يشكل مقال الكاتب الإسلامي الاردني ياسر الزعاترة في "الحياة" "أزمة الجماعة الإسلامية" وكذلك ما كتب تعليقا عليه وبخاصة مقالات كمال حبيب ومنتصر الزيات والصالح بوليد، يشكل نموذجاً مثاليا لأزمة المثقفين العرب الإسلاميين والديموقراطيين، إذا صحت التسمية. والحقيقة أن تحليل مضمون أفكار هذا المقال وما جاء تعليقا عليه، ربما يكشف في جانب منه حقيقة الأزمة التي تعيشها المجتمعات العربية والإسلامية وربما العالم غير المتقدم أو الغربي عموما. فالسمة الاساسية التي تغلب على المقال وعلى التعليقات هو التعامل مع ظاهرة ما، وكأننا في "سوبر ماركت" نختار هذا أو ذاك من الأفكار أو المواقف حسب المزاج، والحقيقة أننا لا نملك نحن البضاعة حتى يكون لنا خيار الدخول في "السوبر ماركت" أصلاً. وإذا بدأنا بالصالح بوليد، لوجدناه يعكس أزمة ما يسمى بالديموقراطيين، والحقيقة أن تقسيم المجتمع بهذه الطريق ليس صحيحاً ذلك أن فكرة سياسية ما أو عقيدة أو أيديولوجية لا تنبت بالتبني، بل يجب أن تكون نتيجة تطور سياسي اجتماعي اقتصادي معين وفي ظرف حضاري معين. وبديهي أن العالم الآن ليس ملكا لنا، ولا نحن نمثل السادة فيه، فإذا اعترفنا بأننا خاضعون لآليات الكبار - كرهاً أو رغبة - فإن الحديث عن ديموقراطية وخلافه هو نوع من الهروب بالكلمات ليس إلا. نحن الآن في حال هزيمة حضارية، وتبعية أردنا أم لم نرد، وعلينا البحث عن وسيلة للانعتاق من هذه الحالة، وليس الحديث عن خيار سياسي لا نملك تقريره. الانقسام الحقيقي هنا: هل نقبل بالخضوع للغرب ونصبح ذيلاً له، وهل يقبل ذلك هو أصلاً "حالة تركيا مثلا". أم لا ؟. المهم أن الصالح بوليد ولأنه يعيش في فراغ فكري موهوم، راح يطرح نفسه كديموقراطي يدافع عن الديموقراطية، ثم أراد أن يلبس ثوب المتطرف الديموقراطي بلا داعٍ، قائلاً "لا ديموقراطية لأعداء الديموقراطية"، ثم يحلل لنفسه أن يعلن "يجب أن تعامل الجماعات الإسلامية كحركات انقلابية جهادية تستحق حماماً من الدم". وهكذا فالسيد بوليد يتجاهل أولا أن الأمر في بلادنا لا علاقة له بموضوع الخيار السياسي بدءاً، ولكن بحالة التبعية، وأن شكل إدارة النظام السياسي لا يمكن ان يكون صحيحا ما لم يكن هذا النظام مستقلا عن الضغط الخارجي أو في الأقل لديه هامش معقول من المناورة. وعلى جانب الاسلاميين، فإن أزمة ياسر الزعاترة، وكمال حبيب ومنتصر الزيات هي نفسها أزمة الصالح بوليد، ذلك أنهم جميعا تعاملوا مع المسألة كما لو كانوا يملكون ثمن البضاعة، ثم دخلوا الى "السوبر ماركت" للشراء. وعليهم أن يختاروا. وهكذا جاء الكلام عن الفتوى أم الجدوى، أو عن كيفية تحقيق المشروع الاسلامي بالتي هي أحسن أم بالتي هي أخشن، بالدعوة السلمية أم بالجهاد، أو بلغة العلمانيين الشرعية الديموقراطية أم شرعية الكفاح المسلح؟ وراح الجميع يلفت النظر الى حقيقة أصولية معروفة عن دور المصالح في تغير الحكم، ثم التأكيد على أن ذلك لا يعني تراجعاً عن الثوابت "منتصر الزيات"، وهذا الكلام كله صحيح لكنه خارج اطاره تماماً، ذلك أن العمل بالأحكام الأصولية وإنزال النص على الواقع في الفقه المعروف كله، كان يستند الى ارضية بديهية، أن السيادة الحضارية في العالم لنا، أو على الأقل لسنا في العالم تابعين وخاضعين ومهزومين، ومن ثم فإن الحديث بالطريقة نفسها في عالم "العولمة" و"الغات" و"التوماهوك" يعني ان الازمة ليست ازمة جماعة اسلامية، أو طريقة لتحقيق المشروع الاسلامي "سلماً أو عنفاً"، بل هي أزمة مجتمعات اصبحت في حالة لم تمر بها من قبل، والعالم يتشكل سياسة واقتصاداً وعسكرة على حسابها أو على الاقل وهي غير داخلة في حسابات الكبار بصورة ايجابية أو هي موضوع أو جزء من موضوع تقسيم العالم وليست طرفا فيه. هذه هي الأزمة الحقيقية التي على الحركات الاسلامية ان تجيب عنها، وعن جميع الحركات ايضاً، فالهم مجتمعي وحضاري عام وليس خاصاً بفصيل سياسي معين. علينا ان نجيب فوراً، عن الاسئلة التالية: من نحن، وماذا نريد، وعلى أية أرضية نتحرك؟. فإذا عرفنا في أي عالم نعيش ووفق أي آلية تسير أمور الدنيا، وعرفنا من نحن وماذا نريد، فيمكننا بعدها أن نتكلم عن الفتوى والجدوى والملة الخارجة عن الديموقراطية، وإلا كنا كمجموعة من القرود داخل قفص نتناطح ونختلف، والمفروض ان نعمل جميعا على كسر قضبان القفص أولاً. * كاتب مصري.