تتضح الآن أبعاد ميدان التنافس على الترشح باسم الجمهوريين وبينهم للرئاسة الاميركية عام 2000. ورغم ان الجمهوريين لن يرشحوا احداً منهم حتى تموز يوليو من العام المقبل للرئاسة يتعين على المرشحين، الذين يتمتعون بحظ جدي في ان يحوزوا على القبول العام، ان يبدأوا الآن في تجميع المال اللازم لشن حملة الانتخابات، وان يعمدوا قريباً الى الاعلان صراحة عن نواياهم وخططهم. والآن وفي مطلع عام 1999، سيكون التنافس الفعلي هو على الفوز باختيار الجمهوريين في داخل صفوف حزبهم فقط. واقولها ببساطة ان الحزب الديموقراطي سيرشح آل غور لخوض الانتخابات الرئاسية باسمه الا اذا شهدت الولاياتالمتحدة او الحزب الديموقراطي كارثة سياسية، او اذا تدخلت العناية الالهية في هذا الشأن. والحقيقة هي ان آل غور سيصبح رئيساً للولايات المتحدة، وبالتالي سينعم بمميزات الرئيس "المقيم" فور ازاحة الرئيس كلينتون من رئاسة الجمهورية الاميركية، اذا تمّت هذه الازاحة او الاقالة بعد ادانته بالتهم الموجهة اليه من مجلس الشيوخ الاميركي. وحتى الآن لا يوجد من ينافس آل غور للفوز بترشيح الحزب الديموقراطي الا الشيخ الذي كان يمثل ولاية نيوجرزي أي بيل برادلي. ويبدو ان زعامة الحزب الديموقراطي لن تُسلّم الى شخص غير آل غور الا اذا شهدت الولاياتالمتحدة موجة عامة طاغية من النفور او "القرف" من الرئيس كلينتون قوية بحيث تشمل في جرفها نائبه آل غور ايضاً. اما بالنسبة الى الجمهوريين، فهم يبدأون حملة العام 2000 ببعض الاسماء المألوفة لكن في ظروف تختلف تماماً عن تلك التي كانت سائدة عام 1996. ورغم ان الجنرال كولن باول عزّز موقعه او موقفه كأكثر الشخصيات العامة الوطنية تمتعاً بالاحترام العام في الولاياتالمتحدة، يبدو ان انبهار الجمهوري الاميركي به كمرشح رئاسي محتمل صار في ذمة التاريخ. ويبدو ايضاً ان الولاياتالمتحدة شهدت تخلي جيل الحرب العالمية الثانية عن المسرح، وهو الجيل الذي كان بارزاً في حملتي حون اف كنيدي وريتشارد نيكسون الانتخابيتين في الستينات وحتى حملة روبيرت دول عام 1996. وسيعتبر مرشح الجمهوريين لانتخابات عام 2000 "ثورة غولدووتر"، التي هزّت الاوساط السياسية الاميركية عام 1964، اكثر اهمية من نزول القوات الحليفة شواطئ اوروبا التي كانت تحتلها المانيا عام 1944. ولهذا ينصبّ اهتمام هذا المقال على مراجعة الاسماء التي تبدو الآن، وفي مطلع 1999، وكأنها ستكون مرشحة جدية لتمثيل الجمهوريين في قمة تموز يوليو عام 2000. اولاً جورج دابل يو بوش الذي أُعيد انتخابه بأكثرية ساحقة حاكماً لولاية تكساس. ويُعتبر هذا الجمهوري الشعبي في مقدمة المرشحين رغم ان هذا لا يعني كثيراً اجمالاً. لكن بفضل والده، الرئيس السابق، يعرف الاميركيون اسمه جيداً وقد يكون هذا العامل مفتاح مكانته الجيدة الراهنة في استطلاعات الرأي التي تجري. ومما لفت الانظار اليه ايضاً، في عملية اعادة انتخابه حاكماً لولاية تكساس، ان نسبة عالية من النساء والاميركيين من اصل او