تحصد مخطوطات الشعراء أسعاراً مرتفعة للغاية في مزادات في باريس، وكان آخرها الذي نظمته مؤسسة "دروو" في نهاية آذار مارس الماضي وشهد نجاحاً كبيراً عندما سجل المبيع ما يزيد عن عشرين مليون فرنك فرنسي. ولا عجب فبعض المخطوطات المعروضة يحمل تواقيع ارتور رامبو ورينيه شار واندريه بريتون وبول ايلوار. حصدت وثائق رامبو النادرة جداً أفضل الأسعار، فمخطوطة "رسالة المستبصر" التي نسخها الشاعر بيده والتي يعتبرها كثيرون كالبيان التأسيسي الحقيقي للشعر الحديث بيعت الى "المكتبة الوطنية" بثلاثة ملايين فرنك فرنسي. وكذلك رسالة رامبو الى ارنيست دولاهاي في شتوتغارت المؤرخة 1875 والمزيّنة برسومات وضعها رامبو بالريشة، ويروى فيها عن لقائه الشاعر بول فيرلين، فحصلت عليها "المكتبة الوطنية" بمليون فرنك فرنسي. أما مخطوطة رينية شار الأصلية لديوانه "قبر الأسرار" التي تضم 12 صورة فوتوغرافية حملت احداها ملصقاً وضعه اندريه بريتون وبول ايلوار عام 1930 فبيعت ب 560 ألف فرنك فرنسي. أمام هذه الأسعار، لا بد من التساؤل عن الثمن الذي سيسجله ديوان شاعر كبير آخر هو شارل بودلير سيعرض للبيع في مطلع حزيران يونيو المقبل عند "دروو"، وهو الاختبارات الأولى الكاملة للطبعة الأصلية من ديوان "ازهار الشر" 1857. مكتب المفوّضين المسؤولين عن المزاد "لوران، غييو وبوفوتو" وضع تقديراً يصل الى ثلاثة ملايين دولار للعمل الذي يحمل تصحيحات بودلير وتبديلاته. وهذا الديوان الثمين الذي جمّعه ناشر الشاعر وصديقه، اوغوست بوليه - ملاسيس، يظهر "العذاب" الأدبي الذي كان يخضع له مع شارل بودلير، فهذا الأخير لم يكن يعطي موافقته على النشر إلا بعد تسجيله ألف ملاحظة. وعلى ظهر إحدى الطبعات الاختبارية، يكتب بوليه - ملاسيس: "سنجد في مكتبتي نسخة من "ازهار الشر" التي ستعرّف برغبة المؤلف في الاتقان ودقته وتشككاته، وستعطي فكرة جيدة عن صبر المطبعي". ويقول كلود بيشوا، أحد الاختصاصيين بأعمال بودلير أنه "يمكن ايجاد عشر نسخ من نص شعري واحد. كان يصحح، يبدّل، ويضيف مقاطع وذلك بهم مفرط تجاه صفاء نصه". ويضيف: "لا توجد مخطوطة اصلية من "أزهار الشر"، كما لا توجد مخطوطات عديدة بيد بودلير لأن منضدي الحروف كانوا يعالجون النصوص الأصلية بأيد مليئة بالحبر. وخلال النصف الأول من القرن التاسع عشر، استطاع عدد قليل جداً من الكتاب ان يتجنب هذا المرور الى المطبعة". هكذا يبقى الديوان المعروض للبيع والمحمّل بملاحظات بودلير أقرب الى مخطوطة أصلية، وقد حوفظ عليه في مجموعة خاصة.