وزير العدل: مراجعة شاملة لنظام المحاماة وتطويره قريباً    سلمان بن سلطان يرعى أعمال «منتدى المدينة للاستثمار»    أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    المملكة تستضيف اجتماع وزراء الأمن السيبراني العرب.. اليوم    تباطؤ النمو الصيني يثقل كاهل توقعات الطلب العالمي على النفط    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    توجه أميركي لتقليص الأصول الصينية    إسرائيل تتعمد قتل المرضى والطواقم الطبية في غزة    الجيش الأميركي يقصف أهدافاً حوثيةً في اليمن    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    أمير الشرقية يرعى ورشة «تنامي» الرقمية    كأس العالم ورسم ملامح المستقبل    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    اختتام معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي    دروب المملكة.. إحياء العلاقة بين الإنسان والبيئة    ضيوف الملك من أوروبا يزورون معالم المدينة    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    مترو الرياض    إن لم تكن معي    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    المشاهير وجمع التبرعات بين استغلال الثقة وتعزيز الشفافية    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جماعة الاخوان المسلمين في مصر والسياسة الخارجية : الغرب والسوفيات والنظام الدولي . مواقف قلقة تجاه النفوذ البريطاني ومواجهات ثقافية
نشر في الحياة يوم 27 - 02 - 1999

نشرنا امس متابعة لموقف الاخوان المسلمين من السياسة الخارجية لجهة قضايا الخلافة ووحدة المسلمين ونكبة فلسطين، وفي ما يلي جزء ثان واخير من المقالة.
تفاعل ثلاثة عوامل هو الذي حدد رؤية جماعة الاخوان المسلمين للغرب. وهذه العوامل هي: معارضة الجماعة للاستعمار، عداؤها للمخططات الصهيونية في فلسطين، والتزامها مفاهيم تحرير وتوحيد الأمة الاسلامية. وقد عبرت الجماعة عن قلقها في مناسبات عدة ازاء نظرة الولايات المتحدة وبريطانيا للجماعة باعتبارها تهديدا للغرب ومصالحه في الاقليم وثقافته وحضارته.
وأعلنت الجماعة عدم رضائها عن تنازل عالم الاسلام عن قيمه وحضارته وتحوله الى تابع للاستعمار الغربي الأوروبي. وأعربت عن عدائها بشكل خاص تجاه بريطانيا واتهمت استعمارها لمصر بأنه نشر الفساد وقمع الاسلام. كما فسرت الاحتلال البريطاني لمصر باعتباره موقفاً استوجب انشاء الجهاز السري التابع للجماعة. وقد شن الجهاز هجمات فردية على الوجود البريطاني في مصر.
ونظر المرشد العام حسن البنا الى الحضور البريطاني المكثف في مصر باعتباره عاملا أوجد الاحساس بالاغتراب لدى المصريين وهم داخل حدود وطنهم.
وعارضت الجماعة معاهدة عام 1936 الأنكلو/ مصرية باعتبارها لم تستجب للتطلعات الوطنية للمصريين. وشاركت الجماعة بذلك تيارات سياسية اخرى في مواقفها التي عكست احساس الاحباط المتزايد لدى قطاعات من المجتمع المصري تجاه مواقف المهادنة لتي تبنتها الأحزاب التقليدية، التي مثلت حينذاك البورجوازية العلمانية ذات التوجه الليبرالي في مصر تجاه الاحتلال البريطاني.
وفي عام 1937، أصدر البنّا رسالة اعتبر فيها الاستعمار العدو الأول للدين. وعقب ذلك بعامين، امر البنا اعضاء الجماعة بعدم مهاجمة اهداف بريطانية واعلنت الجماعة عداءها للنازية. الا ان البنا تعرض للاتهام في بداية الأربعينات بالقيام بنشاطات معادية لبريطانيا. وتم اعتقاله بعد ذلك على أيدي السلطات البريطانية في مصر. وذكر البنّا في ما بعد انه رفض عرضاً بريطانيا بتقديم مساعدة مالية لجماعة الاخوان على الرغم من اتهام بعض خصوم الجماعة لها بأنها تلقت خلال وجودها في مدينة الاسماعيلية تبرعات من هيئة قناة السويس ذات الادارة الأجنبية. وأعقب ذلك انضمام جماعة الاخوان لأحزاب الوفد والوطني والاشتراكي مصر الفتاة سابقاً والشيوعيين في رفض عقد اي معاهدة دفاعية مع بريطانيا والولايات المتحدة، وفي الدعوة الى مقاطعة معسكرات القوات البريطانية في منطقة قناة السويس والتي كانت المقر الوحيد لتلك القوات من الناحية الرسمية بعد معاهدة عام 1936. وفي تشرين الاول اكتوبر 1947 انضمت جماعة الاخوان المسلمين الى قوى سياسية اخرى في مطالبة الحكومة بوقف التفاوض مع بريطانيا وعرض المسألة المصرية على مجلس الأمن. ودعت هذه القوى مجلس الأمن الى منح مصر استقلالها.