من تحدر افريقي واسباني صوّتت له ما شكّل انجازاً نادراً لجمهوري. ولم يرشح الحاكم بوش نفسه رسمياً حتى الآن، والمعروف عنه انه ينفر من احتمال اقدام وسائل الاعلام المتوقعة على خرق حرمة حياته الخاصة. ومع ذلك فهو شخصية مرموقة ومقتدر وربما مثّل تحدياً قوياً لال غور. لكن نفوره من الجمع بين حكم ولاية تكساس وبين اتخاذ موقف شبه ديني من المسائل الاجتماعية الشائكة المطروحة في الولاياتالمتحدة يعني انه لن يكون خيار "اليمين المتديّن" الناشط في الحزب الجمهوري. ثانياً اليزابيث "ليدي" دول، زوجة المرشح الجمهوري للرئاسة عام 1996 التي اعلنت لتوّها استقالتها من رئاسة الصليب الاحمر الاميركي وألمحت بقوة الى انها ستسعى الى ان يرشحها الجمهوري للرئاسة الاميركية. والمعلوم ان صورة هذه السيدة المرسومة في اذهان الاميركيين ايجابية جدا، وهي الى ذلك متحدثة جيدة وتعرف كيف تُشَنُّ الحملات الجيدة. واذا رشحها حزبها للرئاسة او لنيابة الرئاسة فقد تتمكن من تجسيد ما يسمى بالهوة الفاصلة بين الجنسين ما يعني استعادة المقترعات الإناث الى الحزب الجمهوري. ويُستحسن بالمهتمين بهذه الانتخابات ان يأخذوا حظوظ هذه السيدة بالنجاح على محمل الجد رغم ان التاريخ الاميركي لم يشهد اختيار اي من الحزبين الجمهوري او الديموقراطي لامرأة مرشحاً رئاسياً. ثالثاً جون ماكين الشيخ الذي يمثّل ولاية اريزونا والمعروف كبطل قومي على اعتبار انه عاد الى بلاده، بعدما أسره الفيتاناميون في هانوي، ليبني لنفسه سمعة طيبة، في الحقل السياسي، كرجل مستقل ولا يخشى في قول الحق لومة لائم. ورغم مقدرته على اثارة عواطف المقترعين الى حدّ إلهاب مشاعرهم، يؤيد اصلاح نظام تمويل الحملات الانتخابية ويقف ضد شركات قطاع التبغ ما جعله غير محبوب في اوساط كبار المسؤولين في الحزب الجمهوري الذين يصفونه بمقدار من الاستهانة به بأنه الجمهوري الذي يفضّله أو يؤثره الديموقراطيون على غيره من اعضاء حزبه". واذا اعلن عن ترشيح نفسه، فقد تثبت الايام ان اكبر عقبة تقف حائلاً دون فوزه انه مضطر الى تجميع المال لتمويل حملته في نظام لا يكنّ له الاحترام. رابعاً مالكولم "ستيف" فوربس الذي لا يشكل المال اي مشكلة له، فهو يملك الكثير منه ولهذا فليس لأحد عليه منّّة، لا المساهمون عادة في الحملات الانتخابية ولا الانظمة والقوانين التي تتحكم بمسألة الانفاق على هذه الحملات والتي تتطلب ان يكون الانفاق مماثلاً لما تمنحه وزارة الخزانة الاميركية من مال أو مساعدات. ويملك فوربس ما قد يكون اكثر المجلات الاقتصادية الاميركية جذباً للاحترام ، وهو الى ذلك ناشط جداً وذو ارادة حديدية ويفكر يهتم بالآخرين وبمصالحهم بمقدار ما يفكر يهتم بنفسه وبمصالحه الخاصة. وفي حملة عام 1996 شكّل التهديد المهم الاوحد لبوب دول في انتخابات الحزب الجمهوري الاولية. ورغم ان جلّ اهتمامه ينصبّ دائماً على الشأن الاقتصادي، وخصوصاً على ضرورة اصلاح النظام الضريبي الاميركي، يحاول ايضاً توسيع قاعدة محبيه ومحبّذيه من طريق الاهتمام بمسائل اجتماعية تتناسب مع اهتمامات "اليمين المتديّن". خامساً دان كيل او كويل الذي كان نائباً للرئيس السابق جورج بوش والذي لم يرشح نفسه رسمياً حتى الآن. ومع هذا يُعتبر من الذين في وسع فئات الحزب الجمهوري كافة ان تُجمع بسهولة على اختياره. ويذكر ان كويل كان "محطّ" شماعة الانتقادات كافة التي وُجّهت الى حملات جورج بوش الانتخابية ورئاسته وذلك بين 1988 و1992، كما كان خلال تلك الفترة موضوعاً للهزء والتهكم الاميركيين العامين. ويتعين على كويل اقامة الدليل على أن في وسعه جذب المستقلين، وحتى الديموقراطيين المستائين من حزبهم الى الحزب الجمهوري اذا وقع اختيار الجمهوريين عليه مرشحاً رئاسياً عنهم. سادساً لامار الكسندر حاكم ولاية تنسي ووزيراً فيديرالياً للتربية سابقاً، وهو الى ذلك لا يتعب ابداً من الحملات الانتخابية وفعّال في تجميع المال، وترشح لانتخابات زعامة الحزب الجمهوري عام 1996 على نحو عاد عليه باحترام الجميع رغم ان الفشل هو الذي حالفه في الاخير. وبذل الكسندر جهوداً مضنية في سبيل انشاء تنظيم فعّال قوي لشن الحملات الانتخابية في ولاية أيووا حيث سيعقد كبار المسؤولين في الحزب الجمهوري سلسلة من اللقاءات بغية افساح المجال امام الناشطين والمحترفين في الحزب لكي يدلوا باصواتهم التي تدل على من يفضّلونه مرشحاً رئاسياً، وذلك قبل عدد من الاسابيع من موعد الانتخابات الاولية التي تجري في طول الولاياتالمتحدة وعرضها. ورغم ان سجله في الخدمة العامة يعكس مقدرة وتفانياً في هذه الخدمة، يتعيّن على الكسندر ان يقيم الدليل على ان زمانه لم يول وانه "ابن اليوم" والساعة. ورغم ان من السابق لاوانه كثيراً ان يعلّق المرء على نحو نبيه متنوّر، على حظوظ الحزب الجمهوري الفعلية في انتخابات الحزب الجمهوري الفعلية في انتخابات عام 2000، اكرر في هذا المقال ذكر ما قلته سابقاً في مقال نُشر في "الحياة" وهو ان انتخابات عام 1998، التي جرى فيها انتخاب مجلس النواب الاميركي كله وثلث مجلس الشيوخ وعدداً كبيراً من حكّام الولايات، لم تسفر عن هزيمة للحزب الجمهوري رغم ما قيل على نطاق واسع في وسائل الاعلام الاميركية. فبفضل تلك الانتخابات تخلّص الحزب الجمهوري من شخصيات اميركية عامة كانت لا تحظى بأي مقدار من الشعبية والتأييد مثل رئيس مجلس النواب الاميركي نيوت غينغريش. ووجد الحزب ان الاهتمام انصبّ بدلاً من هذا على ان 31 حاكماً من حكّام الولايات الخمسين صاروا ينتمون الى الحزب الجمهوري. ومن هذه القاعدة بالذات سينطلق التحدي لآل غور في انتخابات العام 2000. السفير ريتشارد آرميتريج هو رئيس مؤسسة شركاء ارميتاج في بلدة آرلينغتون في ولاية فرجينيا، وهي مؤسسة دولية تعنى بتطوير النشاط الاقتصادي. وكان من كبار المسؤولين في وزارتي الدفاع والخارجية الاميركيتين في ادارتي الرئيسين ريغان وبوش. * مسؤول سابق في وزارة الدفاع الاميركية. رئيس مؤسسة "ارميتاج اسوشيتس" في أرلينغتون ولاية فيرجينيا.