من المتوقع ان يطرأ تباطؤ في معدل نمو الناتج المحلي الاجمالي الحقيقي في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا هذه السنة، وان يكون في حدود 0.8 في المئة وهو اقل من نصف مستواه في العام الماضي. كما من المتوقع ان يكون النمو في الدول ذات الاقتصاديات الاكثر تنوعاً افضل منه في دول مجلس التعاون الخليجي، فمن المقدر ان تسجل مجموعة دول مجلس التعاون الخليجي نمواً سلبياً في الناتج المحلي الاجمالي الحقيقي. في حين ان الدول العربية الاخرى تبدو في وضع افضل نسبياً، وستحتل مصر مركز الصدارة اذ يتوقع لها ان تسجل معدل نمو قوي للسنة السابعة على التوالي قد يصل الى حوالى 5 في المئة، اما بالنسبة للبنان فان من غير المحتمل ان يتجاوز النمو 2.5 في المئة، في حين ان معدلات النمو لكل من تونس والمغرب والاردن يتوقع لها ان تصل الى 4.2 في المئة، 3 في المئة، 0.5 في المئة على التوالي. دول مجلس التعاون الخليجي وضعت الدول الخليجية المنتجة للنفط هذا العام سياسات مالية تقشفية بسبب التوقعات باستمرار ضعف اسعار النفط خلال الاشهر القادمة. ان قراءة في الميزانيات الحكومية لعام 1999 تشير الى انخفاض كبير في العائدات وفي الانفاق العام يرافقه زيادة في العجز لم تشهد لها المنطقة مثيلاً منذ منتصف الثمانينات. في الوقت الذي سجلت فيه دول مجلس التعاون زيادات هامشية في ناتجها المحلي الاجمالي المقوم بالاسعار الحقيقية، كان هناك انخفاضاً حاداً في الناتج المحلي الاجمالي الاسمى اي المقوم بالاسعار الجارية العام الماضي قدر بحوالى 10.8 في المئة في المملكة العربية السعودية و5.6 في المئة في الامارات العربية المتحدة و6 في المئة في الكويت و8 في المئة في عمان و4 في المئة في البحرين. فقط قطر سجلت نمواً ايجابياً بالاسعار الإسمية بلغ حوالى 4 في المئة العام الماضي. لقد نما الانتاج المحلي الاجمالي الحقيقي في السعودية بنسبة 1.6 في المئة العام الماضي، بالمقارنة مع الناتج المحلي الاجمالي الاسمي والذي انخفض بمقدار 10.8 في المئة الى 487.5 بليون ريال سعودي 130 بليون دولار بعد ان كان 545.6 بليون ريال سعودي 145 بليون دولار في عام 1997. وتعزى الفجوة الكبيرة بين النمو الحقيقي والاسمي الى الانخفاض في اسعار النفط واسعار المواد البتروكمياوية في عام 1998 الذي ادى بدوره الى هبوط بمقدار 34.8 في المئة في الناتج المحلي الاجمالي الاسمي لقطاع النفط، في الوقت الذي لم تسجل فيه القطاعات الاقتصادية غير النفطية اي نمو يذكر. تضع ميزانية المملكة العربية السعودية لعام 1999 اجمالي النفقات الحكومية عند مستوى 165 بليون ريال 44 بليون دولار اميركي اي حوالى 12.7 في المئة اقل من الانفاق المتحقق فعلياً لعام 1998 الذي بلغ 189 بليون ريال سعودي 50.4 بليون دولار اميركي. ويحظى الانفاق الجاري والذي يشمل على الاجور والفائدة على الدين الداخلي، والمواد التي تشتريها الدولة والخدمات المقدمة لها بنصيب الاسد في الانفاق الاجمالي. وتشير التقديرات انه لم يخصص سوى مبلغ خمسة بلايين ريال سعودي 1.03 بليون دولار للانفاق الرأسمالي على المشاريع. ان السياسة المالية المتشددة هذا العام متلازمة مع سياسة نقدية انكماشية وقطاع نفطي يعاني من الضعف قد يؤدي الى انخفاض في الناتج المحلي الاجمالي بالاسعار الحقيقية بنسبة 0.8 في المئة في حين يتوقع ان يكون انخفاض الناتج المحلي الاجمالي بالاسعار الجارية