وعلى رغم التعاون في بعض الأحيان مع قوى وطنية اخرى في النضال ضد الاستعمار، فان بعض منتقدي جماعة الاخوان المسلمين اتهموها بأنها اما تحولت الى اداة للسياسة البريطانية في مصر او اعطت الأولوية لاقامة نظام اسلامي على النضال ضد الاستعمار. ويرجع سبب هذه الاتهامات الى انه في الفترة التالية لعام 1945 ساندت جماعة الاخوان المسلمين حكومات اقلية غير دستورية ارتبطت بالمصالح الأجنبية في مصر. وفسرت الجماعة هذا الدعم بأنه جاء مرتبطا بشرط التزام الحكومة تحقيق الجلاء التام للقوات البريطانية من مصر والسودان. كما عللت الجماعة هذا الدعم بأنها فضلت المساهمة في وحدة وطنية تساند حكومة تفاوض البريطانيين.
وفي عام 1949 اتهمت جماعة الاخوان المسلمين الاستعمار باغتيال مؤسسها حسن البنّا. وفي العام نفسه انضمت الجماعة الى قوى سياسية اخرى في مصر في الدعوة الى الغاء معاهدة 1936 المصرية - البريطانية والى انسحاب القوات البريطانية من مصر. وعقب الغاء حكومة حزب الوفد لمعاهدة 1936 من جانب واحد في تشرين الاول 1951، عانت جماعة الاخوان المسلمين من انقسامات داخلية دارت حول كيفية مواجهة الجماعة للموقف الجديد: فاتجهت غالبية العناصر الشابة في الجماعة الى رفض التفاوض او التعاون مع بريطانيا والى قطع العلاقات السياسية والاقتصادية بين مصر وبريطانيا. وقدم هؤلاء التدريب العسكري والتسليح لمجموعات من الطلاب للمشاركة في حرب الفدائيين التي عرفت باسم حرب التحرير الوطنية في منطقة القناة. وعلى الجانب الآخر، وقف المرشد العام الجديد للجماعة حسن الهضيبي يدعو الى تعليم الناس القرآن كوسيلة طويلة المدى لاعداد الشعب لطرد الانكليز.
ونفى الهضيبي اي مسؤولية للجماعة عن نشاطات كتائب التحرير التي شكلتها مجموعات من شباب الاخوان لمحاربة البريطانيين في منششطقة القناة. وأكد ان اعمال العشنف غير قادرة على طرد البريطانيين. الا ان كثيرا من عناصر الاخوان تعاونوا سرا مع تنظيم الضباط الأحرار لتوفير السلاح ولتدريب كتائب التحرير في منطقة القناة.
كما ان عناصر من الجماعة - خصوصاً من صفوف الشباب - انضموا للجنة الميثاق التي تشكلت مع قوى سياسية اخرى في مصر ضد الاحتلال البريطاني. وأسست هذه اللجنة معسكري تدريب للمتطوعين في جامعتي القاهرة والأزهر.
ورفضت هذه العناصر وضع نشاطاتها ضد بريطانيا في منطقة القناة تحت سيطرة الحكومة، في ضوء اتهامها للحكومة بالعمل على احتواء هذه النشاطات والسعي لتسوية سلمية وديبلوماسية للمسألة المصرية. وعلى رغم ان جماعة الاخوان المسلمين هاجمت دور الأمم المتحدة بشأن القضية الفلسطينية، فانها في المقابل أيدت عرض مسألة الاحتلال البريطاني لمصر على المنظمة الدولية.
وكان رأي جماعة الاخوان المسلمين ان استراتيجيتها تختلف نوعياً عن بقية القوى السياسية في مصر حول مسألة الاستقلال الوطني. فقد كان هدف الجماعة هو انهاء ما اسمته حالة "القابلية للاستعمار" من خلال تغيير الظروف الاخلاقية والاجتماعية والاقتصادية التي اوصلت مصر الى درجة من الضعف جعلتها غير قادرة على مقاومة الاستعمار. وطالبت الجماعة حكام البلدان المسلمة بالعمل على تحرير بلادهم من الاستعمار الغربي حتى يتم احياء الأمة الاسلامية التي تستطيع حينئذ منافسة الأمم الاخرى في القوة والتحضر والرخاء. واتهمت جماعة الاخوان المسلمين الدول الغربية بممارسة ضغوط على الحكومات المصرية المتتالية لحل الجماعة.
