قال رئيس حزب الأمّة السوداني المعارض، الصادق المهدي، إن حزب المؤتمر الوطني الحاكم في شمال السودان لا يملك إلّا أن يقبل بنتيجة الاستفتاء في جنوب السودان (الانفصال) لأنه تحت مراقبة دولية صارمة، وأكد أن من مصلحة السودان عدم الاختلاف على نتيجة الاستفتاء. وحذّر في حديث الى «الحياة» من اضطرابات اذا لم توافق الحكومة السودانية على برنامج وطني متفق عليه في شمال السودان، مشدداً على «الجهاد المدني»، كما حذّر من أن يؤدي انفصال الجنوب الى حرب أكبر وأوسع وأخطر ودعا الى عمل كل شيء لتجنب الحرب. ورأى أن الاضطراب (في شمال السودان ) سيؤثر في السلام والأمن الإقليميين والدوليين، وكشف أن النظام في الخرطوم أجرى اتصالاً مع حزب الأمة قبل يومين وعرض موضوع المشاركة في حكومة عريضة، وقال: «قلنا لا كلام ولا مشاركة في الحكومة (حكومة الرئيس عمر البشير) من دون الاتفاق على برنامج وطني»، وطرح المهدي برنامجاً من سبع نقاط على الحكومة والسودانيين للتوافق حولها وشدد على ضرورة احترام التنوع والتعددية وتوفير الحريات. ووجّه انتقادات شديدة إلى نظام الحكم في شأن «ممارسة القمع والفساد المالي الكبير والسياسات الاقتصادية الخاطئة والإدارة المترهلة»، ودعا الى دستور جديد يحافظ على المساواة في المواطنة وحرية الأديان والتعايش بين الثقافات، كما دعا الى توأمة بين دولتي الشمال والجنوب وحل مشكلة دارفور. وفي خطوة لافتة دعا المهدي أيضاً الى موقف اقليمي ودولي يعمل على إصدار قرار من مجلس الأمن يكون بمثابة خريطة طريق إقليمية ودولية لإنقاذ السودان من مخاطر حتمية ما لم تنفذ «أجندة وطنية» دعا اليها. وحذّر الحكومة السودانية من عزلة داخلية كاملة ستتعزز بعزلة خارجية اذا رفض حزب المؤتمر الوطني الحاكم البرنامج الوطني الذي طرحه المهدي. وهنا نص المقابلة: ما هي رسالتك أو برنامجك الذي تطرحه لشمال السودان مع انطلاق عملية الاستفتاء في الجنوب؟ - أول شيء يجب أن نعمله هو عمل تحليل بعدي، للإجابة عن تساؤلات، لماذا تقريرالمصير، ولماذا صار الانفصال راجحاً، وكيف وماذا ينبغي أن نعمل كي لا يؤدي الانفصال الى حرب جديدة مثلما حدث بعد اتفاقية السلام الأولى التي عقدها نظام (الرئيس السابق) جعفر نميري عام 1972 وما تم فيها من سوء تنفيذ للاتفاقية أدى إلى حرب في عام 1982 أسوأ بمراحل من الحرب التي كانت قبل عام 1972. الآن الاحتمال أن يؤدي الانفصال الى حرب أكبر وأوسع وأخطر من التي انتهت عام 2005 (بعد اتفاقية نيفاشا بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان)، لا بد من عمل كل ما يجب عمله لتجنب هذه (الحرب). وكيف يتم تجنب الحرب؟ - في رأيي هناك أجندة وطنية تتكون من سبع نقاط هي الكفيلة بأن تحمي السودان من هذا المصير المظلم وما هي هذه النقاط السبع؟ - أولاً، الشمال بعد الانفصال، سيحتفظ بكل التنوع والتعددية التي كانت فيه قبل انفصال الجنوب، لأن السودان مكون أصلاً من ثلاثة أديان وخمس اثنيات، والأديان الثلاثة هي الإسلام والمسيحية والأديان الأفريقية، والاثنيات الخمس تتمثل في عرب وزنوج ونوباويين ونوبه وبجا. السودان سيحتفظ بكل هذا التنوع مع قلة عدد الزنوج وقلة في عدد المسيحيين، لكن كل مقومات التنوع ستكون قائمة ما يوجب أن نتفق على دستور يحافظ على المساواة في المواطنة وحرية الأديان والتعايش بين الثقافات واللامركزية والقسمة العادلة للسلطة والثروة. البند الأول الذي يجب