الاسمية بنسبة 5 في المئة ويتوقع لاسعار الريال السعودي ان تبقى عند معدل 2 في المئة اعلى من اسعار الفائدة على الدولار الاميركي مما سيقلص من المضاربات على الريال ويساعد في المحافظة على السعر المحدد لصرف الريال مقابل الدولار، غير ان ارتفاع اسعار الفائدة هذا سينعكس سلباً على القطاع الخاص الذي نما بمقدار 2.2 في المئة بالاسعار الجارية في عام 1998 ولا يتوقع لهذا القطاع ان يسجل اي نمو يذكر هذا العام. من المتوقع ان تحافظ المملكة هذا العام على معدل انتاج نفطي يصل الى 8.3 مليون برميل يومياً وهو قريب من معدل الانتاج لعام 1998 ولكنه اقل من معدل عام 1997 الذي بلغ 8.6 مليون برميل يومياً. ان تقديرات العائدات النفطية في ميزانية السنة الحالية يأتي في حدود 78.8 بليون ريال سعودي 21 بليون دولار اميركي مما يعني ضمناً ان سعر التصدير المتوقع للنفط السعودي سيكون حوالى عشرة دولارات للبرميل او ما يعادل 11.5 دولار للبرميل من خام برنت. من الجدير بالذكر ان ميزانية عام 1999 لم تتضمن اجراءات محددة لزيادة الواردات غير النفطية والتقليل من العجز في ميزانية المملكة. ولقد اخذت بعض الاجراءات المتواضعة في نهاية عام 1998 شملت تقليص الدعم الحكومي لشركة الطيران الوطنية وقطاع الطاقة، اذ تم رفع اسعار تذاكر السفر على الخطوط الداخلية للدرجة الاولى ودرجة رجال الاعمال، واستحداث ضريبة مغادرة في المطار على الرحلات الدولية. كما ان قوائم رسوم جديدة ادخلت على كبار مستهلكي الكهرباء وسيآل الى تطبيقها هذا العام. ويقدر العجز المالي بحوالى 44 بليون ريال 11.73 بليون دولار لعام 1999، مقارنة بالعجز المتحقق فعلياً لعام 1998 الذي بلغ 46 بليون ريال 12.2 بليون دولار وبما ان الناتج المحلي الاجمالي انكمش بمقدار 10.8 في المئة بالاسعار الجارية الى 478.5 بليون ريال سعودي 130 بليون دولار العام الماضي، فان نسبة عجز الموازنة الى الناتج المحلي الاجمالي والذي قدر بحوالى 3.3 في المئة في ميزانية عام 1998 ارتفع بشكل حاد الى 9.7 في المئة. واذا ما صحّت التوقعات وتراجع الناتج المحلي الاجمالي لعام 1999 الى نحو 463 بليون ريال 123.5 بليون دولار فان نسبة عجز الموازنة الى الناتج المحلي لهذا العام ربما وصلت الى 9.5 في المئة وكما في السنوات السابقة فان تغطية العجز في الموازنة سيتم من خلال الاقتراض الداخلي خاصة من مؤسسات القطاع العام وصناديق الضمان والتقاعد. ويقدر ان يرتفع اجمالي الدين الداخلي للحكومة الى ما يساوي 537 بليون ريال سعودي 143 بليون دولار بنهاية عام 1999، اي بزيادة 44 بليون ريال وهو عجز الميزانية المتوقع تمويله داخلياً. وسترتفع عندها نسبة الدين الداخلي الى الناتج المحلي الاجمالي من 101 في المئة في عام 1998 الى 116 في المئة في عام 1999. عُمان أظهرت ميزانية عُمان لعام 1999 عجزاً مقداره 631 مليون ريال عُماني 1.638 مليون دولار اي اكثر من ضعفي العجز المقدّر في ميزانية عام 1998. فقد بلغ العجز المتحقق فعلياً العام الماضي 311 ريالاً عُمانياً 808 ملايين دولار اميركي وهو اكثر بقليل من العجز الذي توقعته ميزانية عام 1998 والذي بلغ 295 مليون ريال عماني 782 مليون دولار. ومن الطبيعي ان تتأثر النشاطات الاقتصادية في البلاد بتقليص الانفاق هذا العام بمعدل يتراوح بين 6 في المئة و7 في المئة ويتوقع لنمو الناتج المحلي الاجمالي الحقيقي ان يتراجع بنسبة 1.5 في المئة