انتعشت اقتصادات اوروبا وقويت خلال الأشهر القليلة الماضية. ولكن على رغم ذلك فان اسواق الأسهم في هذه المنطقة بقيت هادئة نسبياً. وتتكاثر النظريات حول الأسباب التي حالت دون ارتفاع الأسهم كثيراً. اولها قد يكون تضايق المستثمرين من الطبيعة التجريبية لاعادة الهيكلة الصناعية والاقتصادية في أوروبا، وهو اتجاه اثر كثيراً في ارتفاع اسعار الاسهم في اسواق اخرى. والسبب الثاني قد يكون القلق من الا تتمكن اوروبا من تحرير نفسها من القيود العمالية والاجتماعية التي تلجم الأرباح. او قد تكون النظرة الى البنك المركزي الأوروبي الذي يماشي عن كثب البنك المركزي الألماني بوندسبنك باستمرار تضييقه على الائتمان؟ في رأينا ان كل هذه التفسيرات ليست صحيحة، ونعتقد انه يتعين ان يزيد المستثمرون من موجوداتهم من الأسهم الأوروبية على حساب توظيفاتهم في بريطانياوالولاياتالمتحدة. ان اعادة التركيبات البنيوية او الهيكلة في أوروبا قائمة على قدم وساق وهذا امر مهم، لأن الأسواق تحتاج الى مبررات لتتفوق بالاداء اكثر منها بسبب انتعاش دوري في الحالة الاقتصادية. ولدى اليابان قصة مهمة تتعلق باعادة الهيكلة تدعمها حركة ازدهار تكنولوجي، في حين ان لدى السوق الأميركية قصة الانترنت التي تثير المشاعر. وهنا يمكن ان يسأل المستثمرون: ما عساها تكون القصة في أوروبا؟ متى تبدأ الحكومات ان تكون اكثر دعماً للأعمال؟ ومتى يفترض المستثمرون ان النمو حقيقي؟ اذا رغبت أوروبا ان تتفوق على غيرها من المناطق، عليها اذن ان تتميز عنها في مثل هذه التدابير. وبالفعل، نعتقد ان أوروبا هي على أهبة الاستعداد لأن تبرز في حقول ثلاثة: في الأول، هناك اشارات تدل على ان النمو سيحمل مفاجأة لجهة ارتفاعه. فالقطاع الصناعي الألماني، مثلاً، شهد انتعاشاً ملفتاً في الأشهر الاخيرة. وقد لاحظ اقتصاديو ميريل لينش الأوروبيون ان الانتاج الصناعي هناك يمكن ان ينمو بمعدل 5 في المئة في الفصل الأول من سنة 2000. وإذا نجح مجلس الاحتياط الفيديرالي البنك المركزي الأميركي في تخفيف النشاط في الولاياتالمتحدة، فيما تباطأ الانتعاش قليلاً في اليابان، فان أوروبا يمكن ان تصبح واحة نمو. وعلى الجبهة النقدية، يظهر ان اليورو العملة الأوروبية الموحدة رأى حده الأدنى. وقد يعني ذلك ان الأموال شرعت في العودة الى اوروبا، وبالتالي هناك فرصة متاحة للربح في العملة، اذ ان معدل صرفها مرشّح لأن يرتفع نتيجة زيادة تدفقها الى الداخل. وفي الوقت نفسه، يمول البنك المركزي الأوروبي حركة ائتمانية مزدهرة بإبقائه على معدلات للفائدة منخفضة نسبياً. اذ انه بعد انطلاق بطيء، بدأ الاقتراض الفردي يرتفع بمعدلات تفوق 10 في المئة سنوياً. ويدل ذلك على حال متعافية، حيث الائتمان كان مكبوتاً لفترة طويلة. في المقابل، شهدت الولاياتالمتحدة ازدهاراً ائتمانياً طويل الأمد، بحيث اثر على البنية الائتمانية وأثار قلقاً جدياً. وبالفعل، نتوقع ان يكون مجلس الاحتياط اكثر اندفاعاً الى حد كبير في لجمه للتوسع في الائتمان مما هي عليه السلطات المصرفية في أوروبا. اخيراً، هناك حكاية مفاهيم في طور الانشاء تبرر النسب العالية بين أسعار الاسهم والأرباح. فقد كان من اكبر دواعي الاحباط في الاتحاد النقدي الأوروبي فشل وضوح نشوء في اعادة الهيكلة. اذ كان يُفترض، قبل 1 كانون الثاني يناير الماضي ان تنشأ حال من المنافسة المتزايدة بين الشركات في منطقة اليورو تحملها على فرض ترشيد في مناهجها الانتاجية، بما فيها الاندماجات