سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
مارسيل خليفة ، صبري مدلل ، محمد ملص وعبدالرحمن الباشا ... يحيون ليالي "معرض أبو ظبي"."المجمع الثقافي" يطلق الكتاب الإلكتروني وترجمات جديدة لأوفيد والإلياذة وشكسبير
لم يعد يخلو أي معرض للكتاب في العواصم العربية من برنامج يرافق أيامه ويضفي عليه طابعاً ثقافياً ويخفّف من صفته الرئيسة كسوق للكتب يصنعها الناشرون والقراء وسواهم. وباتت المعارض العربية أقرب الى المواسم الثقافية الحافلة باللقاءات والندوات والنشاطات المختلفة من غير أن تسقط عنها في الحين عينه مواصفات السوق الموسمية وشبه المتنقّلة. إنها مواسم عربية بامتياز. فالناشرون العرب هم أنفسهم الذين يحضرون هنا وهناك بأجنحتهم ورفوفهم وكتبهم. وحضورهم قد يطغى في بعض العواصم على الحضور المحلي ولكن من غير أن يلغيه طبعاً. والسمة العربية هذه هي من السمات البارزة التي تتميز بها معارض العواصم. والقراء العرب ينتظرون مثل هذه المواسم ليطّلعوا على الإصدارات الجديدة التي لا تصلهم إلا عبر المعارض. ولعلّ البرامج الثقافية التي ترافق المعارض عادة هي بدورها فسحات للتلاقي والحوار إذ أنّها تتخطى محلّيتها أيضاً أو إقليميّتها منفتحة على الأفق الثقافي العربي. هكذا لا يختلف معرض أبو ظبي للكتاب عن معظم المعارض العربية وإن لم يكن في حجم بعضها أو عراقة بعضها الآخر. وقد لا يختلف أيضاً عن معرض الشارقة للكتاب الذي يسبقه عادة في أشهر قليلة إلا بما يقدّم من نشاطات على الهامش على الرغم من الخصائص التي يتميّز بها معرض الشارقة وأولها كونه سوقاً حقيقية للقراء وليس للمؤسسات فحسب. إضافة أيضاً إلى حداثته التكنولوجية ورحابته وشموليته. أما معرض أبو ظبي فأبرز ما يميّزه هو انتماؤه الى "المجمّع الثقافي" وترسيخه جزءاً من "السياسة" الثقافية التي ينتهجها. وقد أضحى "المجمّع" أشبه بوزارة للثقافة ليس عبر ما يحيي من نشاطات فقط وإنّما أيضاً عبر نهجه الثقافي المميّز الذي يهدف الى استقطاب القدرات العربية لإحياء حركة ثقافية طليعية وأصيلة. وليس معرض الكتاب إلا وحداً من النشاطات الثقافية التي يصخب بها المجمّع طول العام. وقد حقّق المجمّع إنجازاً مهماً قبل فترة عبر مبادرته في تزويد مكتبات فلسطين بما يُفترض لا بما توافر من كتب وفي دعمه إيّاها مادياً. أما صفة المجمّع كدار للنشر فهي تجلّت هذه السنة ومن خلال الدورة التاسعة لمعرض الكتاب خير تجلّيها ولا سيّما عبر ترسيخ "الكتاب المسموع" و"الكتاب الإلكتروني" والنشر عبر "الأنترنت". واللافت هو أن يركّز "المجمّع" الثقافي على حركة النشر مساهمة منه في مواجهة ما يسمى "موت القراءة" و"أزمة الكتاب" في العالم العربي. وقد أبدى أمين عام المجمّع الشاعر محمد أحمد السويدي في أحد لقاءاته الصحافية تخوّفه من انحسار الكتاب عربياً. ووصف حالة الكتاب العربي الراهنة بالكارثة التي يستحيل تبريرها في عالم عربي يبلغ عدد مواطنيه 280 