بعد زيادة قدرت بحوالى 1 في المئة في عام 1998. وبالمقابل فان معدل الانخفاض في الناتج المحلي الاجمالي الاسمي هذا العام يتوقع ان يكون بحدود 2.5 في المئة اذ سيصل الى 14.2 بليون دولار، كما يتوقع لنسبة عجز الموازنة الى الناتج المحلي الاجمالي ان ترتفع الى 10 في المئة هذا العام بعد ان كانت عند حدود 6 في المئة في السنة الماضية. ووضعت ميزانية عام 1999 بعض الاجراءات التي تساعد على زيادة في الدخل غير النفطي، فمثلاً تضاعفت الضرائب على المركبات لتصل الى حدود 10 - 15 في المئة، كما تمت زيادة الضرائب على الشركات الى 12 في المئة مقارنة مع 7.5 في المئة سابقاً، كما ان الضرائب على السلع الكمالية ارتفعت من 5 في المئة الى 15 في المئة. البحرين اما بالنسبة للبحرين، فمن المتوقع ان يكون هناك عجز سنوي في ميزانية عامي 1999 - 2000 مقداره 30 مليون دينار بحريني 842.1 مليون دولار اي ضعفي العجز الموازي في ميزانية عامي 1997 - 1998، الذي بلغ 150 مليون دينار بحريني 374.7 مليون دولار اميركي ويتوقع للايرادات العامة ان تصل الى 1138 مليون دينار بحريني 2995 مليون دولار اي انخفاض بنسبة 9 في المئة من ايرادات الميزانية السابقة في حين يتوقع للانفاق ان يتراجع بنسبة 4.5 في المئة ومن المتوقع ان يمول العجز عن طريق الاقتراض من السوق المحلي ومن صناديق التنمية في المنطقة. وهناك مخطط لخصخصة قطاع الكهرباء، والمواصلات والمياه خلال السنتين القادمتين. ويتوقع ان يكون النمو في الناتج المحلي الاجمالي الحقيقي سالباً هذا العام عند حدود 0.5 في المئة بعد ان كان حقق نمواً ايجابياً بلغ 1.2 في المئة في عام 1998، وقد استفادت البحرين والتي تعتبر من اكثر الاقتصاديات الخليجية تنوعاً، من الدور الذي تلعبه القطاعات غير النفطية وبالاخص قطاع السياحة والقطاع المصرفي. الكويتوقطروالامارات من المتوقع ان تنشر الكويتوقطر الموازنات العامة للسنة المالية 1999 - 2000 في شهر حزيران يونيو بينما لم تنشر الامارات ميزانيتها لعام 1999 لغاية الآن. وتقوم الدول الثلاث بسلسلة من الاجراءات للحيلولة دون تنامي العجز في موازناتها، كما يتوقع ان يكون النمو في الناتج المحلي الاجمالي الحقيقي لعام 1999 للكويت -1 في المئة ولقطر 2.5 في المئة، ولدولة الامارات العربية المتحدة 0.5 في المئة، وان تتجاوز نسبة العجز في الميزانية الى الناتج المحلي الاجمالي لهذه السنة 16 في المئة في الكويت مقارنة بنسبة 10 في المئة لدولة قطر و1.1 في المئة لدولة الامارات العربية المتحدة. هذا وتنفرد الامارات بأنها اكثر دول الخليج مقدرة على مواجهة التباطؤ الاقتصادي في المنطقة اذ ان ايرادات ابو ظبي من الاستثمارات الخارجية تفوق تلك المتحققة لها من تصدير النفط، كما ان تنوع اقتصاد دبي يخفف من تأثير تقلبات اسعار النفط غير ان الامارة لا بد ان تتأثر من تراجع تجارة اعادة التصدير والنشاطات السياحية المرتبطة بالتباطؤ الاقتصادي في المنطقة. اما بالنسبة لدولة قطر فان ارتفاع النمو الحقيقي المتوقع هذا العام والنمو المتحقق عام 1998 مقارنة بدول مجلس التعاون الخليجي الاخرى، يعود الى الزيادات الكبيرة في انتاج مشاريع الغاز الطبيعي. بالاضافة لذلك فلقد خطت قطر خطوات سريعة باتجاه الخصخصة بعد ان نجحت في بيع اسهم شركة الهاتف الحكومية العام الماضي. الدول العربية الاخرى يتوقع ان يكون النمو في الناتج الاجمالي الحقيقي لمصر