أصدر "مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية" تقريره السنوي استعرض فيه حال المغرب، والأحداث الكبرى التي تهم علاقاته الدولية والاقليمية، والتطورات الاقتصادية والسياسية الداخلية. وتأرجح التقرير بين اعتماد قواعد ذات انشغالات استراتيجية، وبين نهج اسلوب وصفي يرصد احوال المغرب العامة. ونظراً للتجربة المحدودة للغاية في مجال الاختصاص او التأليف الاستراتيجي في المغرب غلب على التقرير، كما هو شأن التقريرين السابقين، الطريقة الاستعراضية التي تلتقط الوقائع والاحداث، وتؤرخ لقرارات ومعاهدات، وتصف الأمور كما جرت طوال السنة. يبدأ التقرير ببديهية وهي أن المغرب لا يشكل "قوة عظمى أو متوسطة"، وإنما هو بلد معرض، بشكل كبير، لتأثيرات التقلبات الدولية، بفعل موقعه الجغرافي، ومستواه الاقتصادي وأدواره السياسية. لهذا السبب - ولأسباب أخرى عدة - ركز التقرير على الجوانب الاقتصادية، ودورها في تحديد السلوك الخارجي للمغرب، كما في تكييف الاختيارات السياسية والاجتماعية الداخلية. ولاجل ابراز هذه الاختيارات ركز المشاركون في تحرير التقرير على البحث عن المعطيات والوقائع الآتية: كرونولوجيا الاحداث، بيانات، احصاءات ومعلومات من مصادر الفاعليات الاقتصادية والسياسية. وتضمين النصوص المعروضة بعض الاجتهادات التحليلية، ثم تأطير المعطيات في سياق التطورات التاريخية التي يشهدها المغرب. وتوزع التقرير على جزئين: الاول يتعلق بعلاقات المغرب والعالم، والثاني يركز على الوضع الداخلي. في الجزء الاول استحضر علاقات المغرب والقوى العظمى، والمغرب والمجال المغاربي والعربي، ودوائر التضامن والتعاون، ثم علاقات المغرب بالمؤسسات المالية الدولية. وتركز الجزء الثاني على الظرفية السياسية، والوضعية الاقتصادية والاجتماعية والقضايا التعليمية والثقافية. ففي اطار علاقات المغرب والقوى العظمى تعرض التقرير لارتباطات المغرب بأوروبا من زاويتين: الأولى تناولت اوروبا باعتبارها اتحاداً بمختلف دوائره وآليات اشتغاله، والثانية تعاملت مع اوروبا كدول فردية، إذ ان طبيعة العلاقة بين المغرب وفرنسا او اسبانيا مثلاً تختلف، بشكل كبير، عن أنواع التعاون بينه وبين باقي دول اوروبا الغربية. حددت الندوة الاورو - متوسطية، التي انعقدت في برشلونة تشرين الثاني/ نوفمبر 1995 دعائم الشراكة التي تستهدف الانتقال التدريجي من نظام الامتيازات التجارية الاحادية الطرف الى "جيل جديد" من الاتفاقات مع الاتحاد الاوروبي مبني على الامتيازات التجارية المتبادلة. في هذا الاطار العام يدعو المغرب الى احترام بعض خصوصيته في العلاقة مع الاتحاد، أولاً لارتباط اقتصاده بأوروبا، وثانياً بسبب ملف الصيد البحري الذي يمثل اهمية خاصة بالنسبة للأوروبيين. وعلى رغم الحاح المغرب على هذين الاعتبارين لم يأخذ الاتحاد الاوروبي بهما اثناء المفاوضات على توقيع اتفاق الشراكة في 26 شباط فبراير 1996. وبدأ سريان مفعولها ابتداء من اول كانون الثاني يناير 1997 لمدة غير محددة تستهدف ارساء منطقة تبادل حر أورو - متوسطي تركز على المنتوجات الصناعية، وتستبعد المواد الزراعية مع الزام المغرب بالغاء تدريجي - داخل أجل 12 سنة - للحواجز الجمركية والرسوم المماثلة لها على واردات المواد المصنعة أوروبياً في افق تأسيس منطقة فعلية للتبادل الحر سنة 2010. وشهدت سنة 1997 اخذاً ورداً بين المغرب والاتحاد الاوروبي في مجال الحصة التي يتعين على الاتحاد تخصيصها لدعم الاقتصاد المغربي، كما انتقد، مراراً، التأخير الحاصل في صرف المساعدات، في حين يرد رئيس ممثلية الاتحاد الاوروبي في المغرب بأن التزامات "ميدا" غير اجبارية، وأنه على المغرب ان يبرهن عن قدرته على الابتكار، واقتراح مشاريع محددة للتمويل. أما في ما يخص العلاقة مع الدول الاوروبية، تميزت سنة 1997 باعطاء دفعة جديدة وقوية للعلاقات المغربية الفرنسية، إذ زار الوزير الاول الفرنسي ليونيل جوسبان المغرب على رأس وفد لتعزيز اطر الشراكة بين البلدين، وتحويل علاقاتهما، كما أكد على ذلك وزير الخارجية هوبير فيدرين، الى "شراكة مرجعية". واثبتت دلائل عدة ان الموقف الفرنسي من التحولات الداخلية في المغرب شجع على انجاح تجربة التناوب السياسي وتقلد عبدالرحمن اليوسفي مسؤولية الوزارة الاولى. وعملت باريس، لتشجيع هذا التوجه، على تقديم مساعدات اضافية في اطار التعاون، وعلى تحويل جزء من الدين الى استثمارات في المغرب. واستعرض التقرير كذلك أوجه العلاقات بينه وبين كل الدول الاوروبية على حدة، مستعرضا اشكال التعاون الاقتصادي وحجم المبادلات والتعاون التقني والعلمي، من خلال جداول وأرقام. من ناحية اخرى توقف التقرير عند العلاقات المغربية - الاميركية، مركزاً على الموقف الاميركي من التطورات الاخيرة لقضية الصحراء، والعلاقات الثنائية ودور المغرب في تنفيذ اتفاقات السلام بالشرق الاوسط. واستعرض اقوال السفير الأميركي السابق مارك غينسبورغ وتقييمه لحصيلة ما قام به طوال السنوات الاربع الماضية، والجهود التي بذلها من أجل وضع أسس علاقة تعاون متينة تليق بمستوى العلاقات التاريخية التي تربط واشنطنوالرباط. بعد أن تناول التقرير التطورات التي حصلت على علاقات المغرب بمجاله المغاربي والعوائق السياسية التي تحول دون تنشيط هذه التجربة العربية التعاونية، ومختلف التشابكات الدولية التي تتخذ من هذه المنطقة اطاراً لها، كدور فرنسا والولايات المتحدة او تداعيات قضية الصحراء... الخ، تعرض إلى علاقات المغرب بما سماه دوائر التضامن والتعاون، سيما مع افريقيا ودول آسيا واميركا اللاتينية. كما أفرد مساحة لعلاقات المغرب بالمؤسسات المالية الدولية ودلالات فتح فرع تابع للبنك الدولي في الرباط، مستعرضا، بالأرقام، حجم المديونية والقروض والمجالات التي صرفت فيها. ركز الجزء الثاني على الوضع الداخلي المغربي في ابعاده السياسية، وحالته الاقتصادية والاجتماعية، ومظاهره التعليمية والثقافية، ورسم التقرير، على صعيد الأحداث السياسية لسنة 1997، لوحة كاملة لاهم الوقائع والمواعيد السياسية التي افضت الى تشكيل حكومة تناوب في آذار مارس 1998، إذ تعرض للانتخابات والنشاط الحكومي، واشغال البرلمان، ولما سماه ب "الفاعلين السياسيين داخل الحقل السياسي الرسمي"، مستعرضاً مكونات الكتلة الديموقراطية وأحوالها التنظيمية ونتائجها في الانتخابات، وتشكيلات أحزاب الوفاق، والاحزاب التي اصبحت تعرف باحزاب الوسط، كاشفا عن التحالفات الجديدة، والمساومات التي حصلت سواء اثناء الانتخابات، او في عملية تشكيل الحكومة الجديدة. وتعرض التقرير لما سماه ب "الفاعلين خارج الحقل السياسي الرسمي"، مركزاً على الحركة الاسلامية باتجاهيها "جماعة العدل والاحسان" و"البديل الحضاري"، واستعرض على اليسار بعض أوجه نشاط أحزاب "الاتحاد الوطني للقوات الشعبية" و"حزب الطليعة الديموقراطي الاشتراكي" و"اختيار النهج الديموقراطي" و"الحركة من أجل الديموقراطية". فمن هذه الاحزاب من قاطع الانتخابات لفقدانها شروط النزاهة والشفافية، ومنها، خصوصاً "الحركة من أجل الديموقراطية"، من اختار الدخول في تجربة الانتخابات على رغم السلبيات المتعددة المحيطة بتحضيرها والتداخلات التي تحصل اثناء اجرائها. ونظراً للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي يشهدها المغرب، في السنوات الاخيرة، ولمضاعفاتها السياسية المتنوعة، توقف التقرير عند معالم الظرفية الاقتصادية بمجالاتها المختلفة، من صناعة وتجارة داخلية وخارجية وخدمات وللاستثمارات الاجنبية المباشرة. ورصد، على الصعيد الاجتماعي، أهم الاحداث النقابية وتطورات حركة التمدين ووضعية العالم القروي، والظروف الصحية، ومشروع اصلاح القضاء والعمل الجمعوي. شكلت الأوضاع التعليمية والثقافية محوراً خاصاً في التقرير قياساً للمشاكل المستعصية التي يتخبط فيها النظام التعليمي بقنواته المختلفة، ولعجزه عن مواكبة التحولات الاقتصادية وأحوال سوق العمل، وكذلك للصبغة السياسية التي يكتسيها هذا الملف، نظراً لما ينتظره الفاعلون السياسيون من اصلاح التعليم، خصوصاً ما يتعلق بالمجانية وباللغة. وعمل التقرير على رصد أهم ما ميز الوضعية التعليمية من تطورات، مؤسسياً، وسياسياً، ونقابياً. وتوقف عند وثيقة "مشروع اصلاح التعليم العالي والبحث العلمي" قصد هيكلة هذا القطاع وتنظيم مجالات البحث العلمي، وضبط الاجهزة وتحديد مصادر التمويل، واصلاح النظام الاساسي للاساتذة والدكتوراه... الخ، واستعرض أوضاع الحركة الطلابية والنشاط النقابي والسياسي للطلاب. ولاحظ التقرير كيف ان السياسة الحكومية لم تقرر بعد ان تجعل من الشأن الثقافي قطاعاً له أهميته الضرورية في مجتمع يعاني من نسبة عالية من الامية، لذلك بقيت التجريبية هي السائدة في كل حقول الانتاج والتعبير والتدبير. هذه هي أهم المواضيع والقضايا التي استعرضها "التقرير الاستراتيجي للمغرب، 1997 - 1998"، واختار محرروه اسلوب الرصد والوصف واستحضار الاحداث، وكرونولوجيا الوقائع والمعطيات الاحصائية الحديثة، كما تقدمها الوثائق والتقارير ووسائل الاتصال. لا شك في أن متصفح هذا التقرير يجد معلومات لا حصر لها عن احوال المغرب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وعلاقاته مع مختلف بلدان العالم، إلى نصوص مفيدة في تكوين نظرة عما شهده هذا البلد العربي من تطورات طوال السنة. ويلاحظ أن هذا التقرير استبعد ما يدخل ضمن معايير التقييم كما هو الحال بالنسبة للأعمال الاستراتيجية التي تصدر في بعض البلدان العربية والعالمية. فهو أقرب الى وصف "حال المغرب" منه الى التزامه منهجية استراتيجية. فعلى رغم استعراضه لعلاقات المغرب بالدول العظمى أو باقي بلدان دوائر التضامن والتعاون مثلا، فهو يقوم بذلك من دون الوقوف عند نمط تدبير السياسة الخارجية المغربية، وكأن الامر يتعلق باجتناب مقصود لقطاعات حساسة، حتى وان دخلت ضمن اولويات التقييم الاستراتيجي. وفي كل الاحوال، ومهما كانت الملاحظات التي يمكن تسجيلها على هذا العمل، فإن "مركز الدراسات والابحاث في العلوم الاجتماعية" يعود له الفضل في اقتحام هذا المجال. والظاهر ان هذه المبادرة تتخذ ابعادا جديدة كل سنة، وهو ما يجعل منها مرجعا لابأس باهميته لمتابعة ما يجري في المغرب من احداث وتطورات.