وعارضت جماعة الاخوان المسلمين مشاركة مصر في اي نظم دفاعية اقليمية مع بريطانيا عقب انسحاب القوات البريطانية من مصر. ويتصل هذا الموقف بحقيقة ان معارضة الجماعة لبريطانيا لم تنشأ فقط من واقع الاحتلال البريطاني لمصر، وانما اتهمت الجماعة بريطانيا ايضا باصدار وعد بلفور الذي وعد اليهود بوطن قومي لليهود في فلسطين. واقتنعت عناصر في الجماعة بأن دور بريطانيا في محاربة الاسلام في المنطقة وفي دعم اسرائيل ورثته الولايات المتحدة. الا ان هناك عناصر اخرى تحدثت عن امكانية عقد اتفاقيات مع بريطانيا عقب انسحابها من مصر. وفي ما يتصل بالولايات المتحدة الاميركية، سعت قيادات من الجماعة الى الحصول على دعم اميركي لمطلب مصر بالاستقلال عن بريطانيا، فان آخرين عارضوا اي حلف دفاعي مشترك مع الغرب - خصوصاً الولايات المتحدة - لأن مثل هذا العمل يورط مصر في صراعات بين القوى العظمى في العالم قد تنتهي بتدمير مصر. وتشكك البعض في الجماعة بأن اهداف السياسة الاميركية في المنطقة مناقضة لمصالح الاسلام خصوصاً في ضوء الصلات الوثيقة بين اسرائيل والولايات المتحدة. ولم يقتصر عداء الاخوان المسلمين للاستعمار على مصر. فقد اعتبرت احد الأهداف الرئيسية لنشاطاتها تحرير بلاد المسلمين من السيطرة الاجنبية في كافة اشكالها. وأعربت الجماعة عن الأسف لأن المسلمين وأراضيهم تحت حكم واستغلال قوى استعمارية "كافرة".
كذلك رأت الجماعة في الغرب "المسيحي" تهديداً دينياً مباشراً للاسلام. ولذلك عارضت النشاطات التبشيرية في بلاد المسلمين ودعت حكومات البلدان المسلمة لاحكام سيطرتها على هذه النشاطات. واعتبرت الجماعة الارساليات التبشيرية طليعة لحرب صليبية عالمية يؤيدها الاستعمار الغربي، خصوصاً البريطاني. واتهمت الجماعة هذه الارساليات بتقديم حوافز مادية لفقراء المسلمين لاقناعهم بالتحول الى المسيحية. وقد وعت جماعة الاخوان المسلمين في مصر خلال تلك الفترة البعد الاقتصادي للاستعمار الغربي بدرجة أقل من وعيها ببعديه السياسي والثقافي. واتصفت آراؤها في هذا المجال بالعمومية واقتربت من مفاهيم "الوطنية الاقتصادية" التي تبنتها "مصر الفتاة". وتحدثت صحافة جماعة الاخوان المسلمين عن المصالح الاقتصادية الاستعمارية التي تحميها القوات البريطانية في مصر، وفسرت تدهور الأوضاع الاقتصادية في مصر باستمرار استغلالها ونهبها بواسطة الغرب.
وقد عارضت جماعة الاخوان المسلمين الملكية الأجنبية لهيئة قناة السويس وأعلن البنّا ان القناة ملك للمصريين ويجب ان تعود عائدات القناة الى مصر. وقد دانت جماعة الاخوان المسلمين استغلال العمال المصريين بواسطة الشركات التي يمتلكها الأجانب واليهود. وأعربت الجماعة عن رفضها لانتقال ثروات المسلمين الى الدول غير المسلمة، او عمل المسلمين في غير بلاد المسلمين او استهلاك المسلمين لسلع منتجة في بلدان غير مسلمة. وقد هاجمت الجماعة المصارف الغربية التي نهبت ثروات المسلمين ودعت الى تأميم هذه المصارف.