الاعلى في المنطقة هذا العام اي في حدود 5 في المئة فالسياسات الاقتصادية السليمة والمستوى المنخفض للدين العام والاحتياطات الخارجية المرتفعة كلها امور تدعم النظرة التفاؤلية للوضع الاقتصادي وتشجع القطاع الخاص المحلي والخارجي على الاستثمار. غير ان هناك بعض التطورات التي استجدت عام 1998 والتي لا بد من معالجتها ، اذ وصل العجز في الحساب الجاري الى 5 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي مقارنة بالفائض المسجل في العام الذي سبقه وظهرت بعض الضغوطات على الجنيه المصري، وسجل انخفاض في الاستثمارات الخارجية المباشرة بنسبة الثلث، كما تراجعت استثمارات المحافظ المالية المتدفقة الى البلاد بمقدار 248 مليون دولار. هذه كلها امور ينظر اليها على انها مرحلية ويسهل تصليحها، غير انه اذا ما تفاقمت مثل هذه التطورات، لا بد للدولة عندها من اعادة النظر في السياسة الحالية التي تعتمد سعر صرف ثابت، ومعدل فائدة غير مرن وتتجنب تخفيضات الاحتياطات الخارجية. اما بالنسبة للبنان فقدّر النمو في الناتج الاجمالي المحلي عند 3.5 في عام 1998 وهو اقل بقليل من المعدل الذي تحقق في السنتين السابقتين. وما يزال الوضع الاقتصادي في البلاد يتأثر سلباً بالعجز الكبير في ميزانية القطاع العام الذي ادت في السنوات الست الاخيرة الى نمو سريع في الديون المحلية والخارجية اذ اصبحت خدمة الدين العام تشكل حوالى 75 في المئة من الايرادات العامة وحوالى 40 في المئة من اجمالي الانفاق. وبعد ان وصلت نسبة العجز في الميزانية الى الناتج المحلي الاجمالي الى حوالى 24 في المئة في عام 1997 تراجعت الى 14 في المئة السنة الماضية، في حين بقيت نسبة الدين الداخلي الى الناتج المحلي عند معدلها المرتفع في حدود 110 في المئة. ونظراً لاعتماد لبنان عل التحويلات من الخارج وعلى تدفقات رأس المال قصير الاجل لتمويل العجز المتنامي في الحساب الجاري نجد ان ميزان المدفوعات يبقى عرضة لتغييرات آتية من الخارج. ولا بد من تطبيق خطة شاملة تهدف الى ابطاء نمو الدين العام وتقليص العجز في الميزانية حتى يتسنى الحفاظ على ثقة المستثمرين والمقرضين. ومع اتباع سياسة مالية تقشفية هذه السنة والانخفاض المتوقع في تحويلات اللبنانيين العاملين في الخارج والاستثمارات المباشرة خاصة من دول الخليج سيكون لهذه العوامل تأثير سلبي على معدل النمو الاقتصادي اذ يتوقع له ان يتراجع الى حوالى 2.5 في المئة عام 1999. النمو الاقتصادي في المغرب يتوقع له ان يتراجع هذا العام الى حوالى 3 في المئة بالاسعار الثابتة وهو اقل بكثير من معدل النمو في السنة الماضية الذي بلغ 6.3 في المئة كما ان معدل التضخم يتوقع ان يبقى منخفضاً. والسبب الرئيسي لتراجع النمو هذا العام يعود الى ضعف الانتاج الزراعي خلال الموسم الحالي، اذ يشكل قطاع الزراعة حوالى 17 في المئة من اجمالي الناتج المحلي، ومع ان الاصلاحات الاخيرة انعكست ايجاباً على الآفاق الاقتصادية في المغرب، الا انه يبقى هناك بعض نواحي الضعف خصوصاً العجز المتنامي في الميزانية العامة وتأثر الاوضاع الاقتصادية وبخاصة قطاع الزراعة بالاحوال المناخية، ووجود ديون خارجية بحوالى 18 بليون دولار. ولا شك ان التسريع في الاصلاحات الهيكلية ومتابعة الاتجاه نحو التخصيص وتحسين البنية القانونية وتعميق الاسواق المالية سيساعد على ايجاد المناخ المناسب لتحقيق نمو افضل هذه السنة. ويتوقع لتونس