. وأعلنت شركة "سوني" اعادة في هيكليتها - بما فيها استعادة بالشراء لثلاث من الشركات التابعة لها، وتسريح 10 في المئة من موظفيها واغلاق 15 من مصانعها الى 70، وهذا يشكّل نقطة تحول مهمة، نظراً الى ان "سوني" هي رمز وطني. ولا شك ان اعادة الهيكلة لن تكون في السرعة الكافية لترضي المستثمرين الغربيين، لكنني اعتقد ان هذا التوجه هو في غاية الأهمية. سوق الأسهم البريطانية وفي أوروبا، رفعنا نسبة استثماراتنا في الاسهم الالمانية على حساب السوق الفرنسية في اعقاب استقالة اوسكار لافونتين وزير المال الألماني. وتبقى نسبة الاستثمار في منطقة اليورو دون المعدل المعتمد في محفظتنا النموذجية العالمية. وفي نهاية المطاف، افضل السوق البريطانية على مثيلاتها في أوروبا واليابان. وفي نظري، ان لبنك انكلترا المرونة الكافية ليقوم بمزيد من الخفض في معدل الفائدة ليتجه صوب نقطة التقاء بمعدلات الفائدة على اليورو وهذا موضع قد يكسب الكثير من المناصرين. * كبير مخططي الاستثمار في شركة "ميريل لينش".