وكرست جماعة الاخوان المسلمين - خلال الفترة من 1928 الى 1954 - جهودا كبيرة لمحاربة ما سمته السيطرة الغربية الثقافية. فعقب الغاء الامتيازات الأجنبية في مصر عام 1937 بعد معاهدة مونتريه، هدفت جماعة الاخوان المسلمين الى العمل على استبدال التشريعات الغربية بالشريعة الاسلامية واتهمت الأولى بتقنين الربا. كذلك هاجم حسن البنا المدارس والجامعات الحديثة لأنها تعمل على نشر الافكار الغربية والالحادية بين الاطفال والشباب. ودعا المسلمين الى تجنب تقليد الغرب في الوجوه السلبية لحضارته. ورفضت الجماعة تقليد العادات الغربية، واعتبرت نشر التغريب في مصر وسيلة الى تحريرها من الاستعمار الغربي مع ربطها حضاريا بالغرب "المتقدم".
وفي مناسبات عدة، دعا المرشد العام حسن البنا الى تدمير ما سماه رموز الحضارة الغربية "الجاهلية" مثل العادات الاجتماعية والمؤسسات والأزياء الغربية. وكانت تلك احدى المرات القليلة خلال تلك الفترة التي استخدمت فيها جماعة الاخوان المسلمين تعبير "جاهلية" باسقاطات معاصرة. وعارضت الجماعة اي محاولة لتحقيق انسجام بين الاسلام والغرب عن طريق علمنة الاسلام الذي اعتبرته مساويا - من الناحية الفعلية - للقضاء على الاسلام. ورأت ان مجد المسلمين يكمن في اتباع المسلمين بديلا عن الحضارة الغربية. وبصفة عامة، وصف البنا الاتجاهات الغربية بپ"السلبية".
ويجب على المرء فهم تركيز جماعة الاخوان المسلمين في مصر على "الخطر الثقافي الغربي" في ضوء حقيقة ان الجماعة تأسست اصلا في مدينة الاسماعيلية في عام 1928، حيث شاهدت الجماعة على الطبيعة الاخطار التي يمكن ان تحدثها عملية التغريب مثل التركيز على البعد المادي والسفه في اظهار الثروة وتقليد المعايير الاجتماعية في تحديد المركز الاجتماعي. ولا شك ان جماعة الاخوان عكست بتلك الآراء شعورا بفقدان الثقة في النموذج الليبرالي الغربي من جانب اعداد من المصريين.
وربطت جماعة الاخوان المسلمين بين البعد السياسي للهجمة الاستعمارية الغربية وبعدها الثقافي. وبالتالي ربطت الجماعة بين مقاومتها للاعتداء السياسي والعسكري الغربي ومقاومتها لما سمته الغزو الفكري والحضاري الغربي. ورأت الجماعة ان الاستعمار الغربي مصرّ على المضي في طريق تغريب المسلمين وفرض القوانين ونظم التعليم الغربية كوسائل تؤدي الى ضمان سيطرته الدائمة على الشعوب والبلدان المسلمة. ولن نتعرض هنا الى المسألة الخلافية الخاصة بالاتهامات المتبادلة بين جماعة الاخوان المسلمين وقيادة ثورة 23 تموز يوليو 1952 بشأن التفاوض مع بريطانيا بين تموز 1952 وتوقيع معاهدة الجلاء في تشرين الاول اكتوبر 1954 بين حكومة الثورة والحكومة البريطانية، وهي مسألة تستحق تناولها بتفصيل في مقام آخر.
وفي ختام هذه الفقرة نقول ان مواقف جماعة الاخوان المسلمين ازاء البعدين الثقافي والحضاري للعلاقة مع الغرب كانت متواصلة ومتسقة خلال الفترة من 1928 الى 1954. الا ان مواقفها تجاه البعدين السياسي والعسكري كانت احيانا متأرجحة.
ويمكن تفسير ذلك جزئيا - بالاضافة الى دور البعد الديني لرؤية الغرب - في ضوء وجود قوات الاحتلال البريطاني في مصر خلال تلك الفترة، وعدم رغبة جماعة الاخوان في الدخول في مواجهة شاملة مع هذه القوات في وقت لم تكن فيه مستعدة لذلك.
واخيرا، يمكننا ان نربط ما بين غموض وعمومية مواقف جماعة الاخوان المسلمين خلال تلك الفترة وعدم رغبة الجماعة في التخلي عن خصوصية مواقفها لصالح تبني وجهات نظر قد تقترب بها من مواقع قوى يسارية في مصر في ذلك الوقت.