مليوناً. وانطلاقاً من هذا الخطر الذي يتهدّد الكتاب والقراءة أولى السويدي حركة النشر اعتناء خاصاً وشرع في إطلاق مشروع "الكتاب المسموع" وهو عبارة عن شريط كاسيت سجّل عليه إما كتاب كامل وإما مختارات من كتاب أو نصوص وقصائد. وبلغ عدد الكتب المسموعة قرابة الستين وسوف يصل الى المئتين. والبارز في المشروع هو تنوّع الكتب المسجّلة بأصوات بعض المذيعين والمذيعات واختلاف حقولها وميادينها. وهي تشمل الأدب والتاريخ والتراث والشعر الشعبي والموسيقى وبعض الترجمات. ومن الكتب التي صدرت: "يوميات نائب في الأرياف" توفيق الحكيم، "النبي" جبران، "الإمتاع والمؤانسة" أبو حيان التوحيدي، "قصص" تشيخوف، "أشعار وأغان" طاغور، "رسائل إخوان الصفا"، "رسائل ابن عربي"، "من شعر المتنبي"، "المعذبون في الأرض" طه حسين، "رحيل العاشق الدمشقي" نزار قباني. ويسعى "الكتاب المسموع" الى منافسة الثقافة البصرية - السمعية التي تكاد تطغى على حضارة العصر عبر انتشار الوسائل الإعلامية والأنترنت. ويهدف أيضاً الى اختراق حياة الأفراد اليومية وإلى الوصول إليهم حيثما هم عاجزون عن القراءة سواء في بيوتهم أو في السيارات أو في أماكن الاستراحة أو العمل. ومن غايات الكتاب هذا أن يصل الى شريحة أخرى من الأفراد الذين لم تعد القراءة تغريهم فينصرفون الى الاستماع الذي لا يتطلّب الجهد الكبير. ويخدم الكتاب المسموع أكثر ما يخدم العجزة والعميان وسواهم ممّن تخونهم القراءة. وفي موازاة "الكتاب المسموع" باشر "المجمّع الثقافي" إصدار الكتاب الإلكتروني وأبرز ما صدر هو "الموسوعة الشعرية" وحملت عنواناً آخر هو "الشعر ديوان العرب". وهي عبارة عن اسطوانة مدمّجة تضمّ قصائد لأكثر من ثمانين شاعراً عربياً من العصر الجاهلي والأموي والعباسي. والطريف أنّ كلّ الأبيات مقطّعة عروضياً ومصنّفة بحسب البحور. وقد شرحت معاني بعضها ومعظم المفردات الحوشية أو الصعبة والملتبسة انطلاقاً من معجم لسان العرب. ويكفي القارئ أن يحدّد المفردة حتى يفتح أمامه المعجم وبسهولة تامة. ويمكن القارئ أن يحصي المفردات والمعاني في القصائد وكذلك البحور الشعرية والقوافي والمطالع. وضمّت الأسطوانة بعض التسجيلات الصوتية لعدد من القصائد المعروفة لشعراء كالمتنبي والأخطل وأبي فراس وسواهم. والموسوعة هي الأولى من نوعها في العالم العربي وتضمّ قرابة مئة وثمانين ألف بيت من الشعر تؤلّف ما يشبه "جمهرة" أشعار العرب. وهي متوافرة في الحين عينه على شبكة الأنترنت في كلّ تفاصيلها. وأصدر المجمّع أيضاً المجموعة الشعرية الكاملة للشاعر محمد أحمد السويدي في أسطوانة مدمّجة أيضاً ضمّت دواوينه الخمسة: "أساور في ذراع القمر"، "أحلام وردية"، "موانئ السحر"، "دقاقة الطار"، "رفيق الليل". وترافق القصائد المطبوعة إلكترونياً موسيقى خفيفة وهادئة واعتمدت بعض اللوحات والرسوم كخلفية بصرية لها. وضمّت الأسطوانة بعض القصائد الملقاة بصوت الشاعر وأخرى مغنّاة