اتباعه لاستقرار الشمال هو هذا، و (يجب) أن يتوافق على هذا الدستور كل أهل الشمال وأن يقوم دستور مماثل في الجنوب. ثانياً: لا بد من الاتفاق الآن في فترة ما قبل نهاية الفترة الانتقالية أي قبل تموز ( يوليو) 2011 (نهاية الفترة الانتقالية التي حددتها اتفاقية نيفاشا) على ما نسميه معاهدة توأمة بين دولتي الشمال والجنوب في حال انفصال الجنوب. هذه التوأمة ضرورية جداً ونحن الآن اقترحنا مقوماتها بصورة نريد أن تكون مقبولة لدى الأطراف كلها لتحقيق تكامل مؤسس ومصلحي بين الشمال والجنوب. ثالثاً: لا بد من حل أساسي لمشكلة دارفور يستجيب لتطلعات أهل دارفور الحقيقية بلا مزايدات، ونعتقد أن وثيقة هايدلبرغ قد احتوت على جوهر ما يجب تحقيقه لحل المشكلة، ونعتقد أنها، بعد انفصال الجنوب، وإذا لم تحل بعد تموز 2011 فستتعقد الى ما لا نهاية، أي لا بد من حلها على هذا الأساس. رابعاً: لا شك في أن هناك ضرورة قصوى للاتفاق على برنامج اقتصادي قوي لمواجهة آثار الانفصال في الشمال واحتواء اية مصادمات قد تحدث نتيجة السياسات الاقتصادية. خامساً: لا بد من توفير الحريات بصورة أساسية. سادساً: نعتقد أن التعامل مع المحكمة الجنائية ضرورة قصوى، والكلام عنها بالإهمال والتغاضي فيه عدم مسؤولية، ولا بد من التعامل مع هذا البند بواقعية. سابعاً: إذا اتفق على هذه البنود لا بد من الاتفاق على آلية قومية وليست حزبية، ويمكن في ضوء ذلك تشكيل ما يمكن تسميته سواء حكومة قومية أو حكومة انتقالية أو حكومة وفاقية أو حكومة جامعة، لتنفيذ هذا الكلام برضا وتراضي أهل السودان، ونحن الآن نسعى إلى تحقيق ذلك. وفي تقديري وارد أن يقبل ووارد أن يرفض (هذا البرنامج المقترح)، واذا قبل فسيكون أفضل ما يحققه السودانيون لأنفسهم ووطنهم، واذا لم يقبل فسيكون السودان مقبلاً على مرحلة خطيرة جداً من الاضطرابات، وسيؤثر هذا الاضطراب في السلام والأمن الإقليميين والدوليين. لذلك، أرى أن الأسرة الدولية والجامعة العربية والاتحاد الأفريقي لهم مصلحة حقيقية في تنفيذ هذا الكلام (برنامج وطني سوداني متفق عليه) لتحقيق الاستقرار والسلام في السودان. في تقديري يجب أن يعلن هؤلاء (المجتمع الدولي والعرب والأفارقة) من منبر مشترك عربي افريقي دولي أنهم يطلبون من السودانيين ويناشدونهم جميعاً أن يتفقوا حول هذه النقاط بأسرع فرصة ممكنة عبر عقد قمة سياسية، وانهم (السودانيون) اذا أخفقوا في تحقيق ذلك فالأمم المتحدة والجامعة العربية والاتحاد الأفريقي، بالتضامن معاً، يقررون اللجوء الى مجلس الأمن لإصدار قرار يقول بسلام السودان وينطلق من هذه النقاط. والاعتبار الأساسي هو أن عدم تحقيق هذا البرنامج يعني انفجارات تؤذي وتضر بالسلام في الإقليم والقارة والعالم، وللأسف فإن ترك الأمور لمفاوضات عاجزة ولمناورات بائسة حتى الآن، لم يؤدِّ إلى أي حسم لقضايانا الحقيقية. أنا أتطلع إلى مجهود وطني سوداني للوصول إلى اتفاق على هذه الأجندة الوطنية، ولكن في حالة العجز أو عدم الرغبة، أتطلع الى موقف اقليمي دولي يعمل على قرار يكون بمثابة خريطة طريق اقليمية ودولية لإنقاذ السودان من مخاطر حتمية ما لم تنفذ هذه الأجندة الوطنية. هل تعتقد أن الحكومة السودانية ستتقبل البرنامج الذي طرحته، في ظل تمسكها بنتائج الانتخابات الأخيرة، وفي ظل التصادم بين رؤيتي الحكومة والمعارضة؟ - لا أدري، لكن استطيع أن أقول بوضوح تام، إن الحزب الحاكم في السودان أمامه خيارات محددة، الخيار الأول، هو أن يتقبل هذا المشروع، فإن قبله كفى الله المؤمنين شر القتال، وإن لم يقبله ففي رأيي سيواجه عزلة كاملة في الداخل، وستكون هذه العزلة الداخلية معززة بعزلة دولية،ل أنه اذا رفض هذا المنطق فسيواجه هذه التطورات. أنا أعتقد أن المؤتمر الوطني (الحزب الحاكم في السودان) ما زال في صفوفه عقلاء، لأن سلوكهم يوضح أنهم في كل مرحلة يستجيبون لضغوط، وصحيح أنهم (عقلاء النظام) يستجيبون للضغوط بطريقة ناقصة لكن الآن حصحص الحق، ولا بد من الاستجابة الكلية (للبرنامج الوطني). أنت تتكلم بلغة مرنة، تمد يد الوفاق الوطني بين السودانيين، وتشدد في الوقت نفسه على برنامج وطني متفق علي ؟ - أنا أتحدث بهذه اللغة الآن لأنني أرى الخطر الماثل امام مستقبل السودان، ولم يعد هناك مكان أو زمن للمناورات أو الحديث الغامض، لهذا أتحدث بهذه اللغة الواضحة. هل تعتقد أن الحكومة السودانية ستعترف فوراً بالانفصال فور اعلان نتيجة الاستفتاء أم ستفاجئ الناس بموقف آخر؟ - أعتقد أن كانت لديهم (للحكومة السودانية) مشروعات، كان لديهم مشروع تشجيع بعض الأفراد أن يطعنوا في دستورية إجراءات الاستفتاء، وصحيح هناك دلائل على أن بعض التصرفات المتعلقة بالاستفتاء غير قانونية لكن الذي حدث أن الأعضاء الجنوبيين في المحكمة الدستورية انسحبوا ما جعل المحكمة تفقد النصاب لاتخاذ القرار، لذلك هذه الفكرة (فكرة الطعن في دستورية إجراءات الاستفتاء) لم تنجح. أيضاً، في تقديري، كانت هناك توقعات أن مشاكل أمنية ستحدث في الجنوب بسبب تصرفات بعض الجنرالات المنشقين في الجنوب (عن الحركة الشعبية) وأن يحدث هؤلاء اضطرابات أمنية تبطل إجراءات الاستفتاء، ولم ينجح هذا الاحتمال لا سيما أن الكنيسة الكاثوليكية بقيادة الكاردينال دينغ توسطت لعقد اتفاق وقف إطلاق نار بين الجيش الشعبي لتحرير السودان وجورج اتور (جنرال منشق عن الحركة الشعبية). الآن ربما يكون هناك احتمال حدوث مشاكل لكن أعتقد أن المؤتمر الوطني (الحزب الحاكم في الخرطوم) أدرك أنه تحت مراقبة دولية صارمة بحيث إنه لا يملك إلا تأكيد أنه سيسهل مهام الاستفتاء ويقبل بنتائجه، وأعتقد أن رحلة الرئيس (عمر) البشير الأخيرة الى جوبا (عاصمة الجنوب) كانت من باب تأكيد هذا المعنى، لذلك أعتقد انهم سيقبلون نتائج الاستفتاء. ونحن في حزب الأمة القومي من زمان (منذ فترة طويلة) كنا نطعن في جدوى الاستفتاء وفي ديموقراطيته، ومع أنني أعتقد أن الدلائل كلها تدل على أن الغالبية الجنوبية تؤيد الانفصال الا أن الاستفتاء كإجراء ديموقراطي معيب، وكل اقتراحاتنا لجعل الاستفتاء حراً ونزيهاً رفضت. نحن منذ مدة وصلنا لرأي أن الاستفتاء سيكون معيباً وكتمرين ديموقراطي هو غير مقنع، ولكن هناك دلائل نحن أحصيناها وتؤكد أنه مهما كانت آليات الاستفتاء فإن غالبية الجنوبيين تريد الانفصال، ومن مصلحة السودان ألا تحدث خلافات حول هذا الموضوع، ولذلك قلنا على رغم هذه العيوب يجب الاعتراف بنتيجة الاستفتاء. هل يعني هذا أنكم في حزب الأمة ستعترفون بنتيجة الاستفتاء في حال الانفصال؟ - أيوه (نعم)، كما قلت لك لدينا دلائل - على رغم أن الاستفتاء كآلية معيب – تؤكد لنا أن الغالبية مع الانفصال. طرحت سبع نقاط على الحكومة السودانية والسودانيين عموماً لبناء الوضع الجديد في شمال السودان. هل جرى اتصال بين الحكومة السودانية وبين حزب الأمة للتداول في شأن هذه الأفكار؟ - نعم، اتصلوا وتكلموا (اتصلت الحكومة بحزب الأمة) عن فكرة الحكومة العريضة، ونحن قلنا لهم لا كلام عن حكومة ما لم يسبق ذلك البرنامج الوطني، قلت إن الكلام عن الحكومة يأتي كآلية لتنفيذ البرنامج، أما المشاركة في الحكومة من دون الاتفاق على هذا البرنامج فلا. هذا يعني ان حكومة البشير طرحت عليكم مجدداً الانضمام إلى الحكومة؟ - نعم. متى طرحت عليكم الحكومة ذلك؟ - قبل يومين. قوى المعارضة السودانية تطرح حالياً الإطاحة بالحكومة. أين حزب الأمة القومي في إطار هذا المشهد؟ - في رأيي لا توجد جهة عاقلة تريد الإطاحة بالحكومة الا اذا كانت الحكومة مصرة على العناد والانفراد. أعتقد أن الجميع ينتظرون استجابة الحكومة للأجندة الوطنية، ونحن سنقرر موقفنا في ضوء نتيجة موافقة أو رفض (حزب) المؤتمر الوطني للأجندة الوطنية. هل لديك فترة زمنية محددة أو مهلة ستحدد بعدها موقفك النهائي؟ - أنا حددت يوم السادس والعشرين من الشهر الحالي، اما أن يستجيب المؤتمر الوطني للأجندة الوطنية، وهذا يعني التفاوض من أجل الاتفاق عليها، واما أن يعلن عدم موافقته. وفي هذه الحالة أنا أمام خيارين، وهما اما اعتزال السياسة والدعوة الى مؤتمر عام لحزب الأمة كي ينتخب رئيساً جديداً للحزب، أو أن أنخرط في صفوف من ينادون بإسقاط النظام، وفي هذا الصدد كثير من القوى السياسية عندها وسائلها (لإطاحة النظام)، لكن الوسيلة التي سنعتمدها (في حزب الأمة) ستكون الجهاد المدني، بما فيه من مواكب واعتصامات وعصيان مدني لتحقيق هذه الأهداف. هل ترفض اللجوء إلى انقلابات عسكرية؟ - الانقلابات العسكرية من حيث المبدأ في رأيي مرفوضة، وتؤدي دائماً الى نتائج عكسية. الوضع الاقتصادي بدا حالياً أكثر تأزماً بعد رفع الأسعار. كيف تنظر إلى الوضع الاقتصادي في ضوء السياسات الجديدة؟ - هذه السياسات كانت منتظرة، لأن النظام، منذ استغلال البترول، أهمل الإنتاج الزراعي والصناعي والموارد المتجددة واعتمد على البترول وهذا كان من أكبر الأخطاء. فالاعتماد على البترول وإهمال الموارد الأخرى جعل الاقتصاد السوداني اقتصاداً نفطياً وبما أن الجزء الأكبر من النفط يقع في جنوب السودان، فإن البلاد تتعرض لخطر كبير. كان ينبغي أن تتوقع (هذا الخطر)، وينبغي أن تستغل أموال البترول في المشاريع الزراعية والصناعية ولتطوير الموارد السودانية حتى اذا انفصل الجنوب. ثانياً، من أهم الأخطاء التي ارتكبها هذا النظام، الانفجار غير المحدد في الإنفاق الإداري والأمني والعسكري، بصورة جعلت الصرف الحكومي منذ عام 1999، أي خلال السنوات العشر الماضية، يتضاعف حوالى عشر مرات، وهذا خطر كبير. الإدارة المترهلة المتورمة والصرف التفاخري والسياسي على المؤتمر الوطني وعلى المحاسيب وغيرهم كان خطأ كبيراً جداً. أي أن الخطأ الأول هو الاعتماد على مورد واحد، غير مضمون، اذا انفصل الجنوب، وحتى اذا لم ينفصل فإن الخطة للتعامل مع البترول خطأ. ثانياً، هناك صرف غير مبرر إدارياً وأمنياً وعسكرياً، وهو صرف لا حدود له، وثالثاً، هناك التسيب الشديد الذي فتح باب فساد مالي كبير جداً حيث ضاعت بلايين الجنيهات السودانية في هذا الفساد. في رأيي أن هذه الأسباب الثلاثة تشكل أخطاء أساسية في الإدارة الاقتصادية، وللأسف النظام (في الخرطوم) ولأنه يقوم على القمع، أراد أن يفرض على الشعب السوداني دفع ثمن هذه السياسات الخاطئة، وفي رأيي أن في كل حالة من هذه الحالات سيجد معارضة واسعة.