فرق المرشد العام حسن البنّا بين معاداة جماعة الاخوان المسلمين كأيديولوجية ونظام سياسي، وبين الحاجة للتعامل مع الاتحاد السوفياتي باعتباره قوة عالمية كبرى. وفي مرحلة تالية، وصف المرشد العام الثاني للجماعة حسن الهضيبي الشيوعية بأنها العدو الأول للجماعة. وذكر الهضيبي انه بما ان جلاء بريطانيا عن مصر مسألة حتمية، فان المهمة الاولى للجماعة هي مقاومة الشيوعية المعادية للأديان. كما اتهمت الجماعة الغرب باستخدام الشيوعيين المصريين لاعاقة اي محاولة لأسلمة القوانين. وقد اعتبرت الجماعة الشيوعية ناتجاً الحادياً للحضارة الغربية ودعت الى مقاومتها من خلال اساليب من بينها تقديم المساعدات المالية للأسر الفقيرة لضمان الوفاء باحتياجاتها الأساسية. الا اننا نذكر هنا ان عددا من القيادات الاسلامية - بمن فيها قادة في جماعة الاخوان المسلمين - رأوا قبل قيام ثورة 23 تموز 1952 ان معركة جماعة الاخوان المسلمين الرئيسية هي ضد الاستعمار البريطاني وليست ضد الشيوعية العالمية، ويمكن القول اجمالاً انه على الرغم من ان موقف جماعة الاخوان المسلمين تجاه الأيديولوجية الشيوعية - القائم اساسا على اعتبارات دينية - كان متواصلا خلال الفترة محل البحث هنا، فقد عانت الجماعة في مناسبات عدة من خلاف داخلي حول كيفية التعامل مع الاتحاد السوفياتي.
وعلى صعيد محمل النظام الدولي ربطت جماعة الاخوان المسلمين بين مسألة تحرير البلدان الاسلامية من سيطرة القوى الأجنبية وبين بزوغ دولة اسلامية حرة وموحدة. وعبرت الجماعة عن قناعتها بوجود مؤامرة ضدها اطرافها الاقطاع والغرب "الصليبي" والشيوعية العالمية والصهيونية بسبب مقاومة الاخوان لاعتداءات هذه القوى ضد العالم الاسلامي ومحاولاتها تدمير العقيدة والاخلاق والشريعة الاسلامية ونشر الانحلال الخلقي والأفكار الالحادية. وقد اتهمت الجماعة هذا التحالف العالمي ل "قوى الشر" باغتيال مؤسسها حسن البنّا عالم 1949.
ورأت جماعة الاخوان المسلمين في الاسلام دينا عالميا موجها لكافة البشر وليس لدولة معينة او شعب بعينه. واعتبرت ان هدف الاسلام هو اعادة بناء الحضارة الانسانية على اساس جديد من التناغم بين الروح والمادة بما يحقق سلاما عالميا حقيقيا. وبالنسبة لجماعة الاخوان المسلمين لم يكن الاحياء الاسلامي مجرد سلاح دفاعي يهدف الى انقاذ مجتمعات المسلمين من الاعتداء الغربي، بل مثل فرصة تاريخية لاعادة الانسانية - التي انحرفت عن مسارها - الى الصراط المستقيم.
وعرفت جماعة الاخوان المسلمين مفهوم "الجهاد" بمعنى العمل الجاد والنضال، واكدت ان الله تعالى أمر المسلمين بالجهاد المسلح فقط عندما يرفض البشر الاستماع الى دعوة الاسلام ويلجأون الى ممارسة القهر ضد المسلمين. واعتبرت جماعة الاخوان المسلمين ان المشاركة في كافة انواع الجهاد واجب على اعضاء الجماعة. وطالبت الجماعة اعضاءها بأن يكونوا دائما في حال استعداد للجهاد والاستشهاد. واعتبرت ان عناصرها مارست الجهاد مرتين: في فلسطين عام 1948 وفي القناة عقب تشرين الاول 1951.
وفي ختام هذه الدراسة الخاصة بمواقف جماعة الاخوان المسلمين في مصر ازاء القضايا الخارجية خلال الفترة من 1928 الى 1954، نلحظ ان الجماعة استخدمت مفهوم وجود مؤامرة دولية ضد الاسلام والاخوان المسلمين بواسطة الصهيونية والشيوعية العالمية والغرب والعلمانيين، خصوصاً عند تعبير الجماعة عن مواقفها بشأن قضية فلسطين. وكان هناك محددان هامان لمواقف جماعة الاخوان المسلمين تجاه الغرب والشيوعية العالمية خلال تلك المرحلة، هما وجود قوات بريطانية في مصر وقضية فلسطين. وعلى رغم استعانة جماعة الاخوان المسلمين بالعامل الديني عند التعبير عن مواقفها بشأن قضايا السياسة الخارجية، فان العوامل السياسية والثقافية كانت لا تقل اهمية في بلورة تلك المواقف، بينما توارت بعض الشيء العوامل الاقتصادية والاجتماعية.
* كاتب مصري مقيم في جنيف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.