حينما واجه المحقق المتهم عصام عبدالتواب عبدالعليم بالتهمة الرئيسية الموجهة اليه وهي الانضمام الى جماعة أسست على خلاف احكام القانون اختزلت اجابته مسيرته منذ التحق بتنظيم "الجهاد" في نهاية الثمانينات حتى سُلم من بلغاريا الى مصر العام الماضي، اذ قال "أنا عمري ما كان عندي اسلحة أو مطبوعات أو غيره من الحاجات الخاصة بالجماعة، وعلاقتي بالتنظيم خارج مصر سببها قضية مقتل حسام البطوجي التي صدر فيها حكم غيابي ضدي بالاشغال الشاقة المؤبدة على رغم انني لم اشارك في الاعتداء عليه وخشيت ان أسلم نفسي. لذلك تنقلت بين بلدان عدة حتى استطيع مواجهة ظروف الحياة والانفاق على نفسي. ولم اشترك في أي نشاط خاص بالجماعة لانني اساسا غير مقتنع بأفكارها، وكنت انوي اذا نجحت محاولاتي في الحصول على اللجوء السياسي في انكلترا الانفصال التام عن الجماعة". كان عبدالعليم في العام 1984 طالباً في مدرسة الصنايع في مدينة بني سويف وبدأ يتردد على زوار "مسجد الشادر" الذي يسيطر عليه بعض من عناصر "الجهاد" بينهم اشخاص اتهموا سابقاً في قضية اغتيال الرئيس الراحل انور السادات. واستمرت حياته تسير بشكل طبيعي حتى بداية العام 1988 حينما أبلغه احد عناصر التنظيم ويدعى مصطفى هبه ان عدداً من العناصر انشقوا عن الجماعة وأسسوا لأنفسهم تنظيماً خاصاً بهم بقيادة المدعو حسام البطوجي. وقال عبدالعليم: "كانت أفكارهم تقوم على استحلال أموال الآخرين وسرقتها والايمان بالعنف كوسيلة للتعبير عن أفكارهم. وكان البطوجي يصف اعضاء "الجهاد" بأنهم دراويش لأنهم يطلقون لحاهم بينما افراد مجموعته كانوا حليقي اللحى تفادياً للرصد الامني. لكنه كان ملتحياً لأنه مرصود ومعروف من الامن منذ اعتقل العام 1981. وقامت الشرطة خلال النصف الاول من العام 1989 باعتقال البطوجي مرة اخرى لمدة شهرين وبعد اطلاقه اكتشف ان افراد مجموعته انفضوا عنه. فبدأ في تجميع أناس عاديين من البلطجية وسائقي السيارات حوله وكان يدفع لهم أموالاً ليضمن ولاءهم له، وهو كان يفرض اتاوات على اعضاء جماعة "الجهاد" ممن كانوا يترددون على "مسجد الشادر"، لأن جسمه كان ضخماً وعضلاته قوية ويجيد لعب الكراتيه، كما أن لسانه كان طويلاً ويعتدي على الكبار والصغار من دون تفريق. وأجمع رواد من المسجد على ضرورة تأديب البطوجي ووقفه عند حده، وتم رصده اثناء خروجه من مستشفى بني سويف بعد ان زار أحد المرضى من اقاربه ووقعت معركة أمام المستشفى بين الطرفين انتهت بمقتل البطوجي واصابة اثنين بجروح". دخل عبدالعليم مرحلة جديدة في حياته بعد ان ورد اسمه في قضية اغتيال البطوجي على رغم انه أكد "لم اشترك في ضرب البطوجي أو الاعتداء عليه لأنني بعد ان شاهدت أبطال المعركة يستخدمون قنابل المولوتوف وزجاجات البنزين والسنج والمدى والسيوف والشوم هربت من المكان". وبدأ عبدالعليم رحلة الفرار خشية القبض عليه فرحل إلى السويس وأقام في منزل عمه وعمل لمدة سنة في إحدى شركات المقاولات ثم عاد الى بني سويف متخفياً واستشار محامياً عن ما اذا كان من الافضل ان يسلم نفسه للسلطات. لكن المحامي نصحه بألا يقدم على تلك الخطوة. ولأن القضية كانت ما زالت منظورة أمام المحكمة ولم تصدر الاحكام فيها بعد، تمكن عبدالعليم من استخراج جواز سفر وحصل على تأشيرة عمل وسافر بالباخرة من ميناء نويبع. فشل عبدالعليم في الحصول على عمل وحاول السفر الى افغانستان لأنه كان يبحث - وفقاً لأقواله - عن أي مكان يختبئ فيه ففشل، إذ لم يتمكن من تدبير تأشيرة دخول الى باكستان فكان البديل السفر إلى اليمن. وعن مسيرته هناك قال: "وصلت الى اليمن في شهر كانون الثاني يناير العام 1992 وقابلت في "مسجد ابو بكر الصديق" في صنعاء اسامة وهو من مجموعة "مسجد الشادر" في بنيپسويف. وحاول ان يحصل لي على تأشيرة باكستان ففشل