رفض عبدالحليم حافظ سينما الوجاهة وتحدى بأسلوب ادائه المخرجين عندما أرادوا أن يصنعوا منه امتداداً لمحمد عبدالوهاب. ففي فيلم "دليلة" كان للمخرج محمد كريم رؤية خاصة وأسلوب يتعامل به في جميع افلامه، خصوصا الافلام التي اخرجها لعبدالوهاب وحققت نجاحاً غير مسبوق، وإيرادات لم تشهدها السينما عندما كانت تخطو خطواتها الأولى، لكن عبدالحليم رفض هذا النمط التقليدي الذي يقف فيه نجم السينما ويده في جيب البنطلون وينطق الكلمات بآلية ويضحك بالمقاس. وعلى رغم ان فيلم "دليلة" كان اول فيلم في السينما المصرية يتم تصويره بالألوان إلا انه كان اقل افلام عبدالحليم نجاحاً. في حين ان اول افلامه وهو "لحن الوفاء" حقق إيرادات عالية بالنسبة الى وجه فني جديد. ومن المواقف التي تدل على ذكاء عبدالحليم وحرصه على ألا يخطو خطوة من دون ان يتأكد من نجاحها، انه عندما طلب منه المخرج ابراهيم عمارة ان يلعب بطولة فيلم "لحن الوفاء" تحسب لهذه الخطوة الخطيرة واشترط شرطاً على عمارة قبل ان يبدأ التصوير. وهو ان يجري له اختباراً امام الكاميرا أولا، وبالفعل دخل حليم صالة العرض وحده ليقرر إن كان سيعمل في السينما أم يبتعد عنها نهائياً. وعندما خرج كان مبتسماً وقال "على بركة الله". وصور عبدالحليم فيلم "لحن الوفاء" امام الفنانة شادية التي كانت نجمة النجوم في ذلك الوقت. وغنى ستة اغانٍ كانت الاساس الذي وضعه لبنائه الفني الضخم، وهي: لا تلومني، واحتار خيالي، وعلى قد الشوق، وأحن اليك، وتعالي اقول لك، ولحن الوفاء مع شادية، وعرض الفيلم للمرة الاولى في سينما "الكورسال" في آذار مارس 1955. ذكريات العمروسي كان دخول عبدالحليم حافظ الرسمي الى عالم الفن من اوسع الابواب في القاهرة عام 1953 وبالتحديد في 18 حزيران يونيو يوم ميلاد وإعلان الجمهورية، حيث اقام جلال معوض الاذاعي الشهير احتفال "أضواء المدينة". ويتذكر مجدي العمروسي الذي مهد لدخوله عالم السينما فيقول "تم تقديم عبدالحليم في اهم مناسبة وطنية وأهم برنامج وقدمه الى الناس فنان الشعب يوسف وهبي الذي قال "اليوم أزف أليكم بشرى ميلاد الجمهورية وأقدم لكم الفنان عبدالحليم حافظ". بعدها بدأ نجم حليم يسطع بقوة، فتعاقد معه عبدالوهاب على بطولة "فيلمين" واشترط عليه في العقد ألا يعمل في السينما قبل ان ينتهي من الفيلمين، لكن عبدالوهاب لم يتخذ أي خطوة تنفيذية لمدة عامين. اثناء ذلك عرض المخرج ابراهيم عمارة على عبدالحليم بطولة فيلم "لحن الوفاء"، ثم عرض عليه حلمي حليم المشاركة في بطولة فيلم "ايامنا الحلوة" مع عمر الشريف وفاتن حمامة واحمد رمزي ووقع حليم في حيرة بين تعهده لعبدالوهاب الذي لم ينفذ وبين العقدين المعروضين عليه واستشارني فنصحته بأن يقبل فإذا نجح الفيلمان يستفيد عبدالوهاب وينفذ، وإذا فشل يلغي المشروع من اصله، وبالتالي يكون هو "الكسبان" في الحالتين. وبالفعل اخذ عبدالحليم بالنصيحة وقام ببطولة "لحن الوفاء" و"أيامنا الحلوة" اللذين عرضا في وقت واحد، وحضر عبدالحليم العرض الاول واكتشف مدى اعجاب الناس به وبذلك خطا اولى خطواته في السينما بنجاح. بعد نجاح فيلمي "لحن الوفاء" و"أيامنا الحلوة" بدأت العروض تنهال على عبدالحليم، وبدأت الشركات تحاول