وملحّنة وكانت صدرت سابقاً في أشرطة. فالشاعر السويدي يعتمد اللغة الشعبية أداة للتعبير وقد استساغ بعض الملحنين والمطربين قصائده فتبنّوها ومنهم مارسيل خليفة وهبة قواص وسواهما. ومَن يقرأ قصائد السويدي على الشاشة مرفقة ببعض المقطوعات الموسيقية يشعر أنه حيال عالم من النغم ويغيب عنه الخوف الذي يعتريه من خطر الآلة والشاشة الإلكترونية والكومبيوتر. لكنّ القارئ مضطر حتماً أن يستخدم الأزرار والمبادئ التقنية ليفتح صفحات الشعر التي تفيض بالعفوية والإنطباعية وهما تميّزان عادة الشعر العامي. وفي السياق الإلكتروني نفسه صدرت سلسلة أخرى تحت عنوان "الورّاق" وفيها مجموعة من أمهات الكتب العربية القديمة والحديثة والكتب المترجمة من لغات شتى: "ألف ليلة وليلة"، "الأغاني"، "طوق الحمامة"، "الإمتاع والمؤانسة"، "قصة الحضارة"، "الفتوحات المكّية"... إلا أن الكتاب المطبوع لم يغب أمام "هجمة" الكتاب المسموع والكتاب الإلكتروني. وواصل المجمّع إصدار سلسلة من الكتب المختلفة حقولاً وقضايا ولأسماء خليجية وعربية وأجنبية. وبلغ عدد الكتب الصادرة حديثاً زهاء مئتي كتاب لم تخضع جميعها على ما بدا لرؤية أو سياسة واضحة في النشر. كتب في كلّ الحقول والميادين: من العلم الى الأدب فالأنتربولوجيا فالتراث وعلم الإجتماع والطب. وأولى المجمّع المخطوطات اهتماماً فأسند الى بعض المحققين مهمّة العمل على مخطوطات أندلسية لم تُحقّق سابقاً. وأصدر كذلك سلسلة "أدب الرحلات" وفيها عيون الكتب التي وضعها الرحالة عن منطقة الخليج. ترجمات أما اللافت في حركة النشر التي يعتمدها المجمّع فهي إعادة ترجمة بعض الروائع العالمية. وقد أوكل الى الشاعر أدونيس تعريب كتاب "التحولات" للشاعر اللاتيني أوفيد وكان عرّبه سابقاً ثروت عكاشة وصدر في طبعات عدّة. لكنّ الشاعر أدونيس كما أوضح المجمّع سوف يعرّبه شعرياً مختلقاً صيغة غنائية تفي الكتاب والشاعر حقّهما. و"عبقرية أوفيد التي جعلت من كتاب "التحولات" مرجعاً رئيساً للفن الأوروبي وللآداب منذ العصور الوسطى، تجعل من التصدي لترجمته شعراً مغامرة تستحق أن تخاض". والشاعر أدونيس سيترجم الكتاب حتماً عن ترجماته الفرنسية العديدة وربّما الإنكليزية أيضاً وليس عن اللاتينية لغته الأم. أما البادرة الثانية اللافتة أيضاً فهي تعريب "الألياذة" وقد أوكلت المهمّة الى الشاعر ممدوح عدوان. وهو سينقله عن الإنكليزية وليس عن اليونانية. ويوضح الشاعر السوري أبعاد مهمته الشائكة قائلاً: "يحق لأي قارئ أن يتساءل عن مبرر تقديم ترجمة أخرى لإلياذة هوميروس، إذ يبدو في ظاهر الأمر أن هذا العمل قد تمت ترجمته أكثر من مرة. ولكن المراجعة المتأنية لتلك الترجمات تؤكد أن هذا العمل الإنساني العظيم لم يترجم بعد الى العربية. ويملك القارئ الحق في طرح سؤال غير محايد حيث يرى نسخة للإلياذة في لغة غير عربية تقع في ألف صفحة، ثم يرى النسخة العربية في ثلاث مئة صفحة. وليس ما جرى للإلياذة وقفاً