وعملت في ورشة لتصنيع الغسالات حتى نهاية العام. وحدثت وقتها مشكلة بيني وبين ضابط في الامن السياسي اليمني بسبب الخلاف على اجرة تصليح موتور وخشيت ان يتخذ الضابط اجراءات لترحيلي الى مصر فتركت العمل في الورشة وتزامن ذلك مع وصول اعداد كبيرة من عناصر جماعة "الجهاد" من افغانستانوباكستان بعد ان ضيقت الحكومة الباكستانية الخناق على المقيمين في مدينة بيشاور. وتعرفت على بعض من هؤلاء، وعلمت ان انشقاقات وقعت داخل جماعة "الجهاد" بعد ان وقع خلاف كبير بين الظواهري من جهة وبين عبدالحميد سلطان الذي تمكن من تجنيد اعضاء كثر لعضوية الجماعة وفشل في زيادة صلاحياته في سلم التنظيم. ووصل الخلاف الى الذروة بعد ان تمكنت السلطات المصرية من القبض على نحو ألف شخص في قضية "طلائع الفتح" واتهم سلطان الظواهري أنه السبب وراء القبض عليهم. وعرفت ان الاسم الحقيقي لسلطان هو أحمد حسين وأنه كان يعد "دينامو" الجماعة على مستوى العالم وان لديه القدرة على ان يتكلم لمدة ست ساعات من دون ان تتكرر خلالها كلمة واحدة على لسانه. وانشق عبدالحميد ومعه عدد من الاعضاء عن الجماعة لكني بقيت ضمن العناصر المحسوبة على الظواهري لانهم كانوا الاكثر عددا. وبدأت الجماعة وبتكليف من الظواهري في اعادة تنظيم نفسها وإعداد برامج ودورات للاعضاء كل بحسب اتجاهاته وميوله بعدما سئل كل شخص عن رغباته، وأنا حصلت على دورتين: الاولى عن تاريخ الحركة الاسلامية والثانية في التصوير والتحميض. وكان هناك دورات اخرى في الامن والتدريب والدوائر الكهربائية والتزوير. وتحدث عبدالعليم عن الظروف التي احاطت بمحاولة اغتيال رئيس الوزراء السابق الدكتور عاطف صدقي، وذكر انه شاهد بعض منفذي العملية في اليمن قبل توجههم الى مصر، وأضاف: "بعد العملية بدأت السلطات اليمنية في التشدد في منح الاقامة للمصريين فلجأ عدد من اعضاء الجماعة الى بعض القبائل وطلب الظواهري من الاعضاء المحكومين غيابيا في قضايا في مصر ان يتركوا اليمن. فقلت لمسؤول التنظيم في اليمن وكان اسمه حسن ولا اعرف اسمه الحقيقي إنني محكوم بالمؤبد في قضية البطوجي ولا أدري الى اين أذهب. فطلب مني ان اتوجه الى السودان. وسافرت الى هناك مستخدماً جواز سفر حصلت عليه من شخص اسمه الحركي عزت. وكان الاسم المدون في الجواز هو صبحي سلامة. وفوجئت بعد وصولي الى السودان ان كل قادة الجماعة موجودون هناك وعلى رأسهم الظواهري، ووجدت الظروف صعبة جداً في السودان. فالأسعار مرتفعة للغاية وفرص العمل تكاد تكون منعدمة. واقترح عليّ مجدي كمال ان اتجه الى الاردن فوافقت وأبلغته نيتي الاستقرار في الاردن واقامة مشروع تجاري هناك يموله هو ويقسم الربح مناصفة بيني وبينه، فوافق لكنه شدد عليّ ألا أخبر أحداً بهذا الأمر. وقال لي إنه سيلحق بي إلى الاردن للبدء في اقامة المشروع، فسافرت فعلاً الى الاردن والتقيت اثنين من عناصر التنظيم: الاول عصام شعيب والثاني اسامة صديّق. ولم اتمكن من شراء أو تأجير محل بعدما وجدت ان الاسعار مرتفعة جداً، وزاد الطين بلة حين علمت ان كمال اعتقل اثناء دخوله الاردن وتم ترحيله إلى مصر. وطلبت من قادة الجماعة مساعدتي للخروج من الاردن فأبلغوني ان حال التنظيم صعبة ولا تتوافر الأموال لتدبير تذاكر السفر للعناصر الموجودة في الاردن. فاضطررت للبقاء متخفياً وعملت في بعض الاشغال. وكانت فكرة استحلال اموال الاخرين مسيطرة على عقل اسامة صديّق فقام مع عدد من الاشخاص بالسطو على منزل ديبلوماسي ايطالي. وبعد ان علمت بالأمر نهرته واضطررت لتغيير اقامتي خشية قيام السلطات الاردنية بالقبض عليّ. ووصلت أنباء هذا الموضوع الى قادة الجماعة في السودان فاستدعى الظواهري صديّق الى هناك وتمت محاكمته وفصل من التنظيم. وقبل نهاية العام 1994 التقيت مجموعة من اعضاء الجماعة في