ضَحك أَسوَد الى سلفادور دالي الليلةَ الماضية وبعدَ حوارٍ قصير المرأة الغريبةُ التي دَلَفَتْ إِلى حُجرتي والّتي أخبرتني أَنَّ "سلفادور دالي" كانَ قد رَسَمَها مَرَّةً، سَقَطَتْ في النّعاس ونامت على الأريكة كما تنامُ الكواكبْ. أَنا بقيتُ مستيقظاً ومرتبكاً، أَمامَ تلكَ المائدةِ التي هَبَطَتْ عَلَيَّ مِنَ السَّماء وبعينيِّ لِصّ رحتُ أتأمَّلُ شعرها الهائج مثلَ حقلِ نحل وأنهبُ جَسَدَها المتموّج الأبيض مثَل بحيرةِ ياسمين. بأصابعَ مرتعشة فككتُ أزرارَ قميصِها وكم كانت المفاجأة مُرَوِّعَة حينَ اكتشفتُ أن جَسَدَها لم يكن في الواقع إِلا عَدَداً كبيراً من الجوارير سَحَبْتُ الجارورَ الأوَّل فطارتْ منهُ سحابةٌ هائلةٌ من الفَراشِ الملوَّن وملأت الغرفة مِنَ الجارور الثاني قَفَزَت أرانبُ بيضاء بمناقير حادَّة أخذت تنقِّرُني كما لو كنتُ تفاحةً كبيرة مِنَ الجارور الثّالث هَبَطَتْ غابةٌ كاملةٌ مِنَ الأشجار التي كانت بشفاهٍ كثيرةٍ حمراء، وسيقان لامعة إِنَّها ألاعيب دالي قلتُ وواصلتُ بجنونٍ فتحَ الجوارير في الجارور قبلَ الأخير كان ثمّة قوارير مملوءة بالدَّم وفرشاة وقميص ملطَّخ بالعتمةِ والظِّلال بقوَّةٍ فتحتُ الجارورَ الأخير، وأطلقتُ صرخةً مدويِّة: لقد وجدتُ جسد "سلفادور دالي" نفسَهُ وشاهدتُ وجهَهُ الطّويل بشاربين معقوفين كقدميّ عنكبوتٍ ضخم وفتاتِ ضحكٍ أسوَد يسيلُ من زاويةِ فمِه وعول داجنة الى طاهر رياض وزهير أبو شايب في الكناري1 يحدثُ أحياناً أن نتعبَ مِنْ رؤوسنا، فنخلَعُها ونعلِّقُها بمساميرَ مثبَّةٍ على الجدار حيثُ تبقى تلكَ الرؤوس مشغولةً بتأمُّلِ العالم، فتضحك وتُثرثر، بينما نحنُ ببراءةٍ عالية نتبادلُ حلوى الموت ونرفعُ كؤوسنا الخاصَّةَ الطافحةَ بالعدم * * * يحدثُ أحياناً أن نفكَّ أيدينا ونرسِلُها في الممرّات مثلَ حماماتٍ زاجلة كي تعودَ إلينا محمَّلةً بِعَناقيد الضَّحِك تِلْكَ المبثوثة في الأسرَّة وعلى النوافذِ التي لنساءٍ مبتهجات * * * يحدثُ أحياناً أن تتحوَّلَ بفعل الضَّجر إِلى مجرَّدِ تيناتٍ حمقاوات فنقفُ بكامِلِ أسمالِنا، حيث تحطُّ علينا عصافيرُ ضالَّة، ويتقدَّمُ منّا بُستانيُّ الحديقة ليقصَّ أصابِعَنا التي يبسَتْ مِنْ قِلَّةِ الكتابة * * * يحدثُ أيضاً أن نجرَّ الظَّهيرةَ الرّابضةَ في ساحةِ المدينة مثلَ فقمةٍ هائلة ونربطها بالجدار حيثُ نعلِفُها بكلِّ تلكَ القصائد التي كتبناها عن المرأةِ والحريَّة لا لشيء إِلاّ لأنَّ الشِّعرَ فَسَد ولم يَعُد إِلاّ تبنَ كلام * * * في الكناري يحدثُ كلُّ ذلك بينما نَحْنُ في نفس الوقت نتجوَّلُ في أمكنةٍ أخرى ونمارسُ أعمالَنا الشّاقة كوعولٍ داجنة 1 الكناري: فندق صغير في جبل اللويبدة في مدينة عمّان.