عليها وحدها، فالكثير من روائع الأدب الإنساني تم تقديمها للقارئ بغير صورتها الحقيقية، كما أن الأمر ليس وقفاً على الترجمة العربية، فقد استطعت الحصول على ترجمات للإلياذة الى الإنكليزية تثير الدهشة والإستغراب، بل والاستنكار أيضاً. بعض هذه الترجمات كان عرضاً للقصة، وبعضها تلخيص لها. وترجمات أخرى إعادة صياغة باللغة الأخرى وبشروط اللغة الجديدة. وقام بعضهم بنظمها شعراً، فأخضع العمل الكلاسيكي اليوناني الى شروط الشعر الإنكليزي أو العربي أو غيرهما من اللغات. وفي هذه المحاولة لترجمة الإلياذة سنعمد الى نوع من الترجمة المقارنة. إذ نجمع كل الترجمات التي نستطيع الحصول عليها لمحاولة ضبط المعنى من خلال المقارنة بين اجتهادات المترجمين كلهم. ونتوقع أننا بذلك سنقترب من الجو الحقيقي للإلياذة بأكثر مما استطاعت الترجمات السابقة". وسوف يصدر المجمّع أيضاً أعمال شكسبير كاملة في ترجمات جديدة. وإن أولى "المجمّع" جلّ اهتمامه للكتاب وهمومه وهي الهموم نفسها التي لا يكف الناشرون العرب عن الكلام عنها، فهو لم يهمل الحقول الفنية والثقافية الأخرى كالموسيقى والغناء والسينما. وضمّ البرنامج المرافق لمعرض الكتاب أمسيتين موسيقيتين وغنائيتين للفنان مارسيل خليفة وأمسية للفنان عبدالرحمن الباشا وأخرى لفرقة التراث بعرض لفيلم أنجزه المخرج محمد ملص عن المؤدّي والملحّن صبري مدلّل. ولم يخلُ البرنامج من لقاءات شعرية عجزت عن استقطاب الجمهور الذي غصّ به مسرح المجمّع. بل إن الأمسيات الشعرية غدت ضئيلة نظراً الى الأمسيات الأخرى. وفي حين التقى المفكّر المصري جابر عصفور جمعاً كبيراً من المثقفين والكتّاب في محاضرة شفهية تأجلت محاضرة المفكر السوري صادق جلال العظم تبعاً للحداد الذي أعلنه "المجمّع" عقب وفاة أمير البحرين. واضطر العظم أن يسافر من غير أن يلقي محاضرته وعنوانها "العولمة" وهي المرّة الأولى التي يُستشاف فيها خليجياً كمحاضر. ولئن شهد معرض الكتاب والأمسيات التي رافقته إقبالاً من جمهور مختلف الأعمار والهموم فإن "المقهى" الشعبي في باحة المجمّع استقطب الشعراء والكتّاب والصحافيين ليلة تلو أخرى. وبدا الشعراء هم الحاضرين أكثر من القصاصين والكتّاب. واستحال المقهى فسحة للقاءات شعرية عابرة ولحوارات هادئة في هواء ربيعي طلق. وفي المقهى تبادل الشعراء والكتّاب مؤلفاتهم وجلسوا جلسات جميلة الى فنجان قهوة أو شاي. وكان من الطبيعي أن يحتلّ الشعراء الواجهة فهم أضحوا الآن فرسان الساحة في الإمارات بعدما انحسرت قليلاً الحركة القصصية. وكانت الإمارات عرفت سابقاً بجيل من القصاصين الجدد استطاعوا أن يؤسسوا حركة مهمّة وأن يرسّخوا هذا الفن الأدبي من خلال همّ شبه جماعي. لكنّهم ما لبثوا أن تفرّقوا ليواصلوا فرادى كتابة القصص القصيرة. العود والأوركسترا أحيا مارسيل خليفة حفلتين موسيقيتين غنائيتين رافقته فيهما أوركسترا بولونيا بيلانكور السمفونية الفرنسية في قيادة ألفرد