"1932. كانت اسبانيا وقتها مغطاة بحشراتها القذرة، شحاذيها. كانوا ينتقلون من قرية الى قرية، في الاندلس لانها دافئة، في كاتالونيا لانها ثرية، ولكن البلد بكامله كان ملائماً لنا. كنت اذاً قملة، وشاعر بذلك كلياً…". بخطه الصغير وبالحبر الازرق، ملأ جان جينيه صفحات لا تحصى من دفاتر المدرسة التي اصبحت وثائق نادرة وقيّمة يعرض عدد منها في مزاد علني تنظمه مؤسسة "دروو" في 5 آذار مارس المقبل في باريس. والوثائق بخط جينيه كانت ملك مارك باربوزا الذي كان يدير دار نشر "لارباتيل" ويصدر مجلة بالاسم ذاته. وحافظ باربوزا، ناشر اعمال جان جينيه منذ الاربعينات، على مجموعة مهمة من المخطوطات التي كان يرسلها اليه الكاتب، كما حافظ على مخطوطات المقالات التي كانت تنشر في مجلته اضافة الى الرسائل التي حملت تواقيع ألبير كامو وانطونان ارتو وجان كوكتو وبول ايلوار وهانري ميشو واندريه مالرو وجان بول سارتر… وغيرهم. تعرض المجموعة كاملة للبيع، وتشكل اعمال جان جينيه الجزء الرئيسي فيها، من بينها: المخطوطتان الاصليتان لپ"اعجوبة الوردة" 43 - 1944 و"سر اطفال الملائكة" 1943 الموقعتان من جينيه. و"سر اطفال الملائكة" هي النسخة الاولى من نص "اعجوبة الوردة" النهائي الذي نشرته دار "لارباتيل" عام 1946، ويحتوي على ذكريات الكاتب لايام اعتقاله في مخيم اصلاحي عندما كان في السادسة عشرة من عمره، حيث يخبّر عن تحول محكوم عليه بالموت الى قديس. وتحمل الصفحة الاولى من المخطوطة جملة نقلها جان جينيه عن سانت - جوست تقول: "اتحدى ان تخلع مني هذه الحياة المستقلة التي اعطيتها لنفسي في القرون وفي السموات". وكان جينيه كتب النص الاول في سجن تورنيل، في نهاية 1943، عندما صدر قانون فيشي لابعاد كل المتشردين. وتقدر المخطوطتان بثمن يتراوح بين 350 و400 الف فرنك فرنسي. وفي المزاد، تعرض للبيع بمبلغ عشرة آلاف فرنك رسالة من جان بول سارتر الى مارك باربوزا يعلّق فيها على نص جان جينيه قائلاً: "… في "اعجوبة الوردة"، كل شيء هو اختيار، الكلمات، المشاهد وترتيب النص المدهش. اختار الكاتب السرقة والسجن، اختار الحب والشعور في الشر. انه يلامس، يظهر نفسه، الا انه لا يستسلم ابداً لفنه ويبقي القارئ على مسافة. وبفضل ذلك، في عمق هذا العالم البعيد، في جحيم الاخطاء، اللصوص والزنزانة، نجد انساناً". ويذكر ان جان بول سارتر كان اول فيلسوف يضع كتاباً عن نتاج جينيه، لحقه في ذلك جاك ديريدا. ومن مخطوطات جينيه ايضاً مجموع المخطوطات والتصحيحات لمسرحية "الشرفة" 1957 المقدرة بپ400 الف فرنك فرنسي، ومخطوطة مسرحية "الزنوج" التي قدرت بالمبلغ ذاته، في حين وضع ثمن 500 الف فرنك للمخطوطة الاولى والكاملة لعمل جينيه الشهير "يوميات سارق" 1945 - 1946… ويضم المزاد الصور الفوتوغرافية والبطاقات البريدية التي كان يبعث بها جينيه الى مارك باربوزا وزوجته اولغا، وملاحظات جينيه الى ناشره في رسائل عنيفة احياناً كتلك التي يقول فيها: "تتشبث، رغماً عني، بفرض صيغة الاستمرار للربط. لا احب مداخلاتك. يمكنك كتابة المسرحيات ان اردت ولكن لا تخربش مسرحياتي. اكتب كما اريد…". ومن الوثائق القيمة في المزاد وثيقة ولادة ممزقة، اعيد لصقها، لابن كاميل غبريال جينيه الطبيعي جان جينيه الذي ولد في 19 كانون الاول ديسمبر 1910، وقد قدرت مع مجموعة من الرسائل بپ12 الف فرنك فرنسي. وجان جينيه الذي ارتبط اسمه بالفلسطينيين وقضيتهم منذ السبعينات فوضع احد اجمل نصوصه وآخرها عنهم "الاسير العاشق" - صدر عن دار "غاليمار" بعد مرور شهر على وفاة الكاتب في 15 نيسان ابريل 1986 - كان يريد "ان يحفظ في مكان آمن كل تصورات الكلام وان يستخدمها، لانها في الصحراء حيث يجب الذهاب للبحث عنها"…