أكد رئيس وزراء السودان السابق زعيم حزب الأمة المعارض السيد صادق المهدي أنه لا يحتاج إلى ضمانات لكي يعود الى الخرطوم وأنه يفضل أن ترتبط هذه العودة بتحول ديموقراطي. لكن "إذا رأت المعارضة داخل السودان وجوب عودتي سأعود". واعتبر المهدي، في حديث الى "الحياة" في القاهرة، ان استمرار النظام السوداني في تشدده قد يؤدي الى مواجهات مع المعارضة تقود الى اسقاطه. وقال إن رئيس "الحركة الشعبية لتحرير السودان" العقيد جون قرنق "يتفق معنا على تأجيل إجراءات تقرير مصير الجنوب الى ما بعد فترة انتقالية تعمل خلالها على إزالة المظالم التي يشكو منها الجنوبيون لنضمن تصويتهم لمصلحة وحدة البلاد". وفي ما يأتي نص الحوار: يدعو النظام السوداني أقطاب المعارضة الى العودة الى السودان في إطار الدستور الجديد وقوانين تنظيم التوالي السياسي بم تردون على هذه الدعوة؟ - نحن نرفض هذا الدستور لأنه يقنن النظام القهري ولا يعترف بالتعددية الفكرية والسياسية في السودان في شكل صحيح. وأنا أرى أن النظام السوداني الحالي سقطت مواقفه الفكرية والمعنوية وأصبح مجرد أجهزة قمعية تحكم. لكن هناك أحزاباً سُجلت وفقاً لآليات هذا الدستور؟ - الأحزاب التي سُمح لها بذلك هي أحزاب من صنع النظام أو شرائح منشقة عن القوى السياسية الأساسية في السودان، وهي ضعيفة الوزن جداً، وأنا أطلق عليها "أذناب التوالي" وليس "أحزاب التوالي". وكلمة التوالي ترجمة غير سليمة لمفهوم فرنسي يعني التناوب، ومن ثم فإنني أؤكد مجدداً رفضنا لهذا الدستور باعتباره دستوراً زائفاً. ما معنى مذكرة المعارضة الى الحكومة في 29/12/1998 ما رأيك فيها؟ - هذه المذكرة صيغة للحل السياسي وعودة المعارضين الى الخرطوم تتوقف على قبول النظام لهذه المذكرة وتنفيذ المطالب التي تضمنتها. هل يعتبر قبول النظام المذكرة ضماناً كافياً لعودتكم الى السودان؟ - نحن لا نحتاج الى ضمانات للعودة، إذ أنني شخصياً استطيع أن أعود الى السودان في أي وقت من دون أن أخشى أن يحدث لي شيء. إذن لماذا لا تعود؟ - المشكلة إنني خرجت بمفاهيم معينة وأريد أن أعود ضمن تحول ديموقراطي في السودان عبر المؤتمر الدستوري. وإذا كان هناك اتفاق على هذا المؤتمر بصورة واضحة ومقننة، فلن تكون هناك موانع من العودة الى السودان. وعلى أي حال هم الحكومة بدأوا يتحدثون عن خطى تتعلق بتحول سياسي، لكن حتى الآن تعتبر أقل مما يجب في الوقت الحاضر، والتحرك الذي نطالب به نحن يجب أن يكون في مستوى مؤتمر دستوري يحقق الاهداف التي وردت في المذكرة التي قدمتها القوى المعارضة الى النظام. وأؤكد اننا لا ننتظر الإذن من النظام للعودة، وإذا رأت المعارضة داخل السودان وجوب عودتي سأعود، لكن كي تكون عودتي سليمة، الافضل أن تكون في اطار المذكرة والمؤتمر الدستوري. ما الحل في تصوركم في حال عدم قبول الحكومة السودانية المؤتمر الدستوري ومذكرة 29 كانون الاول ديسمبر؟ - سيكون هناك سيناريو مواجهة. تعني سيناريو لاسقاط النظام؟ - هذا وارد.. لكن المذكرة تتحدث عن تفكيك النظام وليس سقوطه في اطار مشروع سياسي متفق عليه. وهذا ليس امراً غريباً بل حدث في بلدان كثيرة في العالم. وعلى رغم ذلك فإن استمرار النظام الحالي في تشدده وقصر نظره قد يؤدي الى سيناريوهات اخرى مثل حدوث مواجهات مع المعارضة تؤدي الى اسقاطه. هناك دعوات انفصالية في اكثر من جزء داخل السودان، فكيف تمكن معالجة ذلك من وجهة نظرك؟ - هذه الدعوات ظاهرة احتجاج على النظام الحالي الذي نعتبره جميعاً قبيحاً وظالماً، لذلك يتحدث كثير من القوى السياسية في السودان عن الانفصال وتقرير المصير كوسيلة للتخلص من النظام، لكني اعتقد انه اذا زال هذا النظام، فسيجد السودانيون اتفاقاً مشتركاً لاعادة البناء الوطني ويتجنبون الحركات الانفصالية. ولماذا تؤيدون الجنوبيين في مطالبتهم بالانفصال وكيف تصفون علاقتكم برئيس "الحركة الشعبية" العقيد جون قرنق؟ - جون قرنق حليف لنا في "التجمع الوطني الديموقراطي" ونحن متفقون معه على اساس لتحقيق السلام واقامة حكم ديموقراطي في السودان، ونحن ايضا متفقون معه في انه لا يمكن افتراض استمرار وحدته مع الشمال الا عبر تجديد الثقة في هذه الوحدة عن طريق تقرير المصير، لذلك هناك اتفاق على تأجيل اجراءات تقرير المصير للجنوب الى ما بعد فترة انتقالية نعمل خلالها على ازالة كل المظالم الذي يشكو منها الجنوبيون لنضمن تصويتهم بقيادة "الحركة الشعبية" لمصلحة وحدة البلاد، وهناك اتفاق بيننا على هذه الامور كافة وخصوصاً التزام جميع السودانيين ان المواطنة هي اساس الحقوق الدستورية في البلاد. ثمة توقع ان يكون للرئيس السوداني السابق جعفر نميري دور، في هذا الشأن فما هي ملامح هذا الدور؟ - اي دور هذا؟ المدهش ان من يتحدث عن دور نميري لا يدرك حقائق الامور، فالرجل غير مؤهل اصلاً للتعامل معه سياسياً على اي مستوى وأنا أرى ان جعفر نميري هو كارت محروق اسقطه الشعب وهو المسؤول عن اكبر الاضرار التي تعرض لها السودان في تاريخه الحديث. أليس هو من اقام دولة بوليسية معتمداً على عناصر شيوعية، لتقهر المواطنين وتفرض عليهم سلطانها والنظام الحالي يقلده. وهو المسؤول المباشر عن تطوير الحرب في الجنوب من حرب محدودة الى حرب اهلية شاملة نعانيها الآن وهو الذي كبَّل السودان بدين خارجي بلغ في عهده ثمانية بلايين دولار، وظل يزداد سنويا حتى بلغ 21 بليون دولار، وهذه خطيئة اساسية. وهو الذي استعمل بطاقة التلاعب بالدين فهو مسؤول عن ما اطلق عليه تطبيق الشريعة على رغم انه غير مدرك لابعاد القضية الاسلامية لكنه رفع هذا الشعار. وهذه الخطيئة ذاتها يكررها النظام الحالي. خطايا نميري تجعله مسؤولاً عما حدث من تخريب للسودان في الماضي ولذلك هناك مطالبة بمحاكمته ضمن المحاسبات والمساءلات عما اصاب السودان. لكن رغم انتهاء حكم نميري منذ 1986 فإن السودان ما يزال يعاني؟ - السودان الآن يعاني تخريباً اساسياً جرى باسم تطبيق الشريعة لكن ذلك لا يعني ان السودان انتهى، وإذا تم التخلص من النظام وسياساته، فان اعادة البناء ستكون ممكنة في اطار من الاستقرار والديموقراطية ووقف الحرب الاهلية وسيكون للشعب الدور الاساسي والرئيسي في هذا المجال. يؤكد بعضهم انه ما تزال هناك معسكرات لتدريب الارهابيين في السودان، ما تعليقك على ذلك؟ - هذا يتعلق بمدى اعتقاد النظام السوداني بأن يحتكر الايمان وان من لا يؤيده كافر فإذا كانت هذه آراؤه، فإن هناك إذن إرهاباً فكرياً يمكن ان يؤدي الى عنف سياسي وارهاب عملي. وانا لن اهتم كثيراً بمسألة وجود مثل هذه المعسكرات او عدم وجودها في السودان، اذا كان هناك شفافية واستقلال قضاء وحرية صحافة. وفي النهاية السودان مساحته مليون ميل مربع ويمكن اخفاء اي شيء في مثل هذه المساحة. التقيتم الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي اثناء زيارته لمصر اخيراً، هل يمكن ان تطلعنا على اهم الجوانب التي تطرق اليها اللقاء في ما يخص المشكلة السودانية؟ - ليبيا مهتمة باستقرار السودان وسلامته ولذلك دعا القذافي قيادة المعارضة السودانية الى اجتماع مشترك في طرابلس للبحث في مسألة كيفية تحقيق السلام في السودان. ولدينا وفد يزور طرابلس حالياً. وستوجه دعوة الى جميع افراد هيئة قيادة التجمع الوطني الديموقراطي وسنذهب قريباً الى العاصمة الليبية. مشكلة النظام السوداني الاساسية تكمن في ارتباطه بأجندة التشدد الاسلامي التي خربت السودان، وهي ايضا سبب سوء علاقته مع المعارضة ومع دول الجوار. وفي رأيي لو تخلى النظام عن هذه السياسة، فإن دول الجوار يمكن ان تلعب دوراً ايجابياً لتحسين العلاقة مع السودان، وإذا لم يحدث ذلك فإنه لا مجال لاي اتفاق بين الخرطوم ودول الجوار.