ان تسجل اعلى معدل نمو حقيقي في الناتج المحلي هذه السنة بعد مصر في حدود 4.2 في المئة مقارنة مع 4.8 عام 1998. ولقد حافظت السياسات المالية السليمة على معدلات تضخم منخفضة خلال الاعوام الماضية لم تتعد 3.1 في المئة عام 1998. وسيساعد الوضع الاقتصادي الجيد والاستقرار السياسي في البلاد، وتحرير التجارة من القيود، وتطبيق الاصلاحات الهيكلية بما فيها تسريع عملية التخصيص على زيادة ثقة القطاع الخاص، ويحفز رؤوس الاموال الخارجية على دخول البلاد. وتقوم السلطات بتكثيف سياساتها لمواجهة التحديات التي تمثلها اتفاقية الشراكة في التجارة الحرة مع السوق الاوروبية وبخاصة الخفض الكبير في عائدات الرسوم الجمركية وتأثير ذلك في العجز في ميزانية الدولة بعد ان وصل الدين العام الى 78 في المئة من اجمالي الناتج المحلي الاجمالي عام 1998. في الجزائر يتوقع ان تؤدي عوامل عدم الاستقرار على الساحة السياسية وانخفاض اسعار النفط الى تراجع معدل النمو الاقتصادي بالاسعار الحقيقية في البلاد هذه السنة الى 2.5 في المئة مقارنة بنسبة 3 في المئة عام 1998 و3.1 في المئة عام 1997 وسيكون لتراجع الانتاج في القطاع الزراعي بسبب الاحوال المناخية غير الملائمة تأثير سلبي على النمو الاقتصادي. وسيؤدي تراجع الايرادات الى الحدّ من قدرة الحكومة على مواجها المشاكل الاجتماعية بخاصة ان النفقات في الميزانية العامة لا يمكن تقليصها بسهولة، فهي في معظمها اجوار لموظفي القطاع العام وفوائد على الديون تشكل في مجملها حوالى 42 في المئة من الانفاق الاجمالي. وربما ادت عوامل عدم التوازن الداخلية والخارجية الى ظهور بعض الضغوط على الدينار الجزائري هذه السنة. وسجلت سورية بعض التباطؤ في النشاطات الاقتصادية عام 1998 اذ لم يتعد معدل النمو في اجمالي الناتج المحلي الحقيقي 1.5 في المئة مقارنة ب 1.9 في المئة عام 1997. ولا يزال القطاع الخاص في سورية يلعب دوراً محدوداً مما جعل الاقتصاد يتأثر في شكل واضح بتراجع اسعار النفط منذ نهاية عام 1997 بخاصة مع قيام الحكومة بخفض الانفاق على المشاريع خلال العام الماضي. وساهمت عوامل اخرى مثل الهبوط في اسعار القطن، وتقليص المساعدات والحوالات من دول مجلس التعاون الخليجي، في تباطؤ النمو الاقتصادي عموماً، والمؤشرات الاولية هذه السنة ليست افضل مما كانت عليه العام الماضي، اذ يتوقع للنمو الاقتصادي الحقيقي ان لا يزيد عن 1 في المئة. ويتأثر الاردن اكثر من غيره بعوامل وقوى خارج نطاق حدوده وارادته، فالمناخ السياسي الاقليمي والانخفاض في التحويلات من العاملين في دول الخليج والحصار المستمر على العراق، والقيود على التبادل التجاري مع مناطق الحكم الذاتي الفلسطيني انعكست سلباً على الوضع الاقتصادي الاردني. ويتوقع ان يسجل اجمالي الناتج المحلي نسبة نمو حقيقية في حدود 0.5 في المئة هذا العام مقارنة مع نسبة تقديرية في حدود 1 في المئة عام 1998 و2.2 في المئة عام 1997، والتخوف من ظهور بعض نواحي عدم الاستقرار في البلاد خلال المرحلة الانتقالية الحالية سيجعله من الصعب على المصرف المركزي اتباع سياسة نقدية اقل تشدداً. وستبقى التوقعات غير المتحققة حول استحقاقات السلام مع اسرائيل عاملاً سلباً ذا تأثير في القرارات الاستثمارية المستقبلية في الاردن، غير انه اذا ما قامت الدولة بتجديد برنامج التصحيح الاقتصادي مع صندوق النقد الدولي واتبعت سياسة واضحة تجاه تخصيص