ينظم الاستفتاء او لا ينظم، يحدد موعده النهائي او يرجأ. المشكل لا يكمن هنا فحسب، وانما في القدرة على الذهاب الى الاستفتاء من منطلق انه الحل السياسي الذي لا بديل عنه، وبالتالي القبول بنتائجه، كونها تشكل اعترافاً دولياً بالوضع الذي ستبلوره ارادة الناخبين. وكان طبيعياً في غضون ذلك ان يستغرق الجدل حول اهلية المشاركين المتحدرين من اصول صحراوية مزيداً من الوقت والجهد، لأن ذلك يسمح بالتحكم في مسار الاجراءات ذات الصلة بالاستفتاء. والارجح ان قوائم الناخبين الموزعين بين المغرب وجنوب غربي الجزائر وشمال موريتانيا ومناطق اخرى، لو تم حصرها وتصحيحها وفق المعايير التي اقرتها الاممالمتحدة، لما كانت هناك حاجة الى استفتاء ما دامت الولاءات معروفة، وما دام تصحيح احصاء السكان ينصرف مباشرة الى تصحيح الهوية التي افتقدتها المنطقة على عهد الاستعمار. لا يعني الارجاء المستمر لموعد الاستفتاء، بفعل تباين الخلافات وعدم احراز التقدم الكافي، سوى ان هناك رغبات تلتقي في ابعاد القطار عن محطة التوقف النهائي، على رغم ان الاطراف المعنية مباشرة او غير مباشرة، لا تريد ان تتحمل مسؤولية الارجاء. وتلك سياسة نهجها الفرقاء منذ اقرار التسوية في بداية السبعينات في انتظار ان يلوح موعد آخر في الافق. يقول المغاربة انهم يرفضون اي حل غير الاستفتاء، وترد جبهة بوليساريو بأنها معنية بهذه الاستشارة من دون غيرها، وتؤكد الجزائر انها تدعم خطة الاممالمتحدة، وتلتزم موريتانيا النهج نفسه. لكن المواقف جميعها لم تتبلور في التزامات مبدئية وعملية تدفع في اتجاه تسريع الاستفتاء. ما يعني ان ثمة مواقف اخرى غير معلنة هي التي تقرر في خطة تقرير المصير. وقد صاغ الامناء السابقون للامم المتحدة هذا الوضع في خلاصة مفادها ان نزاع الصحراء يبدو بسيطاً، ولا يختلف عن اي نزاع تعاطت معه الاممالمتحدة، لكن القرب منه والتعمق فيه يكشف انه اكثر تشعباً وتعقيداً. هذا ما دفع الامين العام كوفي أنان الى تأكيد هذه الحقيقة مجدداً والتهديد مرة تلو الاخرى بأن الاممالمتحدة قد تنفض يدها من الملف، في حال عدم التعاون الكامل الذي يلزم جميع الاطراف. ابعد من ذلك، اذا كان الاستفتاء يهم المغرب وجبهة بوليساريو في الدرجة الاولى، فان خلفياته وابعاده تطول منطقة الشمال الافريقي برمتها، وتشمل ترتيبات اقليمية لم يحن اوانها بعد، تتشابك ضمنها المصالح والحسابات ومتطلبات التوازن. فلا الجزائر تبدو مطمئنة الى الحل الذي يمكن ان ينتج عن الاستفتاء في حال تجاهل دورها الاساسي، في انتظار ما سيؤول اليه وضعها الداخلي، ولا موريتانيا ستكون راضية عن حل لا يراعي تداعيات الموقف على سلامة اراضيها. ولا المغرب وبوليساريو يملكان وحدهما مفاتيح الحل، ما دام ان الهدف هو اقرار اعتراف دولي ونهائي بالوضع في الصحراء، لجهة الاندماج مع المغرب او الانفصال عنه. ويشار في هذا السياق الى مواقف باقي الاطراف التي لا تريد تنظيم الاستفتاء في الوقت الراهن، اقله من اجل ضمان التحكم بأوراق الضغط المتاحة. كل المساعي التي بذلتها الاممالمتحدة، وكذا تدخل الوسيط الدولي جيمس بيكر ركزت على ثنائية الموقف بين المغرب وبوليساريو، وبدا ان الامر مريح للطرفين. حققت بوليساريو انها طرف اساسي في معادلة الحل، وكسب المغرب إبعاد الجزائر مباشرة. لكن الغائب في غضون ذلك كان هو التوازن السياسي في المنطقة، والمشكل ان نزاع الصحراء بدأ بحثاً عن توازن مفقود، ولا يمكن ان ينتهي الا بتكريس صيغة جديدة لتوازن راهن ومستقبلي تحتاجه منطقة الشمال الافريقي قبل حاجتها الى استفتاء الصحراء.