تفادت الحكومة اللبنانية، بحسب مصدر وزاري، الدخول في "معركة دونكيشوتية" مع المجلس النيابي لتعديل مادة في قانون الاعلام المرئي والمسموع تجيز لها حصر تعيين اعضاء المجلس الوطني للاعلام بمجلس الوزراء بدلاً من تقاسمه مناصفة بينه وبين المجلس، ما دامت الغالبية النيابية لا توافق عليه. وأكد المصدر ل"الحياة" ان الحكومة لا تود الدخول في مواجهة مع المجلس النيابي وكانت تفضّل التوافق على تعديل قانون الاعلام المرئي والمسموع، وهذا ما رغبت فيه عندما كلّفت عضو تكتل التحرير وزير الاعلام والمهجرين أنور الخليل ان ينقل رغبتها في التعديل الى رئيس المجلس نبيه بري. ولفت الى ان مجلس الوزراء لم يعلن موافقته على التعديل الا بعدما أعلمه الوزير الخليل ان الرئيس بري لا يعترض عليه، مشيراً الى انه انطلق في طلب التعديل من ان تقاسم التعيين بين المجلس والحكومة لا يعتبر دستورياً، وبالتالي لا بد من حصره في الحكومة، رغبة منها في توحيد المرجعية اولاً، ومن ثم تأمين المحاسبة عبر تنظيم المراقبة من جانب السلطة التشريعية. لماذا تبدّل موقف بري؟ وهل للتبدّل علاقة بطلب التفتيش المركزي من رئيس مجلس الجنوب قبلان قبلان أحد المسؤولين في حركة "أمل" التحقق منه عن صحة ما تردد انه أودع خلافاً للقانون، سلفة لمجلس الجنوب في مصرف خاص، بدلاً من المصرف المركزي، وصولاً الى التأكد من نسبة الفائدة المترتبة على الوديعة؟. في معلومات "الحياة" ان إحالة قبلان على التحقيق لا تعني ادانته لان الحكومة ترغب في التأكد من معلومات وردت عليها عن مخالفة ادارية، لذلك لا تؤيد استباق التحقيق. ولم يتخذ قرار به في مجلس الوزراء، وهذا ما أبلغ الى بري عندما تلقى نفياً من رئيس الحكومة سليم الحص، ومن الامين العام لمجلس الوزراء هشام الشعار، وبالتالي لم يكن الوزراء على علم به. حتى ان مصادر في تكتل "التحرير النيابي" برئاسة بري نفت ان يكون هناك رابط بين عودة بري عن موافقته المبدئية على تعديل المرئى والمسموع والتحقيق مع قبلان. وأوضحت المصادر ل"الحياة" ان التعديل لم يطرح في الاجتماع الاسبوعي لتكتل التحرير. وقالت ان الخليل استمزج رأي الاخير "على الماشي" فور ارفضاض الاجتماع، واوضحت ان بري "كان يغادر مكان الاجتماع عندما اقترب منه الخليل وأبلغ اليه نية الحكومة تعديل القانون"، مشيرة الى ان رئيس المجلس "أعطى جواباً سريعاً معتقداً ان الرئيس الحص سيفاتحه بالموضوع". وأكدت ان عدداً من النواب في "التكتل" سارعوا فور سماعهم مقررات مجلس الوزراء، ومنها اقرار احالة مشروع قانون بتعديل المرئي والمسموع، الى الاتصال ببعض الوزراء للاستفسار منهم عن حقيقة ما دار في المجلس، فأحيطوا علماً بان الاسباب الموجبة للتعديل انطلقت من دراسة أعدها وزير الاتصالات السلكية واللاسلكية عصام نعمان، نصّت على عدم دستورية تعيين المجلس النيابي نصف اعضاء المجلس الوطني للاعلام، وان الحكومة تبنت الدراسة لان ابقاء النص من دون تعديل يحول دون تحديد المسؤولية المترتبة على الاعمال التي يقوم بها المجلس الوطني، ما دامت تتوزّع بين السلطتين الاشتراعية والتنفيذية، علماً ان المادة المذكورة نسخت عن القانون الفرنسي، الذي يعطي حق التعيين لكل من رئيس الجمهورية ومجلس النواب والشيوخ. وذكرت ان تعديلاً أدخل على النص بما يسمح باعطاء حق التعيين لمجلسي النواب والوزراء، لمراعاة ضرورات الوفاق الوطني التي تتيح اشراك رئيس الحكومة في التعيين من خلال مجلس الوزراء، مستغربة التناقض في موقف الوزير نعمان الذي وافق يوم كان نائباً عام 1992 على النص الحالي. وكشفت المصادر ان عودة الحكومة عن طلب التعديل جاء ثمرة اتصالات بين اركان الدولة وانتهت الى تسوية أدت الى عدول نائب تكتل التحرير رئيس المكتب السياسي لحركة "امل" محمد عبدالحميد بيضون، عن توزيع بيان على وسائل الإعلام يرفض فيه التعديل، في مقابل عزوف مجلس الوزراء عن التقدم من المجلس بالمشروع. وأكدت انه سحب بيانه بناء على رغبة بري. أما أسباب الاعتراض على التعديل، الشكلية والاساسية في آن، فمنها نفي أوساط بري اياً من اشكال المقايضة بين قضية التحقق من قبلان في ايداع الاموال، وسحب تعديل قانون المرئي والمسموع، اضافة الى عدم ارتياح بري الى الطريقة التي اتبعت لابلاغه نية الحكومة تعديل القانون، وكان يفضل الا يترك الامر للوزير الخليل، وان يتشاور الحص شخصياً معه. ونقلت المصادر عن نائب مقرب من بري قوله "ان رئيس المجلس ما زال يصرّ على موقفه ان لا عودة الى "الترويكا" التي دُفنت من دون رجعة، لكن العودة الى التشاور المسبق في أمور تمسّ مباشرة العلاقة بين السلطتين الاشتراعية والتنفيذية لا تعني انها قامت من جديد". واضافت "ان استبعاد الترويكا لا يمنع التشاور، خصوصاً انها ما زالت موجودة، من خلال دعمها الحكومة في وجه الحملات الاعلامية والسياسية التي تتعرّض لها". وأشارت الى ان الاقلاع نهائياً عن منطق المساومة بين اهل النظام يحتّم ايضاً تبديد الاجواء الضاغطة التي يعيشها الشارع، لجهة التعاطي مع بري في مسألة الاصلاح الاداري، من زاوية انه لن يتحقق كاملاً ما لم يتم اعفاء كل المديرين العامين المقربين منه أو "الحركيين" من الوظائف التي يشغلونها. وأكدت "ان بري لا يبدي ارتياحه الى حملات التحريض على "أمل" في الشارع". واشارت الى ان "هناك من اخطأ ويجب محاسبته في مقابل مكافأة من أحسن في ادارة المؤسسة أو المديرية الموكلة اليه". وفي ضوء رجحان كفة المجلس النيابي على الحكومة التي قررت سحب التعديل هناك من يعتقد ان تجنّب المعركة المبكرة يتجاوز التعديل، الى تسليط الاضواء ومن اول الطريق على طبيعة العلاقة بين السلطتين الاشتراعية والتنفيذية في ظل اقتصار الاجتماعات بين بري والحص على اجتماع يتيم منذ تشكيل الحكومة. وغياب التواصل يبقي الباب مشرّعاً أمام المفاجآت كما حصل أخيراً، بدلاً من تداركها بتحضير الاجواء لأي تعديل تقترحه الحكومة. وهذا ما تقرر الأخذ به، اذا لم يهدد مبدأ الفصل بين السلطات.