احتكاره وبالفعل وقع على عقد احتكار مع شركة "الشرق لتوزيع الافلام" وكانت من كبرى الشركات في ذلك الوقت. وقدم اهم افلامه، كان اولها "ايام وليالي" بطولة ايمان واحمد رمزي وإخراج بركات الذي عرض في سينما ميامي عام 1955. ثم فيلم "موعد غرام" مع سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة وعماد حمدي ورشدي اباظة وأخرجة بركات ايضا عام 1956، ثم فيلم "دليلة" الذي كان ثاني لقاء له مع شادية عام 1956، ثم "بنات اليوم" مع ماجدة عام 1957 وأخرج له صلاح ابو سيف فيلم "الوسادة الخالية" مع زهرة العلا ولبنى عبدالعزيز وتم عرضه في تشرين الاول اكتوبر 1957 في سينما "ريتس" استوديو مصر سابقا. و"فتى احلامي" الذي اخرجه حلمي رفله وعرض في كانون الاول ديسمبر عام 1957، وفيلم "شارع الحب" الذي التقى فيه مع صباح وأخرجه عزالدين ذو الفقار وتم عرضه عام 1958، و"حكاية حب" مع مريم فخرالدين وأخرجه حلمي حليم وتم عرضه في سينما ريتس عام 1959. وبذلك احتكر عبدالحليم حافظ دور السينما واصبحت افلامه تنافس بعضها، وملأت اغاني هذه الافلام الاسماع وغيرت مجرى الاغنيتين المصرية والعربية، واصبحت على كل لسان مثل "انا لك على طول، عشانك ياقمر، شغلوني وكان فيه زمان قلبين، وحبيب حياتي، وأهواك، وياقلبي ياخالي، وظلموه، واسمر يا اسمراني، واول مرة تحب ياقلبي، وتوبه، وتخونوه، وفي يوم من الايام، وبكره وبعده، وبيع قلبك، وخسارة، ونعم ياحبيبي نعم، وبتلومني ليه، وباحلم بيك، وحبك نار، وفي يوم في شهر في سنة". الشهرة والمرض وفي قمة نجاح عبدالحليم حافظ وصعود نجمه وكثرة العروض المنهالة عليه للتمثيل في السينما تعرض للمرض في المعدة، وبدأ مشواره الحزين الطويل مع المرض. مما جعله لا يقوى على العمل في السينما، فلم يقدم بعد ذلك سوى عدد محدود من الافلام وهي "البنات والصيف" عام 1960، و"يوم من عمري" عام 1961، ثم "الخطايا" مع نادية لطفي عام 1962، ثم "معبودة الجماهير" عام 1967، واخيرا قام ببطولة فيلم "ابي فوق الشجرة" من اخراج حسين كمال، وغنى "الهوى هوايا، ويا خلي القلب، وجانا الهوى، واحضان الحبايب"، وتم عرضه لمدة اثنين وخمسين اسبوعاً في سينما ديانا، وبذلك يكون عبدالحليم حافظ مثل ستة عشر فيلماً ما بين عام 1955 و1969، كانت كلها ناجحة وذات ايرادات ضخمة أثرت السينما إثراءً كبيراً. المسلسل اليتيم ولم يقدم عبدالحليم حافظ اعمالاً درامية للتلفزيون لكنه قدم للاذاعة مسلسلاً هو "ارجوك لا تفهمني بسرعة"، فقد كان الصراع بين الاذاعيين محمد علوان ووجدي الحكيم على اشده للحصول على مذكرات ام كلثوم وعبدالحليم حافظ، وفي النهاية اتفقا على اقتسام الغنيمة، وبالفعل حصل وجدي الحكيم على مذكرات ام كلثوم، في حين فشل علوان في الحصول على مذكرات حليم بصوته. وكان ذلك خسارة فادحة لكنه اقنع عبدالحليم بأن يقدم مسلسلاً لإذاعة الشرق الاوسط، وبالفعل قدم عقد المسلسل لكنه اشترط ان يكتبه محمود عوض، وبالفعل استضافه في بيته في العجمي، وقال له إنه لن يتركها قبل ان ينتهي من كتابة حلقات المسلسل. وبالفعل تم الافراج عن محمود عوض بعد ان كتب الحلقات التي مثلها عبدالحليم امام عادل إمام ونجلاء فتحي اللذين كانا في بداية مشوارهما الفني.