لم يتخلّف "الجنرال" ثلج عن القدوم في موعده المنتظر الى لبنان هذه السنة، ليلتقي اللبنانيين الذين ينتظرونه بشوق لممارسة رياضتهم المفضّلة: التزلّج. أرتال السيّارات انتقلت - خصوصاً في العطل - من السواحل الى الطرق الجبليّة. رحلات مدرسيّة وجامعية وعائلية، شبّان وصبايا يضربون مواعيد على المرتفعات المكلّلة، ليكون لقاؤهم أكثر رومانسيّة بين أحضان الثلوج. موسم التزلّج القصير نسبياً، ينتظره اللبنانيون ليتمتعوا بلذّة "الطيران" في الفضاء فوق المساحات الناصعة البياض. الناظر من بعيد الى محطات التزلّج وأهمها في فاريا - المزار، الأرز واللقلوق، تدهشه كثافة "المتزحلقين" على البساط الأبيض. لكنه لا يعرف أنّ وراء الأجواء الباردة والممتعة، ثمة تكاليف حارّة تكوي الجيوب الخاوية. القاعدة الذهبية الأولى التي تخوّل تحديد موعد مع "ملك الجبال"، هي الإنتماء الى طبقة الأغنياء والموسرين، حتى أن "كلمة تزلّج في لبنان، أصبحت مرادفة لكلمة ثري"، حسبما تقول إحدى الشابات اللبنانيات. فحذار! قبل أن تتحمّس وتتجرّأ على الصعود الى أحد مراكز التزلّج، يتعين عليك أن تحسب ألف حساب: اجمع واطرح واضرب واقسم راتبك، فإن كنت من ذوي الدخل المحدود، من الأفضل أن تتريّث وتتجنّب التفكير في "التزحلق" على الجليد، كي لا "تنزلق" ميزانيتك الى الهاوية. الواقع أن الأسعار الحارقة كالجمر تشعل هذا الموسم السنوي. كما أن هواية التزلّج أنانية وتفرض متطلبات من الصعب الاستغناء عنها. يبدأ كوى الأسعار بالثياب الخاصة والحذاء، مروراً بالقفازات والنظارات وصولاً الى المزلاجين. وقد وجد بعض الهواة سبيلاً الى التوفير عبر استئجار الثياب التي تبلغ كلفة شرائها 250 دولاراً كحدٍّ أدنى، بينما يكلف استئجارها 10 دولارات. أمّا أصحاب الأوضاع الماديّة "الرقيقة" جدّاً، ولا سيما طلاب الجامعات، فيقنعون بارتداء "الجينز" والكنزة الصوف والمعطف العادي، والتفرّغ على المتزلجين متمتّعين بأشعّة الشمس، تكسبهم لوناً برونزياً جميلاً و... مجاناً! تنحصر هذه الرياضة فعليّاً إذاً بالأغنياء، وبعض السياح العرب والأجانب. هؤلاء يرتادون الجبال يومياً تقريباً. أمّا الفقراء من طلاب وموظفين وعمال، فيكتفون بالذهاب مرّة أو اثنتين سنوياً. فالميزانية التي يجب رصدها لهذه الهواية ليست "مزحة"، وقد تصل الى 300 دولار شهرياً في حال ذهب شاب مرتين في الأسبوع مصطحباً صديقته التي سيدفع عنها طبعاً نظراً الى شهامته اللبنانيّة وكرمه! الأمثلة "الحارة" الأخرى كثيرة، فتعرفة يوم واحد في إحدى المحطات المعروفة تبلغ 35 دولاراً للمحترفين، و20 دولاراً للمبتدئين. وترتفع الأسعار وتتضاعف في ال"ويك أند" والعطل. لا تتضمن هذه المصاريف بنزين السيارة والمرطبات والسندويشات التي "تدوبل" أسعارها في تلك الأماكن المصنّفة سياحية. في المقابل، تقدّم المحطات اللبنانية خدمات جيّدة لروادها. فهي مزوّدة بأحدث التجهيزات: مصاعد كهربائية تتسع لشخصين أو ثلاثة، مصاعد ميكانيكية افرادية، الى ذلك، تحظى كل فئة من المتزلجين بطلبها: فهنا محطات صفراء للمبتدئين، وهناك محطات سوداء للمحترفين، تجاور المدارج فرق من الصليب الأحمر اللبناني المتأهبة دوماً لتقديم الإسعافات الضرورية. فقد يبالغ أحد المتزلجين في حماسته، ويحسب نفسه "سوبرمان"، ولا يصحو إلاّ وقد اصطدم بصخرة كبيرة مغطاة بالثلوج، فيهوى جريحاً! الى ذلك، تحوط مراكز التزلج في لبنان المطاعم والفنادق الفخمة وأماكن تخصص لحمامات الشمس. يبقى أخيراً، أن القاعدة الذهبية الأولى للمتزلج اللبناني العادي، هي الاحتراس، واختيار هواية أخرى أكثر "شعبية" يقضي فيها أوقات فراغه شتاء كي لا يأتي الربيع وبعده موسم البحر وهو مفلس! الصور لجوزيف نخلة