بعض مؤسسات القطاع العام فان ذلك سينعكس ايجاباً على المناخ الاستثماري في البلاد. اسواق الاسهم في المنطقة كان لانخفاض اسعار النفط وتداعيات الازمة الآسيوية وتباطؤ النمو الاقتصادي في المنطقة أثره السلبي في اداء اسواق الاسهم العربية العام الماضي، ومن بين الدول العربية التي فتحت اسواقها لتدفقات رؤوس الاموال العالمية، عانت ثلاثة منها وبدرجات متفاوتة من انتشار العدوى الناجمة عن قيام محافظ الاستثمار العالمية بالخروج من كافة الاسواق الناشئة. ولكن الانخفاض كان اقل حدة من ذلك الذي سجل في اسواق آسيا واميركا اللاتينية، اذ تراجعت اسعار الاسهم بنسبة 24.7 في المئة و18.1 في المئة على التوالي في مصر ولبنان عام 1998 فيما ارتفع سوق الاسهم الاردني ارتفاعاً طفيفاً وبنسبة 0.54 في المئة الرسم البياني الثاني. ولم تكن دول مجلس التعاون الخليجي التي أبقت على القيود التي تحدّ من ملكية الاجانب للاسهم المحلية في منأى هي الاخرى عن تقلبات الاسواق العالمية. وسجلت عُمان والمملكة العربية السعودية والبحرينوالكويت تراجعاً في مؤشرات اسواق الاسهم بنسبة 53.5 في المئة و28.9 في المئة و4.9 في المئة و40.5 في المئة على التوالي في حين اظهرت اسواق الاسهم في كل من الامارات العربية المتحدةوقطر ارتفاعاً خلال الفترة نفسها بنسبة 5.8 في المئة و34.4 في المئة على التوالي. وتأثرت بلدان الخليج خصوصاً بتراجع اسعار النفط والسلع الاخرى مثل البتروكيماويات والاسمنت والاسمدة والالمنيوم وغيرها وما لذلك من تأثير على ربحية الشركات المحلية المصدرة لهذه السلع والمنتجات. اما في شمال افريقيا فسجل سوق الاسهم المغربي اداء جيداً اذ ارتفع مؤشر سوق الاسهم في الدار البيضاء بحوالى 19.9 في المئة عام 1998، بعدما قام المستثمرون المحليون بامتصاص ضغط البيع من قبل المستثمرين الاجانب. وفي تونس سجلت البورصة زيادة محدودة قدرها 1.89 في المئة اذ ان المتعاملين في السوق المحلية ما زالوا ينتظرون قيام الدولة بعمليات تخصيص واسعة. الا ان التوقعات لاسواق الاسهم العربية هذه السنة افضل بعض الشيء عما كانت عليه في العام الماضي وعلى رغم ان معدلات النمو الاقتصادي ربما تتراجع بعض الشيء مقارنة بعام 1998 كما ان الاسواق المالية لدول المنطقة قد تتأثر سلباً بالازمة البرازيلية، الا ان العديد من الاسهم العربية تبدو رخيصة لجهة التقييم مقارنة بأسواق الولاياتالمتحدة واوروبا وبعض الاسواق الناشئة الاخرى، ونذكر هنا ان معدل مضاعف السعر الى العائد الى سوق نيويورك المالي وصل الى اعلى مستوى له منذ عام 1935 في حدود 25 لمؤشر ستاندراد اند بورز. وبالمقارنة في منطقتنا نجد ان مضاعف السعر الى العائد لا يتعدى 12 في كل من السعودية ولبنان وعُمان ومصر. اضافة الى ذلك نجد ان اكثر من نصف الاسهم العربية يتم تداولها بأقل من قيمتها الدفترية، وحتى عند اخذ الفروقات في الممارسات الحسابية، فان مثل هذه التقييمات تبدو مغرية للاستثمار الطويل الأجل. كان أداء اسواق الاسهم العربية عام 1997 مشابهاً للاسواق الناشئة الاخرى، وفي عام 1998 تراجعت اسعار الاسهم مع خروج المستثمرين الاجانب وتردد المستثمرين المحليين بسبب انخفاض في اسعار النفط وضعف الحالة الاقتصادية المحلية. اما هذه السنة فمن المتوقع ان يتباين الاداء بين سوق عربي وآخر وبين القطاعات في السوق الواحدة، لذا يجب على المستثمر ان يكون اكثر تمييزاً بحيث يركز على