الخلافات بين رئيسي المجلس النيابي نبيه بري والحكومة رفيق الحريري كثيرة، ومحطاتها متعددة، وترقى الى سنوات. بدأت هذه الخلافات مع تكليف الحريري رئاسة الحكومة خلفاً للرئىس السابق رشيد الصلح. وأول الغيث كان في تشرين الاول اكتوبر 1992، بعدما اجرى الحريري مشاورات مكثفة في بيروت وزار دمشق قبل اعلان حكومته التي ضمت 30 وزيراً، اذ تحفظ بري عن التشكيلة، معتبراً "انها حكومة امر واقع" بسبب تغييبه عن الاسماء النهائية فيها وتوزيع الحقائب وعدم اسناد حقيبة المال الى وزير شيعي اقترح اسمه فاعترض عليه الحريري "لأنه ارتأى ان تكون مواصفات وزير المال مختلفة". وترجم الخلاف بامتناع بري عن التقاط الصورة التذكارية التقليدية للحكومة، وتغيّب الوزير محمود ابو حمدان عن اول جلسة لمجلس الوزراء في حين نشطت الوساطات على المستوى الوزاري بين الجانبين والمحادثات التي اجراها الوزير ميشال المر في دمشق في تبريد سخونة الخلاف الذي انتهى بلقاء الاثنين. إلا ان الخلاف عاد الى الظهور مجدداً، وبعد ايام قليلة عقب اعلان الحريري نيته طلب صلاحيات استثنائية لحكومته من المجلس النيابي وربطها بالثقة فرفض بري ذلك. واستدعى هذا الخلاف زيارة قام بها الحريري لدمشق والتقى الرئىس حافظ الاسد ونائبه السيد عبدالحليم خدام. وعاد متخلياً عن طلب الصلاحيات في مقابل وعد من المجلس النيابي بالاستعجال في اقرار القوانين. وشهد العام 1993 خلافاً خفياً على وضع الاعلام وتلفزيون لبنان ومرسوم البث الفضائي. واتخذ صورة اكثر وضوحاً مع نهاية العام وفتح ملف التطهير الاداري والكلام على تغيير حكومي، إلا ان هذا الخلاف ظل مضبوطاً من الجانبين اللذين حرصا على اللقاء والتفاهم والاتفاق. وفي العام 1994 عاد الخلاف ليتجدد لكن مظاهره اتخذت اشكالاً اكثر حدة وبلغت ذروتها باعلان الحريري الاعتكاف من دون سابق انذار، وكان ذلك في منتصف ايار مايو عقب عودته من دمشق بعد مشاركته في القمة اللبنانية - السورية الموسعة، وتبين ان سبب الخلاف اثارة موضوع اجراء تعديل وزاري يتناول تبديل الحقائب بين بعض الوزراء ورفع عدد اعضاء الحكومة الى 34 وزيراً. اعتكاف الحريري استمر سبعة ايام نشطت خلالها لجنة وزارية ثلاثية المر وحمادة والأمين للوساطة فحملت العتاب وجمعت الشكاوى. وعاد الحريري عن اعتكافه بعد زيارة لدمشق ولقاء الرئىس الاسد. وكاد خلاف بري - الحريري يحدث بلبلة في السوق المالية. لكن اجواء الوئام بين بري والحريري عادت لتشهد ازمة جديدة في تموز يوليو من العام نفسه على موضوع الاعلام وتحديداً نتيجة تصويت المجلس النيابي على اقتراح قانون بمعاودة بث الاخبار والبرامج السياسية في وسائل الاعلام الخاصة الذي كان رفضه الحريري، لكن خلفية الخلاف كانت ابعد من موضوع الاعلام، ومنها التنازع بين السلطتين الاشتراعية والتنفيذية. وتفاعل الخلاف على رغم كثرة الوساطات وأصيب الحريري بوعكة صحية وأشيع انه يتجه الى الاستقالة. لكن اوساطه نفت ذلك مؤكدة ان كل شيء قابل للمعالجة، في حين اعتبرت مصادر بري "ان على الحكومة ان تنصاع لإرادة المجلس علماً ان ساحة النجمة لم تترك مخرجاً إلا سعت اليه". ورافق الوساطات الداخلية متابعة سورية لتطور الامور ونصائح بضرورة الحفاظ على التماسك الداخلي في مواجهة ضغوط خارجية قد تستفيد منها اسرائيل، وانتهى الخلاف الى اتفاق على ان تمضي الحكومة في تنفيذ قرارها تجهيز الملفات المطلوبة للمؤسسات الاعلامية المرئية والمسموعة التي ترغب في التقدم بطلبات ترخيص. وشهد العام 1995 خضات سياسية رافقت السجال القائم على الاستحقاق الرئاسي. وأدى التعارض في المواقف والتوجهات بين "ترويكا" الحكم في شأن هذا الاستحقاق توقيت تعديل الدستور من اجل التمديد للرئىس الياس الهراوي او لاختيار غيره الى استقالة الحكومة في ايار مايو بعدما تركز الخلاف على موضوع التغيير الحكومي. وفي ايلول سبتمبر من العام نفسه عاد الطرفان واختلفا على الدوائر الانتخابية وموضوع الاعلام كما اعلن بري، واستدعى الامر زيارة قام بها الحريري في منتصف الشهر لدمشق ولقاء خدام في حضور بري الذي اكد لاحقاً ان لا مصلحة في الخلاف. وسجلت بين الجانبين محادثات ماراثونية استمرت ثلاثة ايام برعاية خدام ومشاركة رئىس الاركان العامة السوري العماد الاول حكمت الشهابي، وتخللتها خلوات ثنائية وتم التوصل الى تفاهم مشترك على "اعداد تصور موحد لطبيعة المرحلة وطريقة التعاطي مع القضايا العالقة. وفي مقدمها تنظيم الاعلام المرئي والمسموع على اساس الاسراع في تطبيق القانون". واختلف بري والحريري مجدداً في العام 1996 على توزير باسم السبع. لكن الخلاف لم تتصاعد حدته بل سارع الجانبان الى نفيه بعدما تمت تسويته. وقرر الحريري حيال اصرار بري على تمثيل حزب البعث في الحكومة الى الموافقة على توزير غازي سيف الدين سنّي من البقاع. لكن الخلافات بين الطرفين ظلت تحتل الصفحات الاولى من الصحف في 1997، فاختلف الحريري مع قيادة الجيش وضمناً مع بري على ترقيات عسكرية، واختلفا على خطة استدانة 800 مليون دولار وزيادة سعر البنزين وعلى الانتخابات البلدية والاختيارية.