هرزوغ وأطلّ هو بعوده يعزف ويغنّي متحاوراً عبر أوتاره الشرقية مع الآلات الغربية المتنوّعة. وخصّص خليفة الفصل الأول من الحفلة للأوركسترا الفرنسية فعزفت مقطوعات من جورج بيزيه كارمن ورخمانينوف وفي هذه المقطوعات أطل رامي مارسيل خليفة كعازف منفرد على البيانو وبدا مرهفاً في عزفه ومرناً كل المرونة ولم يعتمد فقط البعد التقني الذي اكتسبه أكاديمياً وإنّما اعتمد إحساسه بالمقطوعة التي يشارك في عزفها. إلا أن الجمهور الذي جاء يشاهد مارسيل خليفة ويستمع إليه وليس الى الأوركسترا بدا متلهّفاً الى المطرب اللبناني الذي حفظ أغانيه وألحانه وردّدها طويلاً. ولم يخيّب مارسيل خليفة جمهوره فغنّى له من جديده وقديمه على السواء وقدّم طبعاً مقطوعتين موسيقيتين ساحرتين هما "متتالية أندلسية" و"صباح الليل". وعن تعاونه مع الأوركسترا يقول خليفة: "لم يكن الهدف من تعاوني مع الأوركسترا استعراضياً بل سعيت عبرها الى إظهار روح موسيقانا التي هي جزء من موسيقى العالم ولا سيّما عبر الإيقاعات المختلفة التي وظّفت لتتلاءم كلّياً مع روح إيقاعاتنا. أما العود فهو لم يكن آلة دخيلة على الأوركسترا بل بدا مثل الكمان والبيانو وسواهما أي آلة متكافئة وكاملة. واستطاع العود أن يفرض نفسه ويرسّخ حضوره ولم تستطع الأوركسترا أن تلغيه وأن تحدّ من أثره". وعن الإختلاف بين الموسيقى الكلاسيكية الصرفة في الفصل الأول والجو الموسيقي الشرقي في الفصل الثاني يقول: "لا أعتقد أن ثمة تناقضاً بين الفصلين. إنني لم أجد أي تنافر بين الجوين. فالجمهور المتنوع قد يتوحد في هذه الموسيقى إن من جهة اكتشافه العزف الذي يجري أو من جهة معرفته الموسيقية. والعازف المنفرد تقع عليه مسؤولية نقل الرسالة الى الجمهور. وهذا ما حصل فعلاً". وعن معزوفته "المتتالية الأندلسية" التي دمج فيها مقامات شرقية مختلفة بغية صوغ مقطوعة موسيقية تتداخل أصداؤها وتتصاعد في نسيج شرقي مميّز يقول خليفة: "في تراثنا هناك ما يسمى الوصلة وهي عبارة عن مقطوعات موسيقية تتخلّلها قوالب غنائية. ووصلتي هذه امتدت قرابة ثلاثين دقيقة واعتمدت فيها مقامات عدّة راحت تتناوب وتتواصل وكنت أخرج من مقام لأدخل مقاماً آخر. والمقطوعة هذه جزء من متتالية طويلة تمتد ساعة كاملة. أما الصفة الأندلسية فهي ترجع الى المزج بين العود والغيتار، أي بين التراث المشرقي والتراث الغجري". يقول خليفة عن مقطوعته "صباح الليل" التي تعج بإيقاعات الأفراح الشرقية وقد أدّتها الأوركسترا ببراعة وشفافية من دون أن يرافقها العود: "في المقطوعة الأولى كان حضوري على المسرح ضرورياً كي أعيد اللحمة بين الأوركسترا الفرنسية والجمهور العربي. لكنني أحببت أن أنهي الأمسية وأنا خارج المسرح كعازف وفي مقطوعة من تأليفي. وجعلت الأوركسترا تعزف وحدها هذه المقطوعة التي تستوحي أعراس الشرق وأفراحه. وقد ركّزت على آلات النفخ والآلات الإيقاعية طوال مقاطع لأرسّخ هذا الطابع الشرقي الفريد". ولم