شغل الإسرائيليون ليوم واحد أمس عن كل أمر آخر بإدانة ارييه درعي، رئيس حزب شاس، بالسرقة والتزوير والاحتيال وعرقلة العدالة عندما كان مسؤولاً كبيراً في وزارة الداخلية ثم وزيراً في أواخر الثمانينات. ومع ان قراءة الحكم استغرقت ساعتين، فإن الإدانة أعلنت من البداية، منعاً لزيادة التوتر بين أنصار درعي الذين تظاهر آلاف منهم على مقربة من مقر المحكمة تأييداً لزعيمهم. درعي مذنب قطعاً، وقد ثبت أنه قبل رشوة بمبلغ 167 ألف دولار من حلفاء له بين 1985 و1990، كما أنه قبل القيام برحلات مدفوعة بالكامل إلى لندن ونيويورك، واشترى بيتين في القدس بأموال لم يعرف مصدرها. وكان يفترض أن تبدأ محاكمة درعي سنة 1990، إلا أنها تأخرت حتى سنة 1993 بعد أن لعب لعبة القط والفار، على حد قول القاضي، مع البوليس، وعرقل التحقيق بإرسال شهود لتضليل المحققين، ثم رفض تقديم أي معلومات. يفترض عندما يدان سياسي بشكل واضح أن تنتهي حياته السياسية، إلا أن هذا لن يحدث بالضرورة في إسرائيل، ومع درعي بشكل خاص، على الرغم من أن الإدانة له شخصياً، فهي لو اقتصرت مثلاً على إدانته بمخالفات وتجاوزات لخدمة أنصاره لخرج بطلاً في أي بلد، إلاّ أنه دين شخصياً، ومع ذلك يجمع المراقبون أن حزبه شاس سيستفيد من قرار المحكمة. أنصار شاس لا ينظرون إلى القرار كحكم قضائي مجرد، بل يعتبرونه جزءاً من اضطهاد اليهود الاشكناز، أي الأوروبيين، لليهود السفارديم، أي الشرقيين. ودرعي لعب ورقة الخلفية العرقية بنجاح من البداية، فهو أسس حزبه لينهي 50 سنة من اضطهاد اليهود الشرقيين، كما أعلن دائماً. وتبعه كثيرون إلى درجة أن حزبه الذي يحتل الآن عشرة مقاعد في الكنيست، هو ثالث الأحزاب حجماً بعد العمل وليكود، وله وزيران في الحكومة، أحدهما وزير الداخلية ايلي سويسا. أنصار درعي لا يهمهم أن التحقيق استغرق تسع سنوات، وأنه شمل 147 شاهداً وان وثائق القضية تجاوزت 41 ألف ورقة، فهم قرروا من البداية أن زعيمهم بريء، وان الموضوع كله مؤامرة من الاشكناز ضد يهودي شرقي ولد في المغرب، ويحاول أن ينتزع حقوق اليهود الشرقيين من مؤسسة حاكمة يسيطر عليها اليهود الأوروبيون. والمظاهرات التي تبعت إدانة درعي تذكرنا بحديث متكرر عن ان السلام مع العرب سيؤدي إلى حرب أهلية بين اليهود الشرقيين والغربيين والروس وغيرهم. وحديث الحرب الأهلية مبالغ فيه جداً، إلا أن أساسه صحيح، فهناك انقسام واضح في المجتمع الإسرائيلي، والمهاجرون لم يندمجوا في كيان واحد، وإنما حافظ كل فريق على خصوصياته وتقاليده، وغلّب الشك في الآخرين على روح التعاون التي افترض الصهيونيون الأوائل وجودها. ما يهم المراقب العربي من الموضوع كله هو كيف سيؤثر الحكم على درعي في سير الحملة الانتخابية الإسرائيلية. والجواب ان التأثير سيكون محدوداً، مع بعض الفائدة لشاس من أصوات اليهود الشرقيين المتعاطفين مع زعيمها "المضطهد". غير أن الحكم الذي لن يفقد اليمين أصواتاً في الانتخابات يظل ضربة معنوية قاسية، فرئيس الوزراء بنيامين نتانياهو لا يتمتع بصدقية كبيرة داخل المجتمع الإسرائيلي، وهناك قناعة عامة خارج قاعدته الانتخابية الثابتة، بأنه عنصر سلبي في علاقات إسرائيل بالدول الأخرى، بما فيها الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي. ويزيد من حجم الضربة أنها جاءت مباشرة بعد صدور قرار المحقق الرسمي في ما عرف باسم قضية تزيليم أو تسيتلم - ب، عن أداء ايهود باراك، رئيس الأركان في حينه، عندما قتل جنود إسرائيليون خلال عملية تدريب، قيل إنها لاغتيال صدام حسين، بصاروخ اطلق عليهم خطأ. واثبت التحقيق ان باراك، زعيم العمل الآن، لم يفرّ من مكان الحادث، والنتيجة أن تساهي هانغبي، وزير العدل، الذي اتهم باراك في الكنيست بالفرار، لاذ هو بالفرار بعد صدور قرار المحقق. القاعدة اليمينية لنتانياهو لم تتأثر بقضية باراك، لأن اخلاقها من اخلاق رئيس الوزراء. والناخبون من اليهود الارثوذكس التفوا حول زعيمهم بعد إدانته. غير ان حملة الانتخابات ليست معنية بهؤلاء، فمواقفهم لن تتغير، وإنما بالناخبين الإسرائيليين المتأرجحين في الوسط، وهؤلاء لا بد أن يكونوا وجدوا في التطورات السياسية الإسرائيلية في الأيام الأخيرة أسباباً إضافية، للبعد عن ليكود والأحزاب الدينية.