الاردن ممن سبق وان شاهدتهم في اليمن وهم كانوا في الاردن في طريقهم الى مصر لتنفيذ العمليات ونظراً للظروف الامنية في الاردن ظلوا هناك ولم يتمكنوا من الخروج. وانتقلت للعيش معهم لمدة سبعة شهور. ثم صدرت تعليمات من قادة التنظيم في السودان الى الموجودين في الأردن بضرورة المغادرة والتوجه الى اليمن، وقبل ان ينتهي العام كنا جميعاً في اليمن بعدما ارسل قادة الجماعة اموالاً لتدبير نفقات السفر. وجدت الظروف في اليمن بالغة الصعوبة كما ان التنظيم دخل في أزمة مالية طاحنة، وطُلب من الاعضاء ان يكفلوا انفسهم وان يبحثوا عن عمل ومصادر للرزق بعد ان نفدت اموال التنظيم. وفي تلك الفترة بدأت فكرة اللجوء السياسي الى احدى الدول الاوروبية تراودني وطلبت من ثروت صلاح شحاتة مساعدتي للوصول الى أي دولة اوروبية للجوء اليها فوافق، واعترض آخرون من قادة التنظيم واستندوا الى انني أعزب ولا يجوز ان ألجأ الى دولة فيها إباحية. وأصررت بعد ان ضاقت بي السبل فعرضوا عليّ الذهاب الى البانيا موقتاً ثم التوجه من هناك الى المانيا واعطوني جوازَ سفر باسم ابراهيم العشماوي. وسافرت من اليمن الى سورية بالطائرة ومن هناك الى تركيا ولحق بيّ احمد النجار وسافرنا سوياً من تركيا الى البانيا. وهناك التقيت عدداً من عناصر التنظيم، ووعدني بعضهم بتدبير فرصة عمل لي في "جمعية إحياء التراث" التي كان مسؤولاً عنها شخص يدعى محمد حسن، وأخبروني انه عضو في التنظيم، لكن حسن اعلن انه ترك الجماعة وانه حين انضم اليها لم يكن يعلم انها ترتكب عمليات ارهابية، ورفض إلحاق أي من عناصر التنظيم بالعمل في الجمعية. واتفقت مع شخص اسمه الحركي اكرم ولا اعلم اسمه الحقيقي ان يعمل أحدنا في الجمعية على ان نقتسم الراتب سوياً. وفعلاً التحق اكرم بالعمل في الجمعية وكان يسلمني نصف راتبه. ولكن بعد شهرين قام حسن بفصل اكرم. وفي نهاية العام 1996 تزوجت سيدة البانية وساءت ظروفي بعد ان نضبت أموالي تماماً، فطلبت من اعضاء التنظيم مساعدتي للرحيل الى أي دولة أخرى تكون الظروف فيها افضل، ويمكن ان اجد بها عمل ومصدراً للرزق. وكان لدى الجماعة تأشيرات مزورة لإيرلندا ووضعوا إحداها على جواز سفر ألباني مزور واخرى على جواز سفر زوجتي وسافرت معها الى تركيا يوم 8 تشرين الاول اكتوبر العام 1997. وبعد سبعة ايام قبض عليّ هناك بعدما اكتشفوا ان تأشيرة ايرلندا مزورة وسلموني الى السفارة الالبانية في انقرة ثم رحلوني الى البانيا عن طريق بلغارياورومانيا. وحدثت مشكلة على حدود رومانيا ولم اتمكن من الدخول فعدت الى بلغاريا واقمت في العاصمة صوفيا واتصلت بعناصر التنظيم في البانيا وابلغتهم ظروفي فأرسلوا لي مبلغ 2000 دولار حتى اتمكن من مواصلة العيش أنا وزوجتي. وبعد فترة علمت بوجود مكتب للاجئين في صوفيا فتوجهت اليه مع زوجتي وقدمنا طلباً للحصول على اللجوء السياسي في بلغاريا واستخدمنا في الطلب اسمين مزورين واوضحنا اننا لا نحمل أي أوراق رسمية. لكن المحقق الموجود في المكتب طلب عقد جلسة مع زوجتي لمناقشتها في الطلب وتمكن من استدراجها وعرف منها اسماءنا الحقيقية فسلمته صوراً من جواز سفري المصري الحقيقي. وحتى يوم 10 تموز يوليو من العام الماضي ظللت احاول العودة الى البانيا أو الذهاب الى أي دولة اخرى من دون جدوى". وكالعادة كانت اخر كلمات عبدالعليم تتعلق بالحديث عن رحلة العودة الى مصر: "في أحد أيام شهر يوليو الماضي واثناء خروجي من مقر شؤون اللاجئين فوجئت بعدد من الاشخاص يخطفوني من الشارع ويضعوا كيساً من القماش على عيني. والقوا بي في سيارة ثم سلموني الى اشخاص احتجزوني في مكان لم أتبينه، إذ ظللت طوال ثلاثة ايام معصوب العينين ومكبل اليدين، ثم حملني بعض الاشخاص ووضعوني في طائرة وفهمت وقتها انني في طريقي للعودة نهائياً الى مصر".