ينتظر مارسيل خليفة أن يطالبه الجمهور كالعادة ببعض الأغنيات القديمة الرائجة فأدّى أغنية "أمي" و"ريتا" ومطالع أخرى من أغنيات شعبية ولقيت جميعها حماسة كبيرة لدى الجمهور. وكان أدّى كذلك أغنيتين جديدتين هما قصيدتان للشاعر محمد أحمد السويدي: "ما تزال القلوب" و"علّليني". وقد منحهما خليفة إطاراً موسيقياً فسيحاً معبّراً عن المسحة الوجدانية التي تتميّزان بها. صبري مدلّل ومحمد ملص الأمسية التي أحيتها فرقة "التراث الموسيقية" في قيادة المنشد الحلبي صبري مدلّل كانت بدورها جميلة وأليفة. وقد حلّق مدلّل بصوته الذي لم توهنه السنوات الثمانون وأنشد وأدّى ألواناً من الغناء الغزلي والديني والصوفي ورافقته فرقته المؤلفة من "تخت شرقي" وفرقة الدراويش برقصها التراثي المستوحى من بعض المدارس الصوفية وأبرزها "المولوية". ولقيت الوصلات الغنائية والراقصة صدى طيّباً لدى الجمهور فحيّا المنشد العريق الذي تحدّى شيخوخته وجاء من حلب ليحيي حفلته الخليجية. وسبق الحفلة عرض لفيلم "حلب: مقامات المسرّة" الذي أخرجه محمد ملص معتمداً السرد والتوثيق ليرسم صورة شخصية للمنشد الكبير ومن خلاله صورة لمدينة حلب العريقة في حقلي الموسيقى والغناء. وركّز ملص على جمالية الصورة كعادته وعلى انطباعية اللقطة ليخلق مناخاً موحياً يحيط بالمنشد وفنّه. وتابعت الكاميرا صبري مدلّل في حياته اليومية وهو في شيخوخته وفي نزهاته في الأحياء القديمة وحاورته وجعلته يتحدّث عن ماضيه الجميل وعن مهنته الرئيسة كصاحب "دكان" وعن أبيه المتشدّد والصارم وعن بعض الذين درس عليهم فن الإنشاد ومنهم عمر البطش وبكري الكردي وعلي الدرويش. ودمج ملص بين ماضي المنشد وماضي المدينة وصوّره في الأماكن الأولى التي نشأ فيها وأنشد واعتمد لعبة "التوهيم" جامعاً في الحين عينه بين المنشد الذي باشر حياته مؤذّناً وبين الفنان المولع بالطرب الأصيل. والفيلم رحلة بالصورة الجميلة الى حياة رجل وحياة مدينة وإلى مرحلة موسيقية مهمّة تحدّث عنها المنشد نفسه وبعض الذين رافقوه. وفي لقطة ساحرة يطلّ صبري مدلّل من إحدى المآذن العريقة فجراً على مدينة حلب التي ما زالت راقدة فيؤذن مثلما كان يؤذّن قبل أعوام طويلة وطويلة جداً. والفيلم من إنتاج: سويدي فيلم أبو ظبي ودنيا فيلم دمشق. عبدالرحمن الباشا الفنان عبدالرحمن الباشا فاجأ جمهور المعرض وأحيا أمسية موسيقية كلاسيكية صرفة وعزف منفرداً على البيانو مقطوعات من موزار وبيتهوفن وشوبرت وشوبان. وخصّ الموسيقي الأخير بفصل كامل هو الفصل الثاني من أمسيته. والباشا الذي هو بحق من كبار العازفين الجدد في العالم غدا بارعاً في عزفه وشفافاً يضفي على المعزوفات بأصابعه الرشيقة وإحساسه العميق طابعه الخاص، السرّي والمضيء. وحين يجلس الباشا الى البيانو يبدو كأنه يحيا طقساً من العزف والصمت والتأمل. فهو لا يعزف فقط بأصابعه وإنّما بروحه أيضاً، تلك الروح التي تنتقل عبر حركة الأصابع نوطة تلو نوطة.