بين الشركات واعادة هيكلة قطاع العمل والتوظيف على نطاق واسع. وفي الواقع، ان هذا النوع من اعادة الهيكلة الذي حصل في الصناعات الاميركية، كان من العوامل التي دفعت الأسهم الاميركية في الأعوام الاخيرة الى الارتفاع. من جهة اخرى، استعرت معركة المزايدة على "ليكوم ايطاليا"، عملاقة الاتصالات الايطالية، التي احدثت انقلاباً في قطاع الاتصالات. ونشاهد الآن اتجاهاً مماثلاً في القطاع المالي، الذي يمكن ان يبشّر بمزيد من عمليات الاندماج المصرفية في المنطقة. وقد تُبصر اوروبا اول عملية اندماج عبر الحدود بين "يونيكرديتو إيتاليانو" وبين مصرف "بانكو بيلباو فيسكايا". وتعكس نظراتنا المتفائلة تجاه اوروبا نموذجنا لتوزيع الأصول. فقد رفعنا بمقدار كبير حصة اوروبا في حقيبتنا الاستثمارية العالمية الى 18 في المئة من 15.8 على حساب التوظيفات في الأسهم البريطانية والاميركية، حيث اصبحت الأسهم غالية وحيث معدلات الفائدة آخذة في الارتفاع. ونبقى ايجابيين تجاه آسيا وخصوصاً اليابان: فمؤشر "نيكاي" في حركة تصحيحية حيث يعاني من عبء الين القوي. لكننا نعتقد انه لا يزال هناك مجال للمزيد من المكاسب. ان مؤسسات توظيف الأموال اليابانية لا تزال دون المستوى المرغوب في استثماراتها في الاسهم اليابانية، فيما تدل استطلاعاتنا لمديري الاستثمارات الأوروبيين على انهم زادوا توظيفاتهم في الأسهم اليابانية، بعكس مديري الاستثمار اليابانيين المحليين الذين لا يزالون يفضلون الاستثمار في الولاياتالمتحدة على الاستثمار في بلادهم. وفي تقديرنا انه اذا استمرت الأسهم اليابانية متفوقة في ادائها على الاسهم الاميركية، فإن ذلك سيؤثر في نظرة المستثمرين اليابانيين الى السوق المالية المحلية. وتشير العوامل الموسمية الى اتجاه صعودي في الاسهم اليابانية في الفصل الرابع عندما يتزايد الشراء من قبل عامة الشعب عادة بعد انقضاء الصيف. الى ذلك، ان اعادة النظر في بنيوية سوق المال في اليابان من شأنها ان تؤدي الى تدني تكاليف العمولة وبالتالي الى انخفاض في تكاليف الشراء والبيع لدى المستثمرين. وأخيراً ان نظام البريد الياباني سيفقد بعضاً من اموال المودعين سنة 2000، عندما يحين اجل استحقاق الودائع ذات المردود العالي، حيث ان جزءاً من هذه الأموال يمكن ان يجد طريقه الى الاسهم اليابانية. لكن هل سيضع بنك اليابان حداً لارتفاع السوق بتضييقه على السياسة النقدية؟ لا نظن ذلك، اذ انه ليست هناك ثقة وطيدة بالانتعاش الاقتصادي. كما ان الائتمان المصرفي يستمر في الانقباض. وتشير استطلاعات عامل الثقة لدى رجال الاعمال الى ان الاستثمار الفردي سيبقى ضعيفاً. اذن الاستهلاك عادي والين في حال قوية، والاثنان يضغطان على قطاع التصدير. اما المزعج فهو ارتفاع الين. والتجاهل الذي يبديه بنك اليابان المركزي لا يدل على غفلة كما في الظاهر. ان معدلات الفائدة في اليابان هي صفر، وتشكل الصادرات 10 في المئة من اجمالي الناتج المحلي. وهذا يعني انه من المستبعد ان يكون للين القدر الكبير من التأثير على الاقتصاد. وقد يشتري بنك اليابان سندات حكومية يابانية بغية ضخ السيولة في الجهاز المصرفي والتحكم في الوقت نفسه بمستوى المردود، وهذا من شأنه ان يساعد المصارف المناضلة من اجل البقاء. يضاف الى ذلك ان الحكومة اعلنت اخيراً مجموعة تحفيزية من التدابير من شأنها ان ترفع مستوى الانفاق. والخلاصة، نحن غير مستعدين ان ننسحب من اليابان. * كبير مخططي الاستثمار في شركة "ميريل لينش".