Groupe d'Auteurs. L'Univers Virtuel: Miracle ou Mythe? الكون الافتراضي: معجزة ام أسطورة؟. Editions du Conseil, Strasbourg. 1998. 211 Pages. يتداول المجلس البرلماني الاوروبي، التابع للمجلس الاوروبي المُنشأ في 1949، والأوسع من بين المجالس الاوروبية يضم ممثلين لاربعين برلماناً وطنياً، يتداول التفكير، بلسان أبرز الباحثين، في مجتمع الغد كما بدأت ترسم ملامحه الثورة الثقافية، وثورة المعلوماتية والمعلومات. اذ ان من مهمات هذا المجلس استشراف بعض المسائل ذات الصلة بمشكلات المجتمع، والقضايا السياسية الدولية على مدار اربع جلسات في العام الواحد، وخلاصة مناقشاته توجّه أعمال لجنة الوزراء الاوروبيين وتمارس تأثيراً على الحكومات. ويؤكد البعض ان هذه الثورة بدأت تلعب الدور الاول في تاريخ الانسانية، هذا الدور الذي شغله في ما مضى العمل الجسدي، والحجر، والبرونز، والحديد أو الطاقة. فتكنولوجيا المعلومات هي أداة القرن الحادي والعشرين بامتياز، وثمرتها عصراً حضارياً جديداً. والتفكر المقترح ذو الطبيعة السياسية والفلسفية يُحمل على ما قد يصيب "الديموقراطية" وما قد يطرأ من تحولات ثقافية ثقافة الشاشة والكرسي تطاول المجتمع بفعل عالم الاتصالات الكوني الجديد، وبعبارة اخرى مآل الانسان امام الشبكات. فالتقدير ان عدد المشتركين سيبلغ في العام الفين حوالي مئة مليون شخص، ثلاثون منهم في أوروبا وحدها. هذا المشهد سيُغيّر من آلية اشتغال المجتمع ومن العلاقات الاجتماعية داخله: سيُعدّل في نمط الانتاج، وتنظيم العمل تشظي المؤسسة، العمل في المنزل، اختصار مسارات التأهيل المهني، ازدياد النشاطات المستقلة، التعلم والتأهيل المستمر... الخ، كما انه سيُغيّر في استراتيجيات المؤسسات والعلاقات بين الزبائن والمموّنين، وتبادل المعلومات، وفي أدوات الوظيفة السياسية والمواطنة، وفي صيغ اكتساب المعارف، وفي أوقات واشكال التسلية، وفي مضمون سيادة الدول. وهذا التحوّل يعلن نهاية عهد الجموع الجماهير التي ستنتظم شيئاً فشيئاً في شبكات، متجاوزة الوحدات التقليدية للمكان والزمان والأنشطة الانسانية. وللتعبير عن هذا الوضع المستجد، يستعير النقاش عبارات المفكر الايطالي انطونيو غرامشي 1891-1937: "يموت القديم، ولا ينجح الجديد في الاعلان عن نفسه، وفي فترة الخلو هذه، تنبعث الوحوش"، وهو ما يلخص العقبات الهائلة التي تنتظر المجتمعات الاوروبية. والكتابات الباحثة تعلن تمسكها بالقيم الديموقراطية، وبالديموقراطية، وبالسلام، والتقدم الاجتماعي، ودولة القانون، كما بالموقع المحوري للانسان كمعنى وغاية للفعل السياسي. وحتى لا تكون الادوات التكنولوجية الجديدة ميداناً لانتاج فروقات اجتماعية جديدة بين من يملكون ويستطيعون الاشتراك في الشبكة وبين من لا يملكون، يدعو احد الباحثين الى اتاحة فرص عادلة للاشتراك المفتوح تتولاها الادارات والبلدات والمحليات، أي العمل على دمقرطة فرص الوصول الى الشبكة، وذلك صوناً لمبدأ العدالة بين المواطنين. ويدعو احد الاصوات الى رفض هيمنة الولاياتالمتحدة على هذه السوق العالمية الواسعة، والعمل على تجنّب وضع التكنولوجيات الجديدة في خدمة هي عولمة الاقتصاد الأحادية وهو ما من شأنه مضاعفة القوة المالية للشركات متعددة الجنسيات. وفي تأثير تكنولوجيا المعلوماتية الحديثة على العمل، يلحظ النقاش ان هناك علاقة وثيقة بين البطالة وبين مسار العولمة. على الرغم من ان الوظائف الجديدة المرتبطة بالتجارة الخارجية قد ازدادت على نحو كبير، فان النقاش يخلص بهذا الخصوص الى تعقد المسألة وتشابك عناصر مكوناتها، مثل: السمات الاصيلة للتكنولوجيا موضوع المساءلة، استقبال الجمهور لها، التبني المؤسساتي، تنظيم المؤسسات، سياسات التعليم والتأهيل. لكن، مما لا شك فيه هو سيادة مفهوم "الاقتصاد أو النمو المؤسس على المعرفة". وحتى التسليم على هذا الوجه، لا يفترض التركيز فقط على الاستثمار في الابحاث، بل يتطلب ايضاً التدخل لتصحيح ما قد تنتجه آليات السوق من نتائج ضارة، وايضاً المواءمة بين تنمية الموارد البشرية وادخال التكنولوجيات الجديدة. والسؤال هو هل سندخل عصر "الديموقراطية الالكترونية"؟ أو على نحو آخر أي صلة ستنعقد بين الديموقراطية وبين التكنولوجيات الجديدة؟ فهذه الاخيرة قد تُستخدم على وجه غير محمود لصالح الهيمنة والاستغلال، وقد توضع ايضاً في خدمة الديموقراطية والحرية والمسؤولية والتضامن. وما هو مطلوب من رجال السياسة بحسب النقاش الآنف، وضع آليات تتيح التقاسم العادل والمفيد للثروات المنتجة في سبيل تقديم فرص العمل، وعوائد تتيح العيش الكريم وتؤمن مساكن واطاراً ملموساً لحقوق الانسان. إذ ان الخطر على الديموقراطية يتأتى من اخفاقات العيش اليومي للناس، من: البطالة، الفقر، التهميش، ضيق العيش، والاوضاع الاجتماعية الهشة، والتفاوت والصراعات الوطنية والاثنية. وهذا الوضع يخلق هوة بين الناس وبين ممثليهم بحسب "الديموقراطية التمثيلية"، مما يفرض مصالحة معطيات المجتمع الحديث مع متطلبات المواطنين، حتى يشتركوا على نحو أفضل في الشأن العام. فحقل السياسة يتوسع بشكل هائل، ويتعدى الامة، المحل التقليدي للفعل السياسي، بسبب امحاء الحدود، وتنظيم السوق العالمي، وتكاثر السلطات: السلطة السياسية، السلطة المالية، السلطة التكنوقراطية، وسلطة الاعلام. وتبقى الديموقراطية في رأي الباحثين، العامل القيمي الاساسي الذي يجب الحفاظ عليه. فبين الحق في فعل كل شيء، والحق في عدم الفعل، هناك مساحة من المسؤولية والحرية يجب تحديدها وتعيين مجالاتها، في مجتمع ينتقل من التنظيم الهرمي الى الاندراج في شبكات العهد ما بعد الصناعي، حيث الاساس فيه هو الفرد. وهذا الانتقال يمثل تحدياً للصيغ القانونية المتداولة، والتي لا تتفكر الا في المجموعات حيث الديموقراطية التعددية تجد نفسها في خطر، اذا أخلت مكانها للديموقراطية الالكترونية التي تعتمد استطلاعات الرأي من خلال الفرد المنعزل خلف حاسوبه، والمتّصل بالشبكة. فالخطر الداهم برأي الاوراق المقدمة هو تناقص عدد المواطنين لصالح تزايد اعداد المستخدمين للشبكة، مما يقتضي اعادة الاعلاء من شأن الوظيفة السياسية من خلال تحديد غايات هذه التكنولوجيات الجديدة، وجعلها وسائل لخدمة الناس. ومجتمع المعلومات بامكانه ان يُعطي دفعاً جديداً للديموقراطية بخلقه مجالاً افتراضياً للتعبير، ولكن المخاطر تبرز في حال اقتصاره على مفهوم السوق والسلع، وحصره في منطق العرض للادوات والتجهيزات. وقد لاحظ احد الباحثين ان هناك جانباً اسطورياً قد تمّ اضفاؤه على مجتمع المعلومات، مما اقتضى ميثولوجيا مضادة، لخّصها احد المفكرين الاميركيين في سبع خطايا تميز العصر الرقمي: الفصل بين الاغنياء والفقراء في المعلومات، تبليد عقل عدد كبير من الناس من خلال ألعاب الفيديو، تهديد الحياة الخاصة، تفكيك المتحدات بانقسام الجمهور، التناقص في الجانب الديموقراطي من خلال حملات الترويج الاعلامي، طغيان الشركات الكبرى، واخيراً خسارة قيم القطاع العام والمسؤولية الاجتماعية. فالوجه الآخر لمجتمع المعلومات هو انه مجتمع مراقبة. كما يطرح العالم الافتراضي أو الواقع الافتراضي مسألة الاخلاق، حيث ان العنصرية والعنف والاباحية أضحت من المساوىء والمخاطر المصاحبة لاستخدام الانترنت، لكن بعض الآراء ترفض "رمي الطفل مع ماء الحمام"، بحسب التعبير الفرنسي، وتدعو الدولة الى تحديد مصلحة الناس، ورصد المسائل الاخلاقية التي يطرحها مجتمع الاتصال الجديد، كذلك الى وضع قواعد اخلاقية تفرض احترام كرامة الاشخاص المتصلين بالشبكة. فالترسانة القانونية الموجودة يمكن تطبيقها على التكنولوجيات الجديدة، لكن يبقى المبتدأ والغاية هو حماية حقوق الانسان وحماية مجال الحياة الخاصة. الكتاب بايجاز هو محاولة للتحقق ولفصل جانب اليوتوبيا عن جانب الحقيقة في مجتمع الاتصال الجديد، ولمعاينة الوعود والسهر على عدم خيانتها للانسان.