عندما وصل الرئيس الاميركي دوايت د. ايزنهاور الى الحكم خلفاً للرئيس هاري ترومان، كان في وسع الكثير من الاميركيين ان يتنفسوا الصعداء، ليس لأنه عضو في الحزب الجمهوري، بالطبع، بل لأن الرجل كانت له سمعة كبيرة وشعبية طيبة، ولا سيما بفضل الانتصارات التي تحققت على يديه خلال الحرب العالمية الثانية. ولأنه خلال تلك الحرب كان قاد قوات الحلفاء وتعرف الى السوفيات والأوروبيين عن كثب، كان من المعتقد في الولاياتالمتحدة وخارجها ان عهده سوف يكون عهد انفتاح وهدوء على الصعيد الدولي بعد ان اوصل سلفه ترومان العالم الى حافة الحرب الباردة، والأميركيين الى اسوأ مراحل مطاردة السحرة من جراء استشراء الماكارثية. ولما كان ترومان انتفض بشكل اساسي ضد سياسة سلفه الكبير روزفلت، كان من المتوقع من ايزنهاور ان يخفف من غلواء ذلك الانتفاض. ومن هنا صاحب وصوله الى السلطة مناخ من التفاؤل والحبور. ولكن، في اليوم الثاني من شباط فبراير 1953، وحين استمع الاميركيون الى أول خطاب رئاسي ألقاه ايزنهارو ما ان تسلم الحكم، حتى ساد بينهم نوع من الاحباط والأسى، وكثير من خيبة الأمل. فالحال ان ما جاء في خطاب ايزنهاور الأول ذاك كان متناقضاً كل التنافض مع ما كان متوقعاً منه. فهو اعلن اول ما أعلن التخلي عن سياسة "الصفقة الجديدة" التي كانت عماد سياسة روزفلت الاقتصادية الديموقراطية. من هنا كان أول قرار أعلنه ايزنهاور هو التخلي عن سياسة الرقابة على الأسعار والأجور. وهو أمر لم يقترب منه ترومان على رغم عدائه الشديد لكل ما كان روزفلت يمثله، وعلى رغم انه كان يعتقد بأن الشيوعيين هم الذين كانوا يسيّرون سياسة الدولة الاقتصادية في عهد روزفلت. غير ان الطامة الكبرى كانت في ميدان السياسة الخارجية، حيث اتى ايزنهاور ليؤكد على زعامة اميركا على بقية انحاء العالم، قائلاً بكل وضوح ان على الولاياتالمتحدة ان تكون زعيمة العالم وان تنال أقصى درجات الدعم من شعبها ومن حلفائها في ذلك. كما ان عليها ان تعالج البلدان الشيوعية معالجة حاسمة حازمة لا تنازل فيها ولا مساومة. وكان من الواضح ان ما حرّك ايزنهاور، بشكل اساسي، في هذا المجال، هو ما كان قد كشف عنه، وما سيتأكد بعد شهور، من ان الاتحاد السوفياتي يمتلك القنبلة الهيدروجينية. وكان ايزنهاور، مثله في هذا مثل بقية الزعامات الغربية، يعتبر ان امتلاك السوفيات السلاح الهيدروجيني بعد امتلاكهم السلاح النووي، يلغي حالة التفوق الاميركية في هذا المجال، ويخلق نوعاً من توازن للرعب، تصبح فيه موسكو نداً لواشنطن في رسم سياسة العالم وتنفيذها، وهو أمر ما كان بامكان زعيم اميركي ان يستسيغه في وقت كان من الواضح فيه ان واشنطن بدأت تخوض معركة كبيرة ضد حلفائها الأوروبيين في باريس وفي لندن خصوصاً من اجل الحلول مكانهم في السيطرة على العالم. اضافة الى ذلك كله اعلن ايزنهاور ان على الولاياتالمتحدة ان تعمل على الغاء المعاهدات التي نتجت عن انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية من تلك التي تقسم العالم، نفوذاً، بين الكتلتين. الى ذلك اعلن الرئيس الاميركي الجديد ان على الغرب ان يزيد من دعمه لفورموزا ضد الصين الشيوعية. وهذا الأمر بالذات اثار حنق لندن التي كانت تؤيد بكين ضد فورموزا، حفاظاً على مصالحها في هونغ كونغ. اخيراً اعلن ايزنهاور ان وزير الخارجية الجديد جون فوستر دالاس سوف يقوم قريباً بجولة اوروبية يتولى خلالها شرح السياسة الاميركية الجديدة للأوروبيين. وهو ما زاد بالطبع من استياء الأوروبيين وغيرهم...