يعني التمديد لبعثة "المينورسو" في الصحراء الغربية من دون تحديد موعد ثابت للاستفتاء، ان الأممالمتحدة اختارت صيغة وسطية، لا هي تدفع في اتجاه الزام الاطراف المعنية التعاون الكامل وفق الامكانات المتاحة لذلك، ولا هي تنفض اليد نهائياً إزاء التعاطي وملف يزداد تعقيداً مع مرور الزمن. وبالتالي فالموقف لا يعدو ان يكون بمثابة رصد سلبي للتطورات. فالأممالمتحدة باقية في الصحراء، لكن الحل يتيه مع رمالها المتحركة كلما هبت رياح من هنا وهناك. ثمة مقاربات تلتقي عندها المصالح الآنية للأطراف المعنية، فالأممالمتحدة لا تستطيع الاعلان صراحة عن عجزها في ادارة الملف، لئلا تفقد صدقيتها في وقت زادت فيه اهمية دور المجتمع الدولي لفض النزاعات بالطرق السلمية، والاطراف المعنية تخشى القول مباشرة انها لا تثق في الاممالمتحدة او انها لا ترغب في التعاون معها، وليس في وسعها التهرب من الاذعان الى القرارات الدولية. من قبل كان يتردد ان الحل الذي يتبلور تحت مظلة الاممالمتحدة افضل من اي صيغة وفاقية اخرى، وكان يفهم ذلك بمثابة تفضيل التحكيم الدولي للنزاع، كي لا يحدث اي تنكر لاتفاقات يمكن ابرامها بين الاطراف المعنية، لكن الحاصل ان التحكيم الدولي لا يزال بعيداً، ويمكن ان يبعد اكثر نظراً للمواقف المتعارضة حيال تنفيذ الاجراءات ذات الصلة بالاستفتاء، وسيكون صعباً على الأممالمتحدة ان تبرر في المرات المقبلة حاجتها الى الاموال والقوات لأداء مهمه نجحت خلالها في اقرار وقف النار فقط، من دون احراز التقدم الكافي في مساعي اجراء الاستفتاء، اذ استخدمت لغة التهديد بالانسحاب ورقة ضغط، لكنها لم تتجاوزها. وبارتباط مع حال العجز الدولي بدا جلياً الآن ان استفتاء الصحراء يختلف عن غيره من الاستشارات الشعبية التي اشرف عليها المنظم الدولي، لسبب اساسي، يكمن في الاختلاف على قوائم الناخبين المؤهلين للاقتراع، فهم من الناحية الجغرافية موزعون بين الصحراء وتيندوف جنوب غربي الجزائر، وشمال موريتانيا. ودلالة الامكنة هنا مرتبطة بالمواقف. عدا ان الآليات التي اقرتها اتفاقات هيوستن وقرارات مجلس الأمن تركت الباب مفتوحاً امام الطعون التي تزيد بمقدار تراكم الخلافات، وما يزيد في خصوصيات استفتاء الصحراء هو تداخل الوضع الاقليمي في منطقة الشمال الافريقي، ما يجعل الذهاب الى الاستفتاء صعباً دون الاطمئنان الى نتيجته. وما فعلته الاممالمتحدة في هذا النطاق هو انها اقرت قوائم موقتة للناخبين المحتملين على مقاس المواقف السياسية، لكن قريبين الى الوسيط الدولي جيمس بيكر مهندس التصور الراهن، بدأوا الآن يشكون في امكان تنظيم استفتاء الصحراء وفق المقاربة الميدانية، ويجند المتفائلون منهم صيغة بديلة يرهنون تنفيذها باقتناع الاطراف المعنية كافة. مشكل الأممالمتحدة في تعاطيها ونزاع الصحراء انها غلبت مقولة الطرفين المعنيين مباشرة، اي المغرب وجبهة بوليساريو، على واقع التداخلات الاقليمية. فقد تحقق لبوليساريو انها الطرف الأساسي في مواجهة المغرب، ورأت الرباط في قبول الصيغة انها تحقق لها ابعاد باقي الاطراف، بيد ان واقع الحال يختلف عن ذلك تماماً، ومن دون حدوث وفاق بين المغرب والجزائر يصعب اختراق الأزمة. والجديد الآن ان موريتانيا باعتبارها طرفاً غير مباشر دخلت على الخط، من باب انها تؤوي المزيد من الصحراويين، وفي رمزية المواقف ان البشير مصطفى السيد الرجل الثاني في بوليساريو استقر الآن في موريتانيا، ولنتذكر ان شقيقه الوالي مصطفى مؤسس بوليساريو وزعيمها السابق قتل في التراب الموريتاني قبل حوالي عشرين عاماً، وكان ذاهباً وقتذاك لاستلام الحكم في اراضي الصحراء التي انسحبت منها موريتانيا، وليس اختيار البشير من باب تداعيات الخواطر، ولكن نواكشوط اصبح في وسعها، ولو الى فترة وجيزة ان تحرك ما تملكه من اوراق في المنطقة، على خلفية فك عزلتها الناشئة عن التطبيع مع اسرائيل.