الدول التي لها توقعات نمو ايجابية مثل مصر والمغرب، وتونس واختيار الشركات التي تبدو اسهمها مقومة بأقل من قيمتها الحقيقية ولها وضع مميز في السوق يتيح لها الحفاظ على ربحيتها. خاتمة اذا حافظت اسعار النفط على معدلاتها المنخفضة وصحّت التوقعات في شأن تراجع معدلات النمو الاقتصادي هذا العام فان ذلك قد يكون محفزاً لحكومات دول المنطقة لاتباع سياسات اعادة هيكلة وتصحيح جذرية. وتم التركيز في الاعوام القليلة الماضية على لجم الانفاق العام عن طريق الحد من المصاريف على المشاريع بدل تقليص بنود الانفاق الجاري مثل الاجور وتكاليف خدمة الدين العام، ومخصصات الانفاق العسكري، واذا استثنينا حالة او حالتين فان التخصيص في المنطقة لا يزال يسير بشكل بطيء بسبب عدم وجود اسواق رأس مالية متطورة اضافة الى التوجهات السياسية الرافضة للتغيير. وتعتبر التطورات الاخيرة تحدياً صارماً للسياسات الاقتصادية المتبعة واصبح ضرورياً اليوم اعادة رسم خريطة جديدة لمستقبل الاقتصاد العربي. تمر منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا في مرحلة من الركود الاقتصادي من سماتها ضعف الطلب المحلي ووجود عجز في الموازين الداخلية والخارجية. كما ان السياسة النقدية الانكماشية المتبعة في معظم دول المنطقة والتي تهدف الى الحفاظ على اسعار صرف ثابتة للعملات المحلية مقابل الدولار تحد من النمو في الائتمان وتضيف الى مشاكل الركود والبطالة وترفع من حجم الديون المعدومة. ان الدروس المستفادة من الازمة الآسيوية العام الماضي والازمة في البرازيل مطلع السنة الجارية تشير الى ان السياسة التقشفية التي يفرضها صندوق النقد الدولي ليست كافية بحدّ ذاتها اذ ان مثل هذه السياسة تدفع في اتجاه الركود في بلاد تعاني من نقص في الاستثمار والاستهلاك. وبدأت تايلاند وكوريا بالخروج من حالة الركود الاقتصادي عندما اخذت بخفض معدل اسعار الفائدة وزيادة الانفاق الاستثماري على المشاريع وادخال آليات تحكّم ورقابة صارمة على المصارف والشركات وزيادة شفافية ووضوح الاوضاع المالية لهذه المؤسسات. يتطلب تصحيح الاوضاع في منطقة تشكو من ضعف النمو الاقتصادي سياسات مالية ونقدية توسعية وليست تقشفية. غير ان خفض معدل اسعار الفائدة وجذب الاستثمار المحلي والاجنبي لا يتحققان اذا لم تقم هذه الدول باعادة هيكلة تشمل السيطرة على العجز في الميزانية وقيام المصارف بأخذ المؤونات الكافية لتغطية الديون المشكوك في تحصيلها، وتقليل القيود البيروقراطية ووضع نظام صارم لمراقبة المصارف، ولتشجيع مشاركة اكبر للقطاع الخاص لا بد من وضع اطار قانوني مناسب والتركيز على شفافية التقارير المالية التي تصدرها الشركات والمصارف والحكومات. كما تحتاج المنطقة ايضاً الى جذب الاستثمارات المباشرة من الخارج واستثمارات المحافظ المالية العالمية، وتعزيز سيولة اسواق الاسهم من خلال التخصيص وايجاد ادوات مالية لتحريك المدخرات المحلية. ويجب على الدول العربية في المقام الاول ان تقوم بإدخال الاصلاحات السياسية ووضع الضوابط والموازين التي تتوافق مع التوجهات الاجتماعية والدينية والثقافية لهذه الدول. واذا كنا فعلاً نريد ان يقوم القطاع الخاص بدور اكبر في تحمّل المسؤولية الاقتصادية فلا بد ان يكون لهذا القطاع صوت يُسمع في القرار السياسي وان تؤخذ مصالحه في عين الاعتبار. * كبير الاقتصاديين وعضو منتدب في مجموعة